أسأتم لعلاقاتنا سامحكم الله
لم أكن أحسب أن مفارقة التوفيق للمرء في لحظة من اللحظات قد تؤدي به ليكون فريسة لخطيب دوار بمرضه وخريطه وخرابيطه وجهله.
فالخطب الوعظية في منطقتي كبقية المناطق تكون عادة مليئة بالكلمة الطيبة والنصيحة المخلصة والتوجيه السليم، لكن حظي العاثرساقني في تلك الدقائق لأكون مستمعا لوعظ مخيف ومرعب، فقد كان كل حديثه يصب على التحذير والانتباه وأخذ الحيطة في التعامل مع الناس خوفا من حسدهم، لن أنقل كلاما نصيا بين قوسين لأني كنت في صدمة منعتني من التفكير في الكتابة حينها، ولأن المقام لا يساعد على تصرف من هذا النوع، لكنه حذر بما مضمونه أن لا تطلع الناس على وضعك، حتى زوجتك وأولادك وإخوانك، لأنك لا تدري من الذي سيصيبك بعين، ومن الذي سينقل أخبارك لمن سيصيبك بالعين، ومن الذي يتمنى ما عندك وهو لا يقصد حسدك في البداية ثم يتحول الأمر في نفسه إلى حسد قد يؤذيك، واحذر حتى أن تذكر اسم أمك في أي مكان، لأنه قد يكون طريقا لضررك بما لا تعلم.
خرجت من المكان وأنا أتذكر حديثا شاهدته في فضائية لإحدى الدول الخليجية، التي راح الضيف فيها وهو على الهواء مباشرة، يرد على أحد المتصلين قبل أن يكمل مشكلته، أنك مصاب بالحسد، وأنك تحتاج لعلاج منه، فراجعني في وقت آخر.
مضى على عدم التوفيق ذاك أكثر من شهرين، لكني إلى اليوم أتذكر ما يقال وما يسمع في منطقتي من التناصح والتحذير بين الناس والذي لم يكن وليدا إلا لمثل ذلك الجهل الذي بث بين الناس.
تقول الأم لابنتها التي وضعت (ولدت) حديثا: لا تقومي قبل أن يمضي عليك عشرون يوما (مثلا) كي لا يحسدك الناس ولا تمارسي عملا منزليا أمام زائراتك قبل أن تمضي تلك الأيام، بما في ذلك تقديمك الضيافة لهن.
وتلفت نظرها أن لا يكون المولود الجديد بقربها، كي لا يراه جميع من زارها، خوفا عليه من عيونهم، وإذا طلبه أحد فلنتفق أنه نائم أو نضع أي عذر آخر.
في السياق نفسه، تحدثت مع صديق لي عن عدم ذهاب ولده للمدرسة بعد أيام من عملية جراحية بسيطة أجريت له، فقال لي: الولد بخير وصحته ممتازة، وعدم ذهابه للمدرسة بسبب أمه وخالاته، وسيذهب بعد أيام، خوفا من حسد الطلاب له(الولد يدرس في الصف الثاني الابتدائي).
وتعمد الكثير من الأسر لإخفاء نتائج امتحانات أولادهم في المدارس، أو إعطاء أرقاما غير صحيحة لنفس السبب السابق.
لقد نشرت هذه الثقافة الرعب والخوف فينا، فما أن نأخذ طفلا صغيرا حتى نُسمِع أهله أننا نسمي عليه، ونقرأ جهرا أمامهم المعوذتين، كي نبرئ أنفسنا أمامهم من الحسد ومما يمكن أن يصيب هذا الصغير لا سمح الله بعد أن نغادره، بل أحيانا يخشى الواحد فينا أن يتهم بالحسد لو بكى ذلك الطفل وقتا طويلا من ليلته تلك، خصوصا وأننا نرى بعض المتبرعات يسألن الأسرة بعد أن يبدو طفلهم الصغير غير مرتاح عن الذين زاروهم قبل مرضه أو تعبه أو حتى بكائه الكثير.
في الأسبوع المنصرم، ويوم الاثنين تحديدا، أعلن مركز الأسرة للتدريب بالقطيف عن ساعتين يستقبل خلالهما المشاكل الاجتماعية والأسرية بغرض الاستشارة، لقد تفاجأ القائمون على البرنامج أن ثلاث قضايا من كل أربع يعتقد أصحابها أنهم مصابون بالعين وأنهم محسودون، ويطلبون علاجا للسحر أو طريقا للوصول لمن يعرف العلاج.