حرب غزة وتحفيز الخطاب الطائفي
منذ أكثر من سنتين صرح الرئيس المصري أن الشيعة لا يملكون ولاء لبلدانهم ودولهم، حينها انجرت بعض الأقلام المأجورة تتبنى روحاً طائفية مقيتة، فبدأت قرع الأجراس عن التبشير الشيعي، وراحت تتخبط في الأرقام التي تذكرها عن أعداد المتحولين في هذا البلد أو ذاك، مركزة على مصر كدولة رئيسية مستهدفة للتبشير.
أما اليوم وأمام تصاعد الهمجية الإسرائيلية على أهلنا في غزة، والمسئولية التي علقها رجل الصدق والموقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على جمهورية مصر كدولة تمنّى أن يكون لها دورها الإيجابي والداعم لشرف الأمة في غزة، ثم تخاطبه المباشر مع شعب مصر الأبي، بأن يأخذ زمام المبادرة إن تخلفت أجندة حاكمه وحكومته عن واجبها، ضمن استهداف مقطوع ومحدود، هو فقط فتح معبر رفح، ليصل الهواء إلى شرفاء الأمة وعرضها وكرامتها في غزة، أمام كل ذلك أخشى أن تقلب صفحة الصراع الحقيقي مع العدو الإسرائيلي وتفتح صفحة الصراع الداخلي الطائفي في العالمين العربي والإسلامي.
إنني أخشى أن يتجه الخطاب العربي الرسمي إلى حرب مفتوحة على التشيّع، تصعّد من النبرة الطائفية في عالمنا العربي والإسلامي، بغرض أن تكون سداً منيعاً عن وصول روح المقاومة، والوقوف أمام الدعوة الوجدانية والإنسانية والدينية المسئولة التي أطلقها الأمين العام لحزب الله.
لقد تكفلت كرامة وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الذي عقد الأسبوع الماضي بتوفير الدعم اللا محدود لدور مصر ومركزها ومكانتها، وتأيدها في قطع الهواء عن أطفال غزة الإرهابيين، الذين يطلقون الصواريخ على جنود الاحتلال الوديعين والمحبين للسلام!.
لكنه دعم لا أتصور أن تكترث به شعوب العالم الإسلامي كله، وإن كان تحت مسمى اجتماع وزراء الخارجية العرب، فالتاريخ المتراكم لهم ولمواقفهم لا يوحي بشيء غير هذا الموقف.
إن ارتفاع نبرة الخطاب الطائفي هي أشد ما أخشاه في هذه الفترة الحرجة، فقد أسلفت أن التصور قائم على أنه سيشكل السد المنيع عن انتشار ثقافة المقاومة والتحدي، تماماً كما استقبل الوضع الرسمي العربي نتائج حرب تموز التي أثبتت نصراً مؤكداً للمقاومة بموجة صراخ عن المد الشيعي وهيمنة إيران والتبشير الذي يتبناه الشيعة، حتى في الدول التي لا تعترف لهم بالحد الأدنى من الكرامة والحقوق.
من ناحية أخرى فقد صُرف جهد كبير، وحشدت إمكانات هائلة لمدارس التكفير والتطرف ضد الشيعة في مختلف دول ومناطق العالم العربي والإسلامي، والتي يصعب تصور أن تكون بالقوة التي هي فيها دون غطاء ودعم رسمي سخي.
أعتقد أن هذه المدارس لن تتأخر في اقتناص الفرصة، لتعيد الأجواء التي صنعتها أيام حرب يوليو/ تموز، وإشغال العالم العربي والإسلامي بصراع وهمي بين السنة والشيعة.
ربما ينطلق الأمر من نقد قاس يوجه للسيد نصر الله الشيعي على تدخله في شئون داخلية لدولة عربية مجاورة، ثم تُجر المسألة إلى التنبيه لخطر هذه الدعوة وارتباطها بأجندة إقليمية، ليتوالى الحديث عن معتقدات الشيعة وخداعهم ومحاولاتهم المستميتة للهيمنة على العالم العربي والإسلامي.
ستجد المدارس ويجد الخطباء الطائفيون في هذا مادة دسمة لطالما اعتادوها في أوقات الاستحقاق، فبدل أن يتبنون دورهم الحقيقي في تهيئة الأمة لمواجهة عدوها الحقيقي، وهو دور يكلفهم بعض الثمن الذي لم تعتد مدارسهم على دفعه في مكانه الحقيقي السليم، وخير شاهد على ذلك السنوات التي تكرّس فيها الاحتلال، سيتجهون للحروب الوهمية التي لا تكلفهم ثمناً يدفع ولا موقفاً يؤاخذون عليه، ليمددوا سني حياتهم بالعيش على دماء المسلمين، وذلك بإدخالهم في حروب وعصبيات باسم العقيدة والدين والمذهب الأوحد الذي لا شريك له.
نعم أراهن على أن تكون تجربة حرب تموز وأداء تلك المدارس المتطرفة فيها لا تزال ماثلة، وأرجو الله أن تكون عِبرها وطريقة إدارة الإعلام لها ثابتة في الأذهان، لم يمسسها مسح ولا حذف ولا ارتكاس في ذاكرة الشعوب العربية.
بقي أن أشير إلى أن مدرسة الأخوان المسلمين في مصر بقيادة مرشدها الموقر محمد مهدي عاكف تثبت يوماً بعد آخر وعياً متقدماً بأوراق اللعبة التي يحركها الاحتلال ومراكز المخابرات العالمية لنشر ثقافة الفرقة بين المسلمين، في كل مرحلة يتطلب الوضع فيها تكاتفاً وتعاوناً إسلامياً وعربياً.
والأمل أن يسعى الأخوان وجميع الشرفاء في الوطن العربي والإسلامي لتسليح أمتهم بهذا الوعي كي لا نقع في فخ حرب تموز وما بعدها.