لأي أمر فعلت؟
مسكينة هي المرأة إذا أخطأت أو غفلت أو اشتبهت، فعالم الرجال الخشن لا يرحمها، ولا يقبل عذرها، ولا يتأمل في دواعيها ودوافعها، القضية عند الرجال تتلخص في أنها أخطأت وعليها تحمل خطئها وكفى، أما الأسباب والدوافع فلا يحب أغلب الرجال أن يتطرقوا إليها.
يشعر الرجل منذ صباه أنه مخول بقمع أخواته، وإن كنّ أكبر منه سنا،وبالتجرؤ أحياناً على أمه وعدم احترامها وطاعتها، لا بسبب أوامر مباشرة له بل بسبب أجواء المنزل، ومناخ المجتمع، وبيئة العادات والتقاليد التي يعيشها فتصنعه وتشكل تصوراته تجاه الأنثى القريبة منه في المنزل، وإن كانت أمه التي حملت به وأرضعته وربته ولا تزال مشغولة به.
لقد رأيت قبل فترة وجيزة رسماً كاريكاتيراً في إحدى الجرائد، يتكون من ثلاثة رجال، هم الأب والابن الشاب وطفل صغير، وفي مقابلهم كانت الأم، وبنت شابة وثالثة صغيرة السن، وقد أجاد الرسام حين رسم أو جعل رؤوس الرجال على شكل مطرقة، ورؤوس النساء على شكل مسامير، حتى الصغير من الرجال(الطفل) كان رأسه مطرقة، وعلى أخواته وأمه أن يتجهزن لضرب الكبار، ويمهدن أنفسهن حين يخلف الصغار آباءهم.
في بيئتنا كلما كبرت الفتاة زاد حجم مأساتها، فاغلب الفتيات لا يجدن بعد تخرجهن مكاناً يتابعن فيه دراستهن الجامعية، وإنما يتركن إلى الفراغ القاتل في منازل آبائهن، لتتبدد أيام حياتهن بين النوم وشاشة التلفاز، أو التسلي بمحادثات النت.
وحين تصل المرأة إلى بيت الزوجية وقفص الحب، فإنها بذلك تنتقل من سلطة إلى سلطة أخرى، إذ إن القليل من الرجال هم الذين يعتبرونها شريكة في تسيير الحياة، ومساهمة في صنع القرار، وركناً أساساً في التخطيط العائلي.
يمارس الرجل(الزوج) مع زوجه (أحياناً) سلطة تعسفية يخوّل نفسه بموجبها إذلال المرأة (الزوجة) وضربها أمام أطفالها وأولاها، كي تصبح بلا شخصية ولا هيبة ولا مكانة في أسرتها وبين أبنائها، والويل لها إن تظلمت أو اشتكت، أو حاولت إدخال احد من أهلها أو أهله أو أصدقائه للمساعدة والعون والمناصحة، لأنها تكون قد ارتكبت جريمة لا يغفرها الزوج، فهو لا يريد أن يتدخل احد في مملكته ودكتاتوريته وبطشه.
كم اشعر بالحزن حين تتصل بي امرأة وهي تشكو مشكلتها مع زوجها، وتطلب التدخل لمساعدتها بالحديث معه ونصحه، ولكنها تشترط أن لا يعلم الزوج أنها هي التي أخبرتني عن الموضوع، لأنه لن يرضى وقد يدفعه ذلك لأن يشبعها ضربا، فهو يعتبرها قد كشفت أسرار الأسرة وعرتها أمام الناس، ثم تنهي المرأة مكالمتها بالاعتذار والمطالبة بترك الموضوع لتتمتم في داخلها بحسرة وألم (حسبي الله ونعم الوكيل).
ولو وجدت الشجاعة في امرأة وأوصلت قضيتها إلى المحكمة، وبسطت أوراقها وأدلتها على ذلها وظلمها وسوء تعامل زوجها، فإن ملفات القضايا التي سبقتها كفيلة بتبديد أملها، فالمواعيد بالأشهر وغياب الزوج عن الجلسات يباعد بين تلك الأشهر، وعلى المرأة أن تنتظر دون تذمر أو انزعاج حتى لا تحرم من النظر إلى قضيتها.
هنا إذ تغلق كل الأبواب في وجه المرأة، ويصبح زادها اليومي أحياناً هو الذل والهوان، ومكانتها المستحقة هي التحقير والاستنقاص، فإنها تكون بالفعل مهيأة للارتماء في أحضان الدجالين.
لقد كان بينها وبين الدجال مسيرة طويلة ومعقدة، اشترك في إثمها عدد كبير من الرجال ابتداء من الأب ومروراً بالزوج وصولاً إلى القضاء والمحاكم وانتهاءً بكل محيطها الأسري والاجتماعي المتفرج.
أبواب كثيرة تطرقها المرأة قبل أن تسقط في وحل الدجالين، لكنها للأسف ترفض أن تستجيب للطارق، أو تحميه أو تشعره بالدعم والمؤازرة، ويبقى باب الشيطان مفتوحاً بأعوانه الدجالين، لتدخل فيه نساؤنا ويسدل الستار.
هل يُبَرر فعلهن هذا؟ هل يُقبل منهن ما يصنعن بأنفسهن وشرف عوائلهن؟ هل سيكسبن من هذا الطريق فلاحاً أو سعادة أو نجاحاً؟ ليكن الجواب مطليا بماء الذهب ومريحاً لنا، ولنتخذ من الأجوبة ما شئنا، لكن الشيء الذي يجب أن لا نغفله هو أننا كنا الطريق الموصل إلى ذلك الباب، وأننا نحن معاشر الرجال كنا الأيدي التي طرقت أبواب الدجال، ونحن من سلمنا أماناتنا وكرامتنا وشرفنا إليهم.
ولكي أكون رجلاً في نهاية مقالي أقول: أن هذا لا يعفى المرأة من مسؤوليتها في اختيار الطريق.