ملكة الجمال والاستجابة للتحدي
ضاع جيل واسع من شبابنا أمام أعيننا بسبب إهمالنا، واستسلامنا لما هو قديم، فقد تخلفنا عن الدرس الذي قدمه رواد الهداية لنا، أولئك الأنبياء، الذين واجهوا تحديات الناس ليفاجئوهم بالجديد، وليعلنوا أنهم بمستوى التحدي، بإدراكهم لتغير الزمان والإنسان، ومحاكاة بصرهم وسمعهم وحواسهم ببدائل محسوسة وملموسة، مع تأكيدهم على الإيمان بالغيب، فلم يكن الإنسان لينبهر بشيء ويستسلم بانبهاره له، حتى يأتي الرسل والأنبياء لتنبيهه أنهم خير من يبهر ويجذب.
اختلف الزمان واختلفت العقول، وتغيرت التحديات، فتبدلت معاجز الأنبياء، فحين كان السحر مسيطرا على عقول الناس، جاءت العصا التي تحولت على يد نبي الله موسى إلى حية ﴿فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى﴾، وجاءت ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى﴾.
وتطور الطب، واشتهر أهله في زمن نبي الله عيسى ، فيمم الناس وجوههم نحو الأطباء الذين بهروهم بما يفعلون، فجاء عيسى ليقول لهم: ﴿أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.
وهكذا حين أصبح الكلام البليغ والفصيح يجذب الناس ويأسرهم، جاء نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) بمعجزة القرآن الكريم ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ﴾.
في أيامنا هذه لا يقيم الموجهون والمرشدون لتغير الزمان واختلاف نمط تفكير الإنسان وزنا، فالبضاعة التي عرضناها على الناس منذ عشرات السنين لا زلنا نعرضها بنفس الأسلوب وذات الطريقة.
وكلما رأينا الفرار والبعد من الناس، تمسكنا ببضاعتنا أكثر ورحنا نباعد الفجوة بيننا وبينهم.
لا نتجه قليلا لأنفسنا فنقول نحن مقصرون، متباطئون في حمل الأمانة، تهمنا سمعتنا التي نبحث عنها في المسجد، وحلقات القرآن الكريم، ولا يهمنا تأثيرنا على هؤلاء الشباب، لذلك لا نقصدهم حيث يجلسون ويتجمعون، بل ولا نفكر أن نربي ونشجع ونتبنى من يقوم بهذا الدور المهم.
حملنا أمانة العلم والمعرفة وهي نور للبشرية جمعاء، لكننا حرصنا أن نأتي بهذا النور إلى الأماكن المضاءة بطبيعتها كالمساجد وحلقات القرآن الكريم، وأن نشعل النور لمن وصل إليها عابدا راكعا ساجدا تاليا، في حين كان الأولى بنا أن نذهب للشباب وننير لهم الطريق كي يصلوا للمسجد وليستمروا في مدارسهم لمواصلة التعلم، ولنكون البديل لهم عن كل جو مريب.
الأخطر من ذلك أن الفرص حين تسمح لنا بلقاء نتحدث فيه مع هؤلاء الشباب، فإنهم يرون كلامنا مكرورا ومستهلكا، له فاعلية التنفير أكثر من الجذب، لأنه بعيد عن آلامهم وضغوط حياتهم، وما يعيشونه من أسئلة في دواخلهم، ولأننا كلام في كلام دون برامج تساوي التحدي القائم في نفوسهم، والله المستعان،
أتأمل في البرامج الإبداعية التي تقوم بها المؤسسات الرسمية والأهلية كبرنامج اختيار ملكة جمال الأخلاق الذي انطلق في مدينة صفوى والذي كتبت عنه جريدتنا (اليوم) 12/5/2009، أن يكون دافعا للتفكير في برامج وأطر جديدة، نحاكي فيها توجهات الشباب ضمن قيمنا الدينية والاجتماعية.
إنني في الوقت الذي أشعر بتقصيري عن المبادرة لتبني مثل هذه البرامج الحيوية، أنحني احتراما للجهود التي وعت وبادرت وسبقت لمثل هذه الخطوة المهمة، إنه الجديد الذي يستقطب الشباب والمخيف الذي يبعدني عنه كي أسلم من ألسنة الناس.
أتصور أن المبادرات إذا اتجهت بجد نحو الشباب فالطريق أمامها واسع ومن ذلك ما أشار له الأستاذ صالح إبراهيم الطريقي بجريدة عكاظ 13/5/2009 حيث أشار إلى مسابقة كانت تجرى في بعض ولايات أمريكا (لأفضل فتاة تساعد المجتمع).
يبقى القول إن الشباب هم طاقة المجتمع وعنفوانه، وهم خريطته في المستقبل والمربين لأجياله، وعليه يكون الانشغال بهم هو استثمارا حقيقيا للغد، وتخطيطا سليما للمستقبل، وحماية من الضرر والخراب في الراهن من الزمان.