مشاهدات من المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار
دخول خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز علينا لافتتاح المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار، والذي رعاه بقصر الصفا في مكة المكرمة يرافقه رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام في الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشيخ أكبر هاشمي رفسنجاني وجه للمشاركين رسالة حكيمة ومعبرة ومهمة.
لقد كان المشاركون مأخوذين ومشدودين لكلمة الافتتاح التي ألقاها خادم الحرمين الشريفين وما أعقبها من الكلمات الرائعة، وقد سمعت كثيرا منهم في الجلسات التي جمعتني بهم يعبرون عن رضاهم واعتزازهم بالإشارات والرسائل التي وجهتها كلمات الافتتاح لقلوبهم.
رابطة العالم الإسلامي ممثلة بأمينها العام معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، كانت واعية للساحة وبعض ردات الفعل العجولة والمنفعلة التي ستصدر من هنا وهناك باسم الدين والعقيدة، لذلك كان محور الجلسة الأولى استباقيا، وجاء تحت عنوان (التأصيل الإسلامي للحوار).
حاول المشاركون في أوراق هذا المحور استحضار آيات القرآن الكريم وقصصه التي تنحو منحى الحوار، كما قاموا بجمع أكبر قدر ممكن من أحاديث الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم)،التي تتحدث عن هذا الجانب، وعمدوا لتناول بعض سيرته في علاقاته مع المشركين والنصارى واليهود وغيرهم، وكان ذلك ردا هادئا وحكيما من شأنه أن يصحح المفاهيم، ويحد من تعنت المعاندين.
بعد انتهاء الجلسة حاولت جهدي التركيز على المداخلات التي انهمرت محملة بالآمال والتوقعات لما ينبغي أن يحققه هذا المؤتمر, فاقترح بعضهم أن يتجاوز المؤتمرون الأوراق المكررة في كل مؤتمرات الحوار، والتي تتحدث عن مشروعيته وضوابطه والبحث عن الآيات القرآنية والتوجيهات النبوية التي تدفع المسلمين نحوه إلى تبني برامج عملية في الحوار.
ورأت هذه المداخلات أن الحديث الدائم عن مشروعية الحوار هو مراوحة في المكان المألوف والمعهود من هذه المؤتمرات وهي لا تؤدي غاية الوصول إلى الأهداف والآمال التي تنسج حول هذه المؤتمرات.
لقد كانت أغلب المداخلات المطالبة ببرامج عملية تؤكد روح الترابط وحقيقته في العالم هي مداخلات لرؤساء يديرون فروعا لرابطة العالم الإسلامي، ولمراكز ومؤسسات إسلامية وعلمية تعيش في المهجر وفي بلاد الغرب تحديدا.
إن المتأمل في هذه المداخلات يشعر بالحرج الشديد الذي يساور مختلف المؤسسات والجمعيات بما فيها فروع رابطة العالم الإسلامي في البلاد الأخرى، حين يحاول قياديوها الانطلاق من الأفكار المجردة إلى ساحة العمل المشترك مع الآخر وفي حدود معينة، فيواجهون حملة تشويه من جهات دينية تكاد تخرجهم عن ملتهم، فيتوقفون عن بعض مبادراتهم حفاظا على الأهم، في انتظار أن تتضح الخطوط العامة للعمل المشترك المسموح به مع الآخر غير المسلم.
نسبة المداخلات التي طالبت بالتوجه إلى البيت الإسلامي الداخلي الكبير عالية جدا ,لقد رأت أن الانطلاق في حوار الأديان والحوار العالمي لن يؤدي ثمرته المطلوبة قبل أن نحث السير بمصداقية وإرادة، نسعى من خلالها لترميم البيت الإسلامي الداخلي، فلئن عجزنا في الداخل الإسلامي أن نتحاور مع ما بيننا من مشتركات القرآن الكريم والقبلة الواحدة وخاتم الأنبياء، فإننا أعجز عن التفاعل والتحاور بيننا وبين بقية الأديان , والمعادلة واضحة لا لبس فيها ولا تخفى على أحد.
كما أن غير المسلمين من أتباع الأديان الأخرى لا يستطيعون قراءة رسالتنا في الحوار معهم بالطريقة التي نأمل ونريد ولن يستقبلوها بصدقية وتفاعل جاد.
لقد سوى الغرب بدياناته المختلفة صراعاته منذ زمن وأوجد آلياته للعمل المشترك بين مكوناته, واستطاعت مصالحه أن تصنع تكتلات كبيرة لمواكبة متطلبات العالم ومواجهة تحدياته وتسلم زمام قيادته,فتوحدت دوله وتداخلت شركاته ومؤسساته, وتوافقت رغبة أبنائه وشرائحه فيما يخص أديانهم ومعتقداتهم على قاعدة من قواعدنا القرآنية (لكم دينكم ولي دين).
لقد ساق لي أحد المشاركين في المؤتمر مثالا عفويا جميلا قائلا:بعيد كل البعد أن يقبل أحد جيرانك وأصدقائك مشاركتك في مشروع اقتصادي وهو يرى صراعاتك المالية مع إخوانك وأهلك وعشيرتك في وتيرة متصاعدة لا تهدأ أبدا, لن يمنحك هذا الشخص ثقته ولن يندفع للتعامل معك.
وقد أعجبتني الإجابة العملية الهادئة التي قدمها معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، وكأنه احتمل هذا النوع من المداخلات فاستبقه بإيكال إدارة جلسة من الجلسات ليترأسها فضيلة الشيخ محمد علي التسخيري الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في إيران، ومن إيران إلى العراق حيث ورقة جميلة قدمها الدكتور الشيخ جواد محمد مهدي الخالصي، رئيس الجمعية الخالصية.
لم تكن هناك قيود تفرض على المداخلات بل كانت كلها ارتجالية يعرضها المداخل حسب وعيه وفهمه وحماسه وانفعاله أحيانا.
وكانت تلك المداخلات تدون فحسب، دون أن تواجه أو ترد إلا إذا كانت نقدا أو تساؤلا على ورقة بحث مقدمة، فلصاحب الورقة الحق في الإجابة والرد.
ختاما المؤتمر جاء في وقته المناسب، وقد هيأ أرضية طيبة يمكن أن تستفيد الأمة منها، فشكرا لخادم الحرمين على دعوته ورعايته وشكرا للرابطة على تبنيها وانجاحها، وأمامنا المستقبل الذي نرجو أن يشهد بحسن تبنينا وصدقنا.