إشكالات تلاك وتعاد فتحيةٌ للجمل
الكثير من النقد الديني والسياسي هو مجرد كلام، يعيد إشكالات أكل عليها الدهر وشرب، عظام بليت فأصبحت رميماً، انتهت مدة صلاحيتها لكنها تباع بالغش والتدليس، أقبرت ودفنت فعاد النباشون يجمعون عظامها وبعض ما بقي من آثارها لعلهم يحصلون على نصر يرفعون رأسهم به.
نعم قد تتغير صيغ الإشكالات وتتبدل الأسماء المتصدرة للنقد، ويعاد تركيب العبارات بأساليب فنية جديدة، وتظهر بعض الأمثلة من هذا الواقع المحلي أو ذاك، لكن النتيجة واحدة، إشكال وتساؤل قديم سبق به عكاشة، وهو لايزال يراوح مكانه.
تبرز مثل هذه الانتقادات والإشكالات في الواقع الديني باسم المثقفين أو السياسي باسم السياسيين، لتبدو كأنها الأسئلة القاهرة، والتحدي الصعب الذي لا يستطيع أحد أن يناقشه، أو أن يجيب عليه، فهذه إشكالات سيئة على الواقع الديني، وتلك انتقادات متهكمة على الواقع السياسي، وهناك نكات وضحكات على هذا الحراك أو ذاك، لكنها جميعاً بالية، ومنتهية التاريخ، والقدرة والحكمة لم تعد فيمن يعرضها ويحركها بل في من يعالجها.
فن المراوحة في المكان الواحد هو أحد الأساليب التي تعتمد لإلقاء الإحباط واليأس في الطرف الآخر، وتشكيك المحيطين به والمقتنعين بأفكاره، كما يحصل في بعض مجاميع الشباب حين يرون تسويقاً حثيثاً لبعض الإشكالات الدينية المغلوطة التي تبدو حجر عثرة في إيمانهم وقناعاتهم، مع أنها أسئلة عادية قيلت منذ زمن، فلم تغير شيئاً، وأجيب عنها بما يكفي العشرات من أمثالها وإن تغيرت صيغها.
وليس بعيداً عن هذا الكثير من الكتابات والانتقادات والتعليقات السياسية التي تظهر على صفحات النت، لتبدو قوية ومحكمة ومتماسكة لكنها منذ سنين طرقت السمع وملأت الفضاء وراجت حديثاً منعشاً ومؤنساً للمجالس، لكنها لم تغير ولن تغير شيئاً.
سأسرق بعض وقتك عزيزي القارئ في قصة أو نكتة أو تسلية سمها ما شئت لكن أرجو أن تعبر عما أنا بصدد كتابته.
رسب أحد الطلاب في مادة التعبير وعندما سئل المدرس عن سبب رسوبه، قال: كلما طلبنا منه أن يكتب في موضوع لا يستطيع التركيز بل ينتقل إلى موضوع آخر!
قالوا له: أعطنا مثالاً عن المواضيع. قال: مرة طلبت منه أن يكتب عن موضوع الربيع فكتب الطالب الآتي:
«فصل الربيع من أجمل فصول السنة تكثر فيه المراعي الخضراء، ما يتيح للجمل أن يشبع من تلك المراعي، والجمل حيوان بري يصبر على الجوع والعطش أياماً ويحب البدو الجمل، فهو سفينة الصحراء ويستطيع المشي بكل يسر وسهولة، فينقل متاعهم ويساعدهم على الترحال من منطقة إلى أخرى، والجمل حيوان أليف يستمد الطاقة من سنامه، و... إلخ»
فقالوا: ربما كان موضوع الربيع قريباً من موضوع الجمل، فقال لهم: خذوا موضوعاً آخر، طلبت من الطالب أن يكتب عن الصناعات والتقنية في اليابان فكتب الآتي:
«تشتهر اليابان بالعديد من الصناعات ومنها السيارات، لكن البدو يعتمدون في تنقلاتهم على الجمل، والجمل حيوان بري يصبر على الجوع والعطش أياماً ويحب البدو الجمل، فهو سفينة الصحراء ويستطيع المشي بكل يسر وسهولة، فينقل متاعهم ويساعدهم على الترحال من منطقة إلى أخرى، والجمل حيوان أليف يستمد الطاقة من سنامه، و... إلخ»
فقال المدرسون: هل هناك موضوع آخر؟، فقال: لا، فكل موضوع يبدأ به لنصف سطر وينتهي بأسطر عن الجمل!، فقال معلم المادة: سأعطيكم موضوعاً بعيداً جدّاً عن الجمل، طلبنا من الطالب أن يتحدث عن الحاسب الآلي وفوائده فكتب الآتي:
«الحاسب الآلي جهاز مفيد يكثر في المدن، لا يوجد عند البدو لأن البدو لديهم الجمل، والجمل حيوان بري يصبر على الجوع والعطش أياماً ويحب البدو الجمل، فهو سفينة الصحراء ويستطيع المشي بكل يسر وسهولة، فينقل متاعهم ويساعدهم على الترحال من منطقة إلى أخرى، والجمل حيوان أليف... إلخ».
وعندما سمع الطالب خبر رسوبه في التعبير تقدم بشكوى إلى وزير التربية والتعليم وفيما يأتي خطاب الشكوى:
«معالي وزير التربية والتعليم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أقدم لمعاليكم تظلمي هذا، وفيه اشتكي مدرس التعبير لأني صبرت عليه صبر الجمل، والجمل حيوان بري يصبر على الجوع والعطش أياماً ويحب البدو الجمل، فهو سفينة الصحراء ويستطيع المشي بكل يسر وسهولة، فينقل متاعهم ويساعدهم على الترحال من منطقة إلى أخرى، والجمل حيوان أليف يستمد الطاقة من سنامه، أرجو النظر في تظلمي هذا كما يظلم الجمل بأكل كبدته على الفطور في الدوائر الحكومية».