الأمة وتحدي الإصلاح الداخلي
وفيما يلي تقريرٌ عن ما جاء في الخطاب
في مقدمة حديثه تكلّم عن الواقع الفردي وتعامل المجتمع مع الإنسان في حال كونه ليس راشداً، وقال:
حين يكون الإنسان بالغاً راشداً فإنه يمتلك الصلاحية في التصرف والاختيار التام في جميع شؤون حياته في الجوانب الشخصية والاجتماعية. أما إذا كان قاصراً (إما من حيث السن إذا لم يبلغ سن الرشد، أو من حيث الفكر إذا كان لا يمتلك النضج العقلي)، فإنه لا يمتلك الصلاحية التي يتملكها الإنسان الراشد، وإنما يكون له وليٌ يُشرف على تصرفاته المختلفة.
وأشار إلى موردٍ من الموارد التي يُمنع فيها الإنسان من حق التصرف في شؤونه الشخصية وهو كون الإنسان سفيهاً.
وعرّف السفيه على أنه: ضعيف التفكير الذي لا يُحسن إدارة الأمور.
وأضاف إذا كان شخصٌ ما سفيهاً لا يحسن التصرف في أمواله وبقية شؤون حياته، وإن كان بالغاً، فإنه لا يُعطى صلاحيةً في التصرف بأمواله وإنما تُحجر عليه، لماذا؟ لسببين:
الأول: إنساني، إذ ليس في صالح السفيه أن يتصرف في أمواله لأنه سيُضيّعها، وبذلك يضر نفسه.
الثاني: اجتماعي، لأن أمواله من ثروة المجتمع والتلاعب بها تلاعبٌ بثروة المجتمع.
ولذلك يقول تعالى: ﴿ وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً ﴾ (النساء، 5).
وفي توضيح معنى هذه الآية المباركة قال:
﴿ وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ﴾ بمعنى أن أموال السفهاء لا ترتبط بهم وحدهم، وإنما هي جزءٌ من ثروة المجتمع، ولذلك ينبغي أن لا تكون تحت تصرف من لا يُحسن إدارتها.
﴿ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً﴾ وهذا تعبيرٌ جميلٌ ورائع عن الأموال والثروات، فهي قوامٌ لحياة الناس والمجتمع، وبدونها لا يُمكن للمجتمع الوقوف على قدميه.
﴿ وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ﴾ والجدير بالنظر في هذا المقطع من الآية المباركة أن الله تعالى عبّر بلفظة ﴿ فِيهَا﴾ أي في أموالهم لا (منها) والمعنى رزقهم من أرباح أموالهم حتى لا يفقد السفهاء أموالهم مع مرور الزمن.
﴿ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً﴾ خاطبوهم وتكلموا معهم بقولٍ طيبٍ ورفيق، حتى لا يشعروا بالنقص الذي هم فيه، كما يُساعدهم ذلك على تجاوز هذه المرحلة التي يمرون بها.
وركز حديثه على صعيد الأمم والمجتمعات، وقال:
إذا كان المجتمع راشداً ويدير أموره بشكلٍ جيدٍ، فإن له الأهلية الكاملة ولا يجرؤ أحدٌ أن يتدخل في شؤونه الداخلية. أما إذا كان المجتمع قاصراً، ويعيش حالة سفه، فهل للمجتمع الدولي وظيفةٌ تجاهه، أم يُترك هذا المجتمع وشأنه؟ في الواقع لا يُمكن للمجتمع الدولي أن يترك هذا المجتمع وشأنه، لماذا؟ لسببين:
الأول: إنساني، لأن هذا المجتمع إذا تُرك وشأنه فإنه سيضر بنفسه.
الثاني: عالمي، لأنه مع التداخل بين دول العالم، سيعم ضرر هذا المجتمع على العالم كله.
وبالتالي من الضروري أن يقوم عقلاء العالم بدورٍ تجاه هذا المجتمع. وهذا المعنى الذي تُشير إليه الآية الكريمة التي تتحدث حول الأمة الإسلامية: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ (البقرة، 143). فواجب الأمة الإسلامية القيام بدور مهم لإنقاذ بقية الأمم التي لا تُدير أمورها بالشكل المناسب، وهذا هو دور الشهادة.
وحينما نلاحظ وضع العالم ووضع الأمة الإسلامية والعربية في هذه الحقبة الزمنية، يُثار سؤالٌ مهم: لماذا الدول الأخرى (أمريكا، أوروبا، وغيرهما) تضع مشاريع لإصلاح الشرق الأوسط، ولإصلاح المسلمين؟
يجب أن نكون منصفين، فلو كانت أمور البلاد الإسلامية والعربية طبيعية لما تجرأ أحدٌ أن يتحدث حول شؤونها. فهل هناك جهةٌ تتحدث عن إصلاح اليابان أو الهند أو أوروبا أو غيرها؟ كلا! وذلك لأن أمورهم تُدار بشكلٍ طبيعي.
فبسبب عدم إدارة البلاد الإسلامية والعربية لأمورها بشكلٍ طبيعي، تجد الآخرين يتدخلون في شؤونهم، وهذا الأمر جليٌّ وواضح، وباعتراف القيادات الإسلامية والعربية، فقبل يومين وضمن اجتماع مسئولين في منظمة المؤتمر الإسلامي أكد الرئيس الباكستاني أن المنظمة عجزت وفشلت عن إصلاح أوضاع العالم الإسلامي. وكذلك الحال بالنسبة للجماعة العربية إذ يتحدث أغلب الرؤساء أنها جامعة مهترئة وبحاجةٍ للإصلاح.
وأوضاع المجتمعات الإسلامية والعربية تكشف عن الحقيقة حيث الفقر والإرهاب والفوضى والفساد والمشاكل الأخرى التي لا تخفى على العالم.
فدول العالم المتقدمة من الناحية الإنسانية تجد نفسها معنية بوضع هذه الدول الإسلامية والعربية، ومن ناحية أخرى، وهي الأهم، أضرار هذه الدول نتيجة التداخل العالمي بين الدول تبدأ تنتشر وهذا يُمثل خطراً على العالم.
وتجاه هذا الأمر، تجد الدول الإسلامية والعربية نفسها أمام خيارين لا ثالث لهما:
الأول: أن تبادر هذه الدول لإصلاح نفسها بنفسها، وهذا هو الصحيح.
الثاني: إذا لم تبادر هذه الدول بالإصلاح، فإن الضرر سيتفاقم، ولن يسكت العالم على ذلك وإنما سيتدخل، ومن حقه ذلك.
وذكر بعض النماذج التاريخية التي ووجهت بمبادرات دولية، وأخرى معاشة إذا لم تنتهِ ستواجه بنفس الأسلوب، وقال في ذلك:
لو قرأنا تاريخ العالم الحديث لوجدنا أن هناك مشاكلٌ كانت تعيشها الإنسانية، ولو لم يكن هناك تدخل من المجتمع الدولي لبقيت هذه المشاكل معاشة، ومن أمثلة ذلك:
مشكلة الرق
حيث كانت البشرية تعيش في السابق هذه المشكلة، وهي إما بسبب حروبٍ سابقة أو عصابات تختطف أناساً وتستعبدهم، كما كانت تفعل أمريكا وأوروبا بالشعوب الأفريقية.
وبدأ تحركٌ عالميٌ لمواجهة هذه المشكلة، بغض النظر عن أسباب ذلك التحرك، وقد صدر أول قرارٍ من مجلس الثورة الفرنسي سنة 1791م بإلغاء الرق في المستعمرات الفرنسية. وبعد إحدى عشرة سنة أي في عام 1802م ألغى نابليون هذا القرار، واستمر ذلك إلى سنة 1884م. وفي عهد الرئيس الأمريكي (إبراهام لنكولن)، المشهور بتحرير العبيد، سنة 1863م أصدر قراراً بتحريم ومنع الرق في أمريكا، وكان هذا القرار سبباً في اغتياله سنة 1865م. ثم بدأت حركة على مستوى العالم لإلغاء الرق واستمرت هذه الحركة حتى عام 1926م حيث أصدرت عصبة الأمم المتحدة قراراً بإلغاء الرق. ولم تنتهِ هذه المشكلة تماماً، واستمرت إلى عام 1948م حيث ألغي الرق على مستوى العالم.
فلو لم يكن هناك تدخلٌ وإرادةٌ دولية لإلغاء هذه المشكلة لبقيت البشرية تعيشها إلى يومنا هذا.
الاستعمار
والاستعمار أيضاً كان ظاهرةً منتشرةً على مستوى العالم، حيث كانت لأغلب الدول الأوروبية مستعمرات متناثرة على مستوى العالم.
ولكن هذه الظاهرة ووجهت بمعارضة داخلية، وبدأ معها نشاطٌ دولي، وأصدرت قرارات بمنع الاستعمار، وآخر قرار صدر من الأمم المتحدة بتصفية الاستعمار كان سنة 1960م، وعارضته ثلاث دول آنذاك: بريطانيا، جنوب أفريقيا، والبرتغال. وبالفعل استمرت بريطانيا في مستعمراتها إلى سنة 1971م. وقد تشكلت لجنة لتصفية الاستعمار في الأمم المتحدة مكونةً من 24 دولة سنة 1961م، وشيئاً فشيئاً ألغي الاستعمار على مستوى العالم إلا بعض الآثار وأبشعها الاحتلال الصهيوني الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
أنظمة الاستبداد
وتواجه البشرية في الوقت الراهن أنظمة تحكم بالاستبداد وبدون ديمقراطية ولا تحكيمٍ لحقوق الإنسان ولا مراعاةٍ للحريات.
وهذا الاستبداد يضر بنفس المجتمع الممارس فيه، كما يضر بالعالم بشكلٍ عام.
والمجتمع الدولي لن يسكت على مثل هذه الأنظمة، بل سيكون له تحركه تجاهها.
وقد كان التحرك الأمريكي العسكري تجاه العراق أحد المبادرات تجاه الأنظمة الاستبدادية، مع أننا ضد التحرك العسكري الأمريكي، ونعلم جلياً أن الأمريكيين لم يأتوا إلى العراق من أجل العراقيين وإنما لمصالح ومطامع يهفون إليها، ولكن ليس معنى ذلك أن تستمر الأوضاع في العراق وباقي الدول الإسلامية والعربية على ما هي عليه. حيث أن استمرار الوضع كما هو عليه سيفرز الكثير من المشاكل التي تؤذي العالم كله، وبالتالي لا بد من الإصلاح.
والمطلوب أن تكون هناك مبادرات من نفس هذه الأنظمة المستبدة، ولا نعني دولةً بعينها، وإلا فمن الطبيعي أن تكون هناك مبادرات خارجية وتدخل دولي عالمي.
وأشار إلى خطة إصلاح الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المقرر طرحها خلال «قمة الثماني» في سي آيلاند بجورجيا، وطلبوا مشاركة بعض الدول العربية، وقد نشرتها جريدة الشرق الأوسط في عددها الصادر يوم الخميس الموافق 15 ربيع الآخر 1425هـ (3 يونيو 2004م)، ومن أبرز فقرات هذه المسودة: خفض الأمية إلى النصف خلال عقد وتوفير فرص عمل لربع مليون شاب والبدء بأول ملتقى في الخريف المقبل، موضحاً أن أي شخص من أبناء الشرق الأوسط يقرأ هذه المسودة فإنه من الطبيعي أن يُعجب بها ويؤيدها لأنه ليس كل الناس واعين للأهداف التي وراء هذه المبادرات، وآخرون ينظرون إليها حسب الظاهر ولا يدركون أن وراءها مطامع وأهدافاً خافية.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله الطاهرين.
وبإمكانك الاستماع إلى الكلمة من خلال الوصلة التالية:
http://www.saffar.org/media/ent_friday/1425/14250416.asf