شكرا لإبداعك وعطائك
هل يمكن أن يكون إبداع دون نقد؟ هل يمكن أن يحصل الجديد دون أن يقوض القديم؟ هل يمكن أن يكون الجديد جنبا إلى جنب مع القديم؟ إذا أين تذهب قاعدة إما أنا أو هو؟ وكيف نستفيد من نظرية عليّ وعلى أعدائي؟
بين فينة وأخرى نشهد هجوما لا هوادة فيه من المثقفين على الدعاة والواجهات الدينية بمن فيهم من خطباء وكتاب ونشطاء في الشأن الديني.
نقد يطال كل شيء حتى كأن هؤلاء بلا عمل ولا شغل ولا عطاء، نقد يصل إلى التشكيك في الكثير من الأمور التي لا يجوز للإنسان أن يقبل من نفسه اقتحامها.
يوم الأربعاء المنصرم 13/11/2008، كان ضيف الغرفة التجارية بالشرقية الإعلامي المعروف الأستاذ أحمد الشقيري صاحب الإطلالات الجميلة في المحطات الفضائية.
شاب مثقف إعلامي أبعد نفسه عن النقد للأدوار الكلاسيكية القديمة التي يؤديها الدعاة والخطباء عادة، ومضى يعانق الإبداع، ويسد مناطق الفراغ، ويروي الساحة بما تحتاجه من الكلم الطيب والقول الجميل، بتوجيه مؤثر وسلس.
لقد حشدت القاعة بأكثر من 2000 مقعد، للرجال والنساء لكنها لم تتسع كل القاصدين، فقد عاد المئات من الناس أدراجهم لعدم توافر المكان.
لم يكن الحضور لمناسبة دينية ولا لخطبة صلاة، ولا لمسجد قد يتفهم الإنسان إقبال هذا الحشد عليه بدافع أو بآخر، كما لم يكن الحضور لمشاهدة شيء خارج عن المألوف كالسحر والشعوذة وأحيانا تفسير بعض المنامات والأحلام، ولم يكن لرجل ذي لباس ديني خاص له هيبته وقدسيته، بل كان الحضور للشقيري بعينه، وللكلمات التي تنطلق من لسانه.
لقد ذكرني ذلك بالإقبال الكبير الذي ما زال يزين الندوات والمحاضرات والكلمات التي يقدمها الداعية المعروف الأستاذ عمرو خالد، الذي يجوب العالم متنقلا من بلد إلى آخر، وكل بلد يباهي بحضوره ما سبقه من البلدان.
لا أود الكتابة هنا على هذين الرجلين ـ وإن استحقا كل قول جميل ـ بل أود الكتابة في جملة أمور مختصرة، لا يهمني إن كان بينها رابط أم لم يكن.
الأول: تكشف مجمل إطلالات هذين الرجلين عن تعطش الناس ـ الأجيال الشابة على وجه الخصوص ـ للخطب والكلمات التي تلامس حياتهم واحتكاكاتهم اليومية، وتقترب أكثر لتتحدث عنهم، وتشعر بهم، وتلامس واقعهم، كالحديث عن الحب والود وضغوط الغرائز، وتناول المسائل الحرجة في لباس من الكمال والعفة، وما يرتبط بكل ما يستفاد من العلوم الدينية والاجتماعية والنفسية التي تعزز الثقة، وتفتح ذهن الإنسان لتحليل الأشياء وتفسيرها بشكل إيجابي وجديد.
لقد ملَّ الشباب من الأساليب القديمة التي اعتادوها على المنابر وفي خطب الجمع، فانهالوا زرافات يقصدون كل جديد يلتزم بالضوابط، وينسجم والقيم الدينية، كما يتوافق مع الأعراف الاجتماعية.
الثاني: آن الأوان لتذهب لغة الصراخ والطرد والإرعاب، وتهب علينا عبارات الحنان والاحتضان لشبابنا وأولادنا، فهم ليسوا فسقة كما تعودت أسماعنا ولا مشركين، ولا من أصحاب النار والأهوال والعذاب، ولن يكون مصيرهم كأصحاب القصص التي يختلقها بعض الخطباء للتخويف وإثارة الهلع.
الشقيري يشير كما في تغطية جريدة «اليوم»، ليوم الخميس الماضي إلى التعامل برفق مع الشباب، حيث كان الرسول يتعامل معهم برفق، وكان يحتوي العصاة منهم ويعلمهم، وكان يقول لأصحابه: (لا تعينوا الشيطان على أخيكم) وذلك عندما يعنف صحابي صحابيا ارتكب خطأ ما.
الثالث: الحديث مع الناس بلغتهم ولهجاتهم الدارجة بكل أريحية وبساطة، وهذا ليس هجوما على العربية التي يدافع عنها الكثيرون، ولا تنكرا للغة القرآن الكريم، ولكن لأن همَّ الموجه هو وصول رسالته إلى من يخاطب، لذلك كان بحاجة إلى أحاديث القلب البسيطة، والتي أظنها أقدر على التسلل إلى قلوب الآخرين، بعيدا عن مصارعة الألفاظ، والبلاغة في العبارات وسجع الكلمات.
نحن بحاجة إلى لغة يلتذ الناس بسماعها، ويأنسون لموسيقاها، فتأخذهم على طبق أسرع من الريح، بل كلمح البصر للحديث الداخلي مع أنفسهم في جو من الأنس والانسجام بين الأذن والقلب.
الرابع: التأكيد على الخطاب الإنساني الجامع بين بني البشر، والبعد عن لغة الحقن والتحريض، وقد لاحظت ذلك في أكثر من إطلالة فضائية لهذا الرجل، لكني سأكتفي بنقل جمل بسيطة من تغطية جريدة «اليوم» التي أشرت لتاريخها «إن الأمة الإسلامية أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول: نبذ هذه المذاهب جميعها، وهذا يستحيل تنفيذه أو أن تتعامل المذاهب فيما بينها بالاحترام وفق فقه الخلاف».
شكرا لخطابك الإنساني ولتكثر إطلالاتك على هذا الجزء الشرقي من بلادنا الحبيبة، وكل محاضرة أو ندوة وحضورك أكبر وأكثر، فكلمات الخير لا تقابل إلا بالشكر والعرفان.