أمام تحد جديد وحرب مختلفة
لا أحب أن أكون ناطقا باسم أحد، ولن أفعل ذلك حتى في مقالي هذا، فالسياسي والمثقف المعروف توفيق السيف قادر على الدفاع عن نفسه، وليسمح لي أن أقول له: إن ما أكتبه ليس دفاعاً عنه، وإنما لكل موضوع مدخل وقد اخترته مدخلاً، كما اخترت الأديبة والشاعرة بلقيس الملحم يوم الإثنين الماضي في نفس الجريدة مدخلاً وعنواناً لموضوعي (من أساء لك يا بلقيس؟) لأؤكد أنني أتحدث عن أمور بدأت أشعر بحركتها النشطة والمنظمة، التي لا تهدأ بعيداً عن الأشخاص.
لقد اعتدت أن أرى النقد للسيف ولمواقفه، وكنت أقبل ببعض النقد وأوافقه، وبعضه الأخر لي رأيي الخاص فيه، ويمكن حمل الانتقادات القاسية التي وُجهت له من ساحته العامة التي يعمل فيها، على اختلاف وجهات النظر، أو عدم وضوح رؤية السيف بالنسبة للآخرين في ساحته، وكنت أقول في نفسي دائما: للناس الحق في توضيح وجهة نظرها مهما قست وخشنت.
إذن هي ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها للنقد، لكن شخوص المنتقدين فيما مضى معروفة وواضحة، فكان لا بد وأن يقال: هذه هي سنة الحياة، وعليه أن يحمل أهله على سبعين محمل من الخير، وأن يوجد أعذاراً تحفظ للآخرين كرامتهم ومكانتهم، وأن تكون الصدور واسعة لتحمل كل ما هو محتمل.
ما أثار دهشتي قبل أقل من شهرين تقريباً، هو أن يتجه موقع مشبوه تديره خفافيش الظلام، لتجريح الرجل، ومع جهل حقيقة من وراءه، وتخفيهم واستتارهم تبرز علامات استفهام كبيرة لا تقل عن تلك التي أثارها موضوع بلقيس المشار إليها، بل تتحرك في نفس السياق.
أما لماذا الدهشة؟ فتلك قصة أخرى، ذلك أننا لسنا أمام نقد، ولسنا أمام رأي مقابل رأي، ولسنا في صراع توجهات تعرف حدود اختلافها، نحن أمام كذب واتهام مجهول الهوية والمصدر، وأمام دسائس تستبطن المكيدة والسوء، وإلا فقد سبق مني القول أن مجتمعنا تعود النقد وإن كان قاسياً.
المشكلة أننا في هذا الافتراء، لسنا أمام أفراد مشخصين، ولسنا أمام مواقع معروفة الانتماء والانتساب، نحن أمام مجهول بكل ما تعنيه الكلمة.
نحن لو كنا أمام أفراد معروفين أو جهة معروفة، فسعة الصدر لا حدّ لها، إنها تتسع لكل أقلامهم وحبرهم، ولكل ألسنتهم وأقوالهم، ولهم جميعاً منا أن نسمع ونقرأ ونتبع أحسن القول ثم نمضي غير مكترثين، وأن نحملهم كما سبق على محامل الخير، وأن نقول لمن يعمل تحمّل وإلا تنحى.
أما مع الجهل بالجهة فالاحتمالات كثيرة:
هل يصعب أن تجيش مجموعة من الأشخاص لتشرف على موقع مشبوه يفتعل هذه الاتهامات وغيرها؟ ربما هي اليوم تمس شخص (أ) لكنها غداً ستنال من (ب) ثم (ج)، وفي اعتقادي أن هناك أكثر من جهة لها مصلحة في التفكير بهذه الطريقة المغرضة، وهذا ما يجعلني أؤكد أن مجتمعنا أمام تحد وحرب جديدة.
ثم هل يصعب على مثل هذه المجموعة أن تختار اسماً رناناً كالدفاع عن الحقوق، أو تتوج موقعها باسم الشهداء أو المقاومة أو أنصار المظلومين أو ما شابه ذلك؟
أرجو أن لا يعتذر أحد بقوله: وهل تريد من موقع يحمل تلك العناوين أن يعلن عن أسماء من وراءه؟ ألا يعرضهم ذلك للمحاسبة؟ وجوابي: وهل تريدني لمجرد الاسم أن أبتعد عن كل الاحتمالات، وأنا أراه يبتعد عن رسالته؟ ثم هل تخفي أفراده واستتارهم لأسباب - دعني أتفق معك عليها - يسمح بهتك الآخرين كذباً وافتراءً؟ هل حفظ أشخاص تلك المواقع يقوم على النيل من غيرهم؟
ألا توجد أكثر من جهة مغرضة بإمكانها حجز العديد من المواقع الثورية والحماسية والمطلبية، ثم تخفي نفسها متذرعة بعذر الأمن، لتمارس العبث بعقولنا ومجتمعنا كما تشاء؟
إنني ضد كل موقع خفي يسيء للمجتمع دون استثناء، وضد كل مقالة هدامة باسم غير حقيقي دون استثناء، وضد كل متوار آثاره تدل على التخريب والتجريح والنيل من الناس سواء من يختلف معي أو من يتفق.
إن بعض الأسماء المستعارة في العديد من المواقع (ومن دون استثناء أيضاً) لا تكتب عادة إلا لإثارة الفتن الاجتماعية والصدامات بين مكونات المجتمع، وهي غالباً تشوه ولا تفيد، وتبتعد عن روح الدين وقيمه مهما زخرفت في أعذارها.
دعونا نفكر ولو للحظة أننا مستهدفون ولكن بأسلوب جديد.