الصفار يطالب بالخروج من حالة اليأس في ايجاد الوحدة بين الشيعة والسنة
أكد الشيخ حسن الصفار على ضرورة الخروج من حالة اليأس التي تولدت بسبب كثرة المشاكل والتشنجات وحالة عدم التفاؤل في إيجاد وحدة سنية شيعية، والمضي قدماً في مسألة ما أسماه "الوحدة الممكنة" مشيرا الى هناك ثوابت مشتركة يجب التركيز عليها مثل الإيمان بالله وبالرسول الأكرم والكتاب والسنة والقبلة، والتوحد ضد أعداء الإسلام والتحديات التي نواجهها كمواطنين يجمعنا بلد واحد، مؤكدا على الوحدة الاجتماعية التي تستلزم التواصل مع الطرف الآخر والانفتاح عليه وعدم القطيعة.
جاء ذلك في محاضرة للشيخ الصفار في الليلة الثامنة من محاضرات عاشوراء الحسين في محافظة القطيف.
واشار الصفار إلى أن بعض الناس ينظرون إلى الاختلاف الديني أو المذهبي بسذاجة وسطحية، وأن كل معتقد أو معتنق أو توجه يعتقد بأنه هو الأصح،ويستغرب عدم إقبال الآخرين على ما يعتقده أو يؤمن به. وفي هذا المنحى بين الشيخ الصفار بأن القضية الدينية لها تركيبات معقدة وتداخلات كثيرة وأنه ليس من السهولة أن يغير الإنسان مسلكه أو توجهه لأن الناس غالباً يتوارثون توجهاتهم الدينية والعقائدية من البيئة التي يعيشون فيها وعبر الأجيال المتلاحقة كما هو الحال مع اللغة، يولد الإنسان معها وتستمر جيلاً بعد جيل.
وأضاف بأن الانتماء الديني ينمو مع الإنسان، ولكن بعد أن يكبر وينفتح على الآفاق ويخرج إلى مجالات أوسع يواجه مثل هذه التيارات المختلفة فيجب عليه حسن التصرف في كيفية التعامل مع الآخر أو المخالف. وذكر بأن التوجه الديني هو جزء من ذات الإنسان فيتعصب له ويدافع عنه كدفاعه عن أرضه ومصالحه ومبادئه.
وذكر أن بعض التوجهات الدينية تحكمها مصالح سواءاً كانت سياسية أو اقتصادية وغيرها. وهذه الحالة عادةً ما تكون على مستوى النخب المجتمعية حسب تعبيره، وقال "وقد تكون هذه المصالح مرتبطة بزعامات معينة لا تريد أن تفقد نفوذها أو لأنها لا تريد أن تعيش منبوذة في وسط مجتمعها في حالة تخليها عن التوجه السائد في البيئة المحيطة بها".
وأوضح الصفار بأن الله سبحانه وتعالى أرسل أنبيائه عليهم السلام بالرسالات السماوية وقواهم بالحجج والبراهين ولكن هذا لا يعني أن الناس كلها ستقبل عليهم تترك أديانها السابقة بسهولة، وهذا ما يتجلى في الآية الشريفة ﴿فذكر أنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر﴾، وقال: "فالاختلافات في القضايا الدينية بالغة التعقيد وصعبة الحسم، وأنه لاحسم لهذه المسألة في الدنيا وأنه سبحانه يفصل بين الناس يوم القيامة فيها".
فالقضية، حسب قوله، ليست قضية منطق أو دليل ولكنها قضية أن الناس جبلوا على ما وجدوا أنفسهم عليه، قال تعالى ﴿أنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء﴾، وشدد الصفار على ترك حالة الانتقائية في الأحاديث وأنه يجب عدم إغفال أحاديث أهل البيت التي تحث على الاعتدال والتسامح، وذكر منها ما قاله الإمام الصادق: (لا تخاصموا الناس لدينكم فإن المخاصمة ممرضة للقلب) وناشد الصفار بأن لا تتحمل المجتمعات فوق طاقتها في مسألة الاختلاف والدعوة إلى المذهب لأن هذه المسألة مستمرة ومعقدة في تداخلاتها، حسب قوله.
كما بين بأن لكل مذهب خصوصياته التي تميزه عن غيره في المجال العقائدي والفقهي والتاريخي وفي الشعائر والمظاهر، كما يوجد هناك في الطرف المقابل مشتركات يجب العمل على تعزيزها واستخدامها كوسيلة للتقارب والوحدة. وبين الصفار أنه رغم الحشد الإعلامي في فترة من الفترات والتكفير الممارس إلا ان الناس ثبتت على عقيدتها وازداد إيمانها بمبادئها وثوابتها.
وأوضح بأن الخصوصيات المذهبية جاءت عن قناعات، بالرجوع إلى مرجعيات ومباني عقائدية وهي غير قابلة للمساومة أو التنازل، وبين بأن الناس يعتبرون هذه الخصوصيات معبرة عن هويتهم وتركها يعني التنازل عن هذه الهوية.ومن هذا المنطلق يتجلى دور الجمهور وتأثيره في ما يرتبط بهذه المسألة.
في هذا المجال ضرب مثالاً بتعامل الإسلام السمح مع هذه الخصوصيات وحفظها بذكره لعهد النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة مع اليهود وعهده مع نصارى نجران في تبيان حقوقهم الدينية والعبادية. وفي الإطار ذاته وضح أنه لا يمكن سلب الخصوصيات الثقافية والدينية لأنها حق مشروع للجميع.
وتناول الشيخ الصفار مسألة الاختلاف داخل المذهب الواحد وأن هناك خصوصيات عامة متفق عليها، ولكن يوجد خلاف في بعض المسائل الفقهية وباب النقاش فيها مفتوح وذكر منها مسألة الشعائر الحسينية، وقال "بوجوب إحترام كل طرف للطرف الآخر وأن لكل طرف مرجعه في تلك الفتوى"، وحذر الصفار من تفشي ما أسماه "لإرهاب الفكري" وعدم فتح الحوار والتعصب لرأي دون الاستماع لرأي الطرف الآخر، قوال "فالاختلاف في الرأي لا يعني إلغاء الطرف الآخر أو تهميشه بل يجب أن يكون الحوار الحضاري الهادئ وسيلة مثلى للنقاش".