عاشوراء تأكيد الاصالة وتطلعات الإصلاح
مكتب الشيخ حسن الصفار محرر الموقع
تحدث سماحة الشيخ حسن الصفار في محاضرته ليلة العاشر من المحرم1425هـ في الحوزة العلمية الزينبية بجوار مقام السيدة زينب في دمشق الشام وبحضور جمع كبير من العلماء وطلاب العلوم الدينية والمواطنين السوريين والزائرين من مختلف البلدان.
تحدث سماحته حول معاني الاحتفاء بهذه المناسبة العظيمة مركزاً على أربعة أبعاد.
1/ الاحتفاء بشهادة الإمام الحسين وثورته يعني تواصل أجيال الامة مع رموز دينها وتاريخها الاسلامي مما يؤكد أصالة الأمة وتمسكها بهويتها الدينية، خاصة في عصر العولمة والهيمنة العالمية للحضارة الغربية المادية بقيمها وأنماط سلوكها مما يجعل أصالة الأمة وهويتها على محك خطير، وفي إحياء عاشوراء تحصل تعبئة روحية وشحن عاطفي وتوجيه فكري يقوم به الخطباء والأدباء والقائمون على مراسيم العزاء، لتأكيد التمسك بالمبادئ الدينية والولاء لرسول الله وعترته الطاهرة.
وأشار سماحة الشيخ الصفار إلى أن هناك من يعتبر إحياء هذه المناسبة من قبل الشيعة نوعاً من البدع والمخالفات للشرع، لكن مشكلة هؤلاء هي ادعاؤهم الوصاية على الدين وانحصار فهمه عندهم ولا يعترفون بحق غيرهم في الاجتهاد وفهم العقيدة والشريعة الإسلامية ولذلك فهم يعتبرون حتى الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بدعة مع إجماع المسلمين سواهم على أفضليته وأرجحيته، فكل دول العالم الإسلامي والشعوب الإسلامية تحتفي بالمولد النبوي في شهر ربيع الأول من كل عام، ولكن هؤلاء يحكمون على جميع المسلمين بأنهم مبتدعة ومخالفون للعقيدة، وإذا كان من حقهم أن يكون لهم رأيهم واجتهادهم إلا أنه لا يصح لهم أن يصادروا هذا الحق من جميع المسلمين وفيهم العلماء والفقهاء والمفكرون.
إن الشيعة يعتبرون إحياء مناسبة عاشوراء مصداقاً من مصاديق المودة لأهل البيت ولوناً من تعظيم شعائر الله، ولديهم نصوص من أئمتهم الهداة يستدلون بها على فضل هذا الاحتفاء والاهتمام وعلى الآخرين أن يحترموا وجهة نظرهم.
2/ ويعني الاحتفاء بهذه المناسبة إثارة النقد الذاتي لتاريخ الأمة السياسي، فثورة الإمام الحسين كانت احتجاجاً على سياسية الاستبداد ومصادرة رأي الأمة والتلاعب بثرواتها ومقدراتها.
والنقد هنا يتوجه لنهج عانت منه الأمة في تاريخها الطويل وذلك من أجل أن تتلافاه الأمة، فإذا كان الانشغال بالماضي والاستغراق فيه على حساب الحاضر خطأ كبير، فإن تقديس الماضي وتمجيد كل صانعيه بمن فيهم الظلمة والسيئون خطأ أكبر. فلا بد من قراءة التاريخ لأخذ العبر من أحداثه كما هو منهج القرآن الكريم ﴿إن في قصصهم لعبرة﴾.
وتحدث سماحة الشيخ الصفار عن ضرورة المبادرة للإصلاح السياسي في واقع الدول الإسلامية، ولا يكفي أن نرفض المبادرات الخارجية كالمبادرة الأمريكية الأخيرة حول الشرق الاوسط الكبير.
3/ تأكيد الحضور الجماهيري والدور الشعبي من خلال الاندفاع الذاتي عند المحتفين بمناسبة عاشوراء حيث تقام مراسيمها بجهود أهلية في مختلف أنحاء العالم وحيثما يتواجد جمع من الشيعة.
وحذر سماحة الشيخ الصفار من محاولات إثارة الفتن الطائفية حيث تقوم بعض الفئات المتطرفة بالتعبئة ضد الشيعة والتشكيك في دينهم وفي ولائهم لامتهم واوطانهم. مع أن تاريخ الشيعة المعاصر حافل بمواقف الدفاع عن مصالح الدين والأمة إلى جانب اخوانهم من المسلمين الشرفاء، فقد واجه علماء الشيعة في إيران مطلع هذا القرن محاولات النفوذ البريطاني، كما قادوا المقاومة لمحاولات الغزو الروسي، ومواقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم واضحة جلية تجاه الاحتلال الصهيوني ومحاولات الهيمنة الأمريكية.
وفي العراق تصدى علماء الشيعة وعشائرهم العربية الغيورة للاحتلال البريطاني في ثورة العشرين المشهورة ووقف إلى جانبهم سائر ابناء الشعب العراقي.
أما المقاومة الاسلامية في لبنان ضد العدو الصهيوني فهي صفحة العز وموقف الشرف في تاريخ الأمة المعاصر.
فعلى ماذا يزايد المزايدون، وبأي حق يشككون في ولاء وإخلاص هذه الشريحة العريقة من أبناء الأمة.
إنهم يروجون بعض الافتراءات التي أنتجها الصراع الطائفي في العصور الماضية كالحديث عن دور الوزير الشيعي ابن العلقمي وأنه تواطأ مع المغول في غزوهم لبغداد وإسقاط الخلافة العباسية وهي فرية كاذبة لا دليل ولا سند لها، وقد ناقشها بموضوعية وانصاف الدكتور سعد بن محمد حذيفة الغامدي أستاذ التاريخ في جامعة الملك سعود في الرياض ضمن كتابه عن «سقوط الدولة العباسية» والذي طبع في الرياض سنة 1401هـ وتبنته الجامعات السعودية كمرجع معتمد، وأعيد طبع الكتاب سنة 1403هـ.
وقد توصل الدكتور الباحث إلى أن اتهام ابن العلقمي بالخيانة لا يقوم على دليل بل هناك أكثر من إحدى عشر حقيقة تاريخية واجتماعية تدحضه، وأن مصدر الاتهام كان خصومة مذهبية وتعصب طائفي.
لكن المؤسف صدور قرار رسمي من جهة دينية بجمع الكتاب من المكتبات وإحراقه ومنع تداوله، وحتى النسخ الموجودة في مكتبة الجامعة محجوبة لا يطلع عليها أحد بإذن خاص. كل هذه الأجراءات اتخذت بحجة أن الكتاب يدافع عن الرافضة !!!
فهناك إصرار على الاتهامات المفتعلة، ورفض مناقشتها حتى من كاتب سني سعودي التزم الموضوعية والانصاف.
ولو فرضنا أن شخصاً من المنتمين للشيعة قد أساء وخان فهل يصح التعميم ومؤاخذة كل الشيعة في عصورهم المتعاقبة؟ ألا يوجد بين المنتمين لأهل السنة من أساء وخان من الحكام وغيرهم؟ هل يحسب ذلك على كل السنة؟!
ودعا سماحة الشيخ الصفار إلى تجاوز هذه الحالة السلبية التي تكرس واقع التفرقة والخلاف، وتصنع أرضية الفتن والنزاع، وتعطي الفرصة للأعداء.
وأشار سماحة إلى الإجراءات الأمنية التي تتخذها بعض الدول لحماية مراسيم عاشوراء لأن هناك محاولات لاستهداف التجمعات الشيعية من قبل المتطرفين والمتشددين وأن المطلوب قبل ذلك منع التعبئة والتحريض الطائفي الذي يتخذ شكل الفتاوى والمنشورات والكتب وتدريس الأفكار التي تغرس العداء والحقد والبغضاء بين المسلمين بسبب تعدد مذاهبهم واجتهادات علمائهم.
4/ وفي المحور الرابع تحدث سماحة الشيخ الصفار عن بعض مواقف التضحية والفداء في يوم عاشوراء من قبل أنصار الإمام الحسين مشيداً بتضحيات الشعب الفلسطيني وداعياً له بالنصر والخلاص من الاحتلال والعدوان الإسرائيلي.
جانب من الحضور