الشيخ الصفار لإذاعة BBC: لابد من سن تشريعات تجرم إثارة الفتنة والتحريض
أجرت إذاعة BBC العربية لقاء مع سماحة الشيخ حسن الصفار حول ما جاء في خطبة الجمعة 9/6/1429هـ والتي تعرض فيها سماحة الشيخ لما يحدث من إثارات للفتنة الطائفية، داعياً إلى نهج سلوكٍ عقلائيٍّ في مواجهة هذا التطرف تبرز ملامحه في عدة أمور: وجود تشريعات وأنظمة تُجرّم المنهج المتطرف بكل أنواعه ووسائله، التصدي لتوعية الناس بأخطار هذه التوجهات وفضحها، نشر ثقافة الوحدة والتسامح والتقريب والألفة وهذا أقوى ردّ لمواجهة دعاة التطرف في المجتمع، وأخيراً تشجيع التواصل والتداخل بين أبناء الوطن، بعيداً عن سياسة الفرز والتمييز الطائفي.
BBC: طالبتم شيخ حسن في خطبة الجمعة التي ألقيت يوم الجمعة الماضي بضرورة سن تشريعات وأنظمة تجرم إثارة الفتنة والتحريض، وقد جاءت هذه المطالبة على خلفية بيان صدر من قبل بعض الرموز الإجتماعية والدينية في السعودية فيها إشارات يعتبرها الكثيرون فيها تقليل لشأن أتباع المذهب الجعفري أو الشيعي.. كيف ترون ضرورة التحرك إيجابيا في اتجاه حد السلبية في مثل هذا البيان؟
سماحة الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، نحن نلحظ أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله يبدي اهتماما كبيرا بالحوار بين أتباع المذاهب والشرائح المختلفة في الشعب السعودي، ونلحظ أن هناك تركيزا من قبل الدولة، وكل الواعين من أبناء الوطن، على تركيز الوحدة الوطنية، لكن هذا التوجه يجب أن يردف بالتشريعات والقوانين التي تحميه من المحاولات التي تريد إثارة الفتنة بين المواطنين، وتمزيق أبناء الشعب بحسب انتماءاتهم المذهبية، أو المناطقية، أو القبلية، إذا لم تكن هناك تشريعات وقوانين تحمي هذا التوجه الوحدوي الذي يقوده خادم الحرمين الشريفين فإن الساحة ستكون مفتوحة أمام مثل هذه المحاولات، وهذا ليس أول بيان يصدر، وإنما سبقته بيانات، وسبقته فتاوى أيضا تكفيرية، تكفر بعض الكتاب وبعض المفكرين، وبالتالي تجعل حياتهم في معرض الخطر، فلا بد من وجود تشريعات، وقوانين تجرم إثارة التحريض، وإثارة الكراهية والفتنة بين المواطنين، وأعتقد أن هذا ينسجم مع توجهات الملك، وتوجهات الدولة، وما تقتضيه ضرورة حفظ الوحدة الوطنية، والوقوف أمام المشاكل التي تجري في المناطق الأخرى.
BBC: هل يكفي سن القوانين والأنظمة التجريمية للوقوف أمام مثل هذه البيانات والطروحات مادامت تعبّر عن اتجاه مجتمعي وتيار فكري؟
سماحة الشيخ: لقد تحدثت في خطبتي عن عدد من البرامج، كان أحدها الدعوة إلى سن تشريعات وقوانين تجرم التحريض على الكراهية، وإثارة الفتنة، لقد تحدثت عن أهمية نشر ثقافة التسامح والتقريب عبر مناهج التعليم، ووسائل الإعلام، ودعوت العلماء والخطباء إلى أن يقوموا بدورهم على هذا الصعيد، كما أنني تحدثت أيضا عن برنامج آخر هو تشجيع التواصل والتداخل بين أبناء الوطن، وألا نسمح بنمو حالة من الفرز والتصنيف الطائفي المذهبي بين المواطنين، فالحديث كان عن مجموعة من البرامج، شن التشريعات والقوانين التي تجرم التحريض وإثارة الفتنة كان واحدا من تلكم البرامج.
BBC: ما هي نظرتكم لهذه المبادرة هل انها مجرد شيء رمزي ام يمكن التفاؤل بها كشيء عملي يخدم الوحدة والتواصل ويضع حداً للتوجهات المخالفة؟
سماحة الشيخ: هذه مبادرة طيبة كريمة من مجموعة من الأخوة من إخواننا السنة من منطقة الدمام و الخبر، قدموا للصلاة معنا في القطيف وهي مبادرة طيبة استقبلها المصلون عندنا في القطيف والأهالي الذين سمعوا عن الخبر فيما بعد استقبالا طيبا، وأنا أعتقد أنها مؤشر ينبغي أن يفتح الطريق أمام مثل هذه المبادرات، بطبيعة الحال حصلت في الماضي مبادرات طيبة على هذا الصعيد، مثل زيارة بعض العلماء، والدعاة السلفيين لنا في القطيف وإلقاءهم المحاضرات والأحاديث في بعض مجالسنا، كما أننا دعينا إلى مناطق أخرى، إلى مجالس في الرياض، وفي جدة، عند أخواننا أهل السنة، لكن هذه المبادرات تحتاج إلى تكثيف لأن هناك من يحاول محاصرتها، ويحاول إجهاض مثل هذه المبادرات، هناك ضغوط تمارس على كل من يسلك طريق التواصل، والانفتاح بين المواطنين، يحذّر ويخوّف في بعض الأحيان، وتمارس عليه بعض الضغوط من أجل ألا تكون هناك حالة من التواصل، وأعتقد أن الكثيرين من أبناء الوطن من السنة والشيعة يميلون بفطرتهم السليمة، وبحرصهم على مصلحة الوطن إلى التواصل والتداخل، لكن مثل هذه الضغوط هي التي تثبّط العزائم، وتمنع نمو مثل هذه التوجهات، نرحب بهذه المبادرة، ونعتبرها إضافة نحتاج إليها من أجل أن تتراكم مثل هذه المبادرات بين أبناء الوطن الواحد، وبين أبناء الدين الواحد، لخدمة وحدتهم، ولخدمة وطنهم.
BBC: في مناطق أخرى من العالم العربي عندما يستمعون إلى زيارة مثل هذه لا تعتبر خطوة سابقة أو مهمة، هي بالطبع مهمة ولكنها بسيطة، قد يتساءل البعض: ما هو مستوى القطيعة إذا الذي يمكن أن يجعل مثل هذه الخطوة البسيطة خطوة مهمة؟
سماحة الشيخ: لكي يعرف الرأي العام عن مستوى القطيعة ينبغي متابعة ما يبث على مواقع الانترنت، ففي اللقاء الأول للحوار الوطني الذي انعقد في الرياض، بمبادرة خادم الحرمين الشريفين يوم كان وليا للعهد، حصل أن ركبت أنا وفضيلة الشيخ سليمان العودة في سيارة واحدة في طريقنا إلى جلسات المؤتمر، هذا أثار الكثير من اللغط على مواقع الانترنت، ووصلت للشيخ العودة رسائل كثيرة، على جواله، وبالإيميل، تتساءل عن هذا الأمر، وتحذره من خطورة القضية، يعني بمجرد أن يتصاحب أو يجلس شخصان ضمن التوجه الديني في سيارة واحدة هذا يثير لغطاً كبيراً في تلك الساحة، وحينما زارنا فضيلة الشيخ عوض القرني في القطيف، أيضا دار لغط كثير في مواقع الانترنت، وأحدى الصحف عملت معه مقابلة هي أشبه بالمحاكمة، لماذا زرتم القطيف؟ ولماذا زرتم الشيعة؟ وهل استأذنتم من العلماء وتشاورتم معهم قبل الإقدام على هذه الخطوة؟ نعم هناك حالة من القطيعة، وحالة من الجفاء، ولا زال بعض المتشددين يستشكل في رد السلام على المواطنين الشيعة، حينما يسلم عليه الشيعي: السلام عليكم.. فإنه يتردد في أن يرد عليه تحية الإسلام، وإنما يكتفي بإجابته: أهلا ومرحبا، لا يقول له وعليكم السلام، باعتبار أن هذا الجواب يقال للمسلم، وهو غير متأكد من أن هذا الشيعي مسلم!! نعم هناك حالة من القطيعة، لكنها في بعض الأوساط، وليست في كل الأوساط، بشكل عام الحمد لله في بلادنا هناك تداخل بين المواطنين في الجامعات، وفي المدارس، والمؤسسات والأعمال، وفي الأسواق، هناك تداخل وتواصل بين المواطنين، لكن الكلام عن بعض الأوساط الدينية التي تسودها أجواء التشدد، والتطرف الفكري والديني.
BBC: هل تعتقدون أننا في الاتجاه المناسب، وهل تعتقدون أن هذه الحالة من القطيعة في طريقها للانكماش؟ أم أنها يمكن أن تتفاقم؟
سماحة الشيخ: هناك مؤشرات تبشر بالخير، وأنها في طريقها للانكماش، لكننا نعاني من تأثير الأحداث الإقليمية، فحينما تحصل أحداث في العراق تأخذ طابعا طائفيا، أو أحداث في لبنان كما حصل أخيرا في بيروت، فإن بعض الجهات والأطراف، ووسائل الإعلام، تركز على البعد المذهبي لتلك الأحداث السياسية، وبالتالي تخلق زوبعة جديدة، وتحاول إعادتنا إلى المربع الأول، وتستلزم بذل جهود جديدة لمعالجة آثار هذه الأحداث التي تحدث هنا وهناك، ما نطمح إليه هو أن نصل في وحدتنا الوطنية، وفي تواصلنا وتداخلنا، إلى حالة من التحصين، بحيث لا تؤثر فينا مثل هذه الأحداث الإقليمية التي لا نستطيع أن نمنع حصولها، لماذا تكون وحدتنا على كف عفريت في انتظار ما يحصل من حدث في هذه الساحة أو تلك؟ ولماذا تكون وحدتنا الوطنية في مستوى من الهشاشة لا سمح الله بحيث أن أي حادث في هذا البلد أو ذاك نعاني نحن من تبعات وتداعيات ذلك الحادث؟ نحن نريد أن تصبح وحدتنا الوطنية متجذرة وقوية، مدعومة سياسيا وثقافيا ودينيا، وعلى صعيد التداخل الاجتماعي، والتداخل المصلحي بين أبناء الوطن.
BBC: شكرا لكم سماحة الشيخ حسن الصفار.