الدولة المهابة والشعب المحترم
ربما يتعرض ما ينشر في الجرائد للقص والحذف، فيُضيّع بعض الموضوع ويُحافظ على بعضه الآخر، لذلك أحببت أن يطلع القارئ الكريم على الموضوع كما كتبته لا كما نشر في جريدة اليوم، السبت 8/4/1430هـ، وإليك عزيزي القارئ الموضوع كما هو:
(1)
منذ تفجير العليا في الرياض عام 1995، والانفجار الذي تلاه في الخبر عام 1996، إلى يومنا هذا مرت أكثر من 13 سنة ، كان الإرهاب فيها حاضرا وهاجسا وضاغطا على النسقين الرسمي والأهلي في بلاد عرفت بالأمن والأمان.
وكانت الحرب التي خاضتها المملكة ممثلة في قيادتها وأجهزتها الرسمية والأمنية ضد الإرهاب والمس بكيان الدولة عنيفة وشرسة، لا هوادة ولا تراخي فيها، وقد حققت نجاحات لا يمكن إغفالها أو غض الطرف عنها، وهي نقطة قوة تسجل بفخر واعتزاز لكل الوطن، لأنها أشعرت المواطن بقوة الدولة وهيبتها وقدرتها وعدم تفريطها في نعمة الأمن.
(2)
لا أحد يفهم ويعي معنى الدولة المهابة إلا الذين فقدوا لذتها، وخسروا بضعفها الأمن والأمان، فأصبحت أرواحهم لا تساوي سوى ثمن بخس، لا يتعدى قيمة الرصاص الذي يفتك بأجسادهم وينهي حياتهم، وحينها أصبحت الدولة مطلبا مهما لهم، ولو عدنا للتاريخ القريب قليلا، ونقبنا في أرشيف التصريحات لمختلف الزعامات اللبنانية أيام الحرب الأهلية، لرأينا بوضوح كيف أن المطلب الأول والأخير عندهم، هو قيام الدولة القوية، بعد أن مزقتهم الحروب الداخلية التي تقودها القوى التي قامت على ضعف الدولة، فشردت شعبهم في أصقاع الأرض، وأنهكت اقتصادهم وأفقرت إنسانهم.
ولو تمسكت بأطراف أي صومالي يسير في شوارع الصومال وأزقتها، وسألته عن ما يريد؟ فلن يتخطى جوابه الدولة القوية الحافظة للأمن، فهي قبل رغيف الخبز وبعده ومعه مطلب لكل صومالي حريص على أمنه وحياته، فنعمة الأمن منة إلهية لا تقدر بثمن(الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)
(3)
كل الدول بأجهزتها الأمنية الضخمة وإمكاناتها الهائلة لا تقبل المساس بقوتها وهيبتها وكبريائها، ولذلك تلاحق وتتابع وتسجن وتحاسب من يمس بها، وهذا موضع توافق بين كل حكومات العالم، بل تسعى أغلبها إلى تبادل الخبرات بين بعضها في هذا الشأن.
وفي أغلب دول العالم العربي والإسلامي توجد الدولة المهابة والقوية، وهذا من نعم الله، ولكن لا يوجد الشعب المحترم، فصعود خطيب أو إمام جمعة يهين الذات الحاكمة أو المؤسسات الحساسة في الدولة يعتبر خطا أحمرا لا تسامح ولا هوادة فيه، ولكن صعوده وتهجمه ونيله وتجريحه للشعب كله أو لجزء من هذا الشعب أو ذاك أمر قد يرى من يشكره عليه من الحاضرين، من دون أن يشعر بقوة أخرى تأخذ بيده بقوة، وتلزمه باحترام بقية أبناء الشعب وإن اختلفوا معه في رأي أو توجه.
(4)
شعور الشعوب أن قوة الدول التي تعيش في كنفها ينعكس احتراما وتقديرا لها، ويمتد ليصبح دفاعا عن النيل من كرامتها واحترامها ضد أي طرف آخر، وشعورها أن هيبة الدولة داعم لهيبتها بقوة القانون ونظام التعليم والإجراءات القضائية المعمول بها، وإحساسها بوقوف الدولة إلى جانبها ضد أي مساس بكرامتها من قريب أو بعيد، هذا الشعور الملموس الذي لا شك أن الحراك اليومي سيؤكده (إن كان موجودا)، لا يسمح للغفلة أن تتسرب وتحدِّث النفوس بما يضعف الدولة، ويوهن قبضتها، إذ كيف سيضعف الإنسان قوة تحمي احترامه وتقديره؟ وكيف سيجهز على مكتسب له ولأهله؟
يكتب الدكتور عبد الرحمن الحبيب متسائلا ومتعجبا من بعض من ينتقص الآخرين وينال منهم في العلن دون حسيب أو رقيب (فما بالك إذا كان بعض الخطباء يشتم دولاً وأقواماً وطوائف وتيارات فكرية وإعلاماً مما يخرج تماماً عن اللباقة والأدب العام ناهيك عن خروجه عن أبسط قواعد التعبد والخشوع!) جريدة الجزيرة 12/3/2007.
هنا يحق للمواطن أن يسأل أين هيبة الدولة؟ ولماذا يشتمني هذا وينال مني ومن كرامتي واحترامي، ويدفع الآخرين في مسارات ملؤها الحقد والبغضاء ضدي دون أن يحاسبه أو يعاقبه أحد؟
(5)
كيف ترسم الإجراءات خطوطا حمراء ونظما فاعلة تؤدي في نهاية المطاف إلى تجريم الإساءة من هذا الطرف أو ذاك ضد من عبر عنهم الحبيب "أقواماً وطوائف وتيارات فكرية"؟ وكيف نتوصل إلى نوعية واضحة من الإنذار والعقاب ضد من تسول له نفسه ذلك؟
لقد آن الأوان لتبدأ الخطوة الحقيقية الأولى التي تؤكد أن احترام المواطن كفرد وكمجموعة وجماعة هو في صف واحد مع احترام الدولة والانتقاص منه هو مساس بهيبتها وقوتها، ويجب أن يكون العقاب في هذا واضحا دون لبس (فمن أمن العقوبة أساء الأدب) على قومه وعلى من يختلفون معه، نعوذ بالله من ممن ساء أدبه.