مريم يا وزير الصحة
فجأة شعر أهلها بكيس دهني يكبر أسفل رقبتها، مما اضطرهم لمراجعة طبيب العائلة، حيث أشار عليهم بضرورة معالجتها بعملية جراحية بسيطة جدا، تندرج تحت عمليات اليوم الواحد، حيث يمكن لمن أجريت له أن يمضي لشؤونه بعد أن يرتاح قليلا.
مريم التي لم يتجاوز عمرها السنة الخامسة تسكن في سدني بأستراليا، وهي محبوبة من جميع أفراد أسرتها لجمالها وخفة دمها، ولأني أنزل ضيفا مغمورا بكرم والدها، فقد أحببت هذه الصغيرة ورحت أتابع باهتمام عمليتها وعلاجها.
مريم يا وزير الصحة كشف عليها الطبيب وأخبر أهلها أنه كيس دهني ليس خطرا لكنه حدد موعدا للعملية بعد أسبوعين فقط يا وزير الصحة بـ(مستشفى سدني للأطفال)، وأخبرهم أن أي طارئ يمكن أن يقرب وقت العملية دون الحاجة لأي إجراء قانوني أو أخوي.
كان وضعها سعيدا وهي تقبل على العملية فقد جاءتها إحدى المختصات لتهيئة الأطفال قبل الدخول إلى غرفة العمليات، وكانت ماهرة جدا، لأنها مختصة حقا في رعاية الصغار، لقد جاءتها بلعبة جميلة وأخذت تلعب معها، ثم أحضرت لها صورا للدكتور الذي ستراه في غرفة العمليات، وأخبرتها أنه من سيجري لها العملية، وإلى جانب صورته أحضرت صورا لكل من سيكون من المساعدين والمختصين في غرفة العمليات، وبدأت تذكر أسماءهم لها وتخبرها عن دقة وشطارة كل واحد منهم، وأنها ستراهم بقناع على وجوههم للحفاظ على صحتها، وأخرجت لها قناعا كالذي يلبسونه وجعلته في متناول يديها، ثم أخرجت لها جهازا لقياس الضغط وأخذت تلاعبها به.
بعد ذلك أحضرت لها بالونا يقوم الطفل بنفخه، وما أن يبدأ في النفخ حتى يستسلم للتخدير، وطلبت منها نفخه مرارا، حتى تنفخه بجرأة وشطارة في غرفة العمليات وحتى لا يكون غريبا عليها.
غرفة العمليات يا وزير الصحة كانت قمة في ديكور ورسمات الأطفال أسماك وحور البحر ودلافين، وأصداف، ثم زرقة الماء المريحة للعين والمبهجة للنفس.
أما مكان الإنتظار قبل العملية فلم يكن ممرا يا وزير الصحة، بل غرفة مهيأة بالتلفاز والـ(دي في دي)، وأوراق التلوين للأطفال، وجدرانها مزينة بالرسومات الجميلة، ومع ذلك الجو المؤنس كله لم يعتمد المستشفى على أهل الطفلة في رعايتها، بل من مسؤولية المختصة (التي تحدثنا عنها) أن تبقى تلاطفها وتلاعبها إلى أن تُستلم في غرفة العمليات.
حين خرجت مريم من غرفة العمليات إلى غرفة الإنعاش (التي لا تقل في ديكورها ورسماتها وجمالياتها عمّا سبقها في غرفتي الإنتظار والعمليات)، وأفاقت من التخدير، جاءتها بعد بعض الوقت معلمتها في الحضانة (الروضة) ومعها قصة جميلة، وجلست معها تقص بعضها عليها وتذكرها برفيقاتها في الحضانة وبالمعلمات اللاتي يُسلّمن عليها، كانت معلمتها للتو منتهية من دوامها ومنهكة، لكنها لم تترك عيادة طالبتها الصغيرة التي ربما لا تعي الكثير من مضامين هذه الزيارة.
لم ينته الأمر يا وزير الصحة بل جاءتها مختصة تسمى المعالجة باللعب (Play therapist) وأحضرت لها أشغالا يدوية، وعلمتها عن جهاز التلفاز والمحطات التي تفيدها، ثم عن جهاز الـ(DVD) يا سعادة الوزير كانت الغرفة مجهزة بلعبة الـ(PLAY STATION) ولعبة (WII) ولعبة (XBOX) ومجهزة كذلك بلوح للرسم وللكتابة.
لا أظن يا وزير الصحة أن ميزانية وزارة الصحة في بلدهم أكبر من ميزانية الصحة في بلدنا أليس كذلك أيها الوزيرالقدير؟ ثم ألا تعتقد أن بعض الأمور ليست مكلفة ولكنها تحتاج إلى نفس إنساني وإهتمام إداري؟