مركز الفقاهة وفقه التعايش
مساء الأربعاء والخميس المنصرمين 26-27/2/1431هـ أقام مركز الفقاهة للدراسات والبحوث الفقهية بالقطيف ملتقاه السنوي الأول تحت عنوان (فقه التعايش في الشريعة الإسلامية).
وعلى غير العادة من إقامة هذه الملتقيات في قاعات الفنادق، أو الصالات المعدة لاستقبال هذا النوع من الملتقيات والاجتماعات، فقد وفق المركز باختيار جامع الكوثر بمدينة صفوى، ليكون السقف الذي تجتمع فيه أصوات التعايش تحت راية التوحيد، وفي ذلك دلالة رمزية واضحة.
ويمكن في عجالة هذا المقال الإشارة لعدة أمور ليس بينها رابط وثيق، لكنها تتحرك في سياق اللقاء وعلى ضفافه:
1/ جاء انعقاد هذا اللقاء بجهد وبتمويل أهلي، الأمر الذي يكشف أن لغة التعايش ورغم كل الحصار الذي تحاول الأصوات المتطرفة أن تفرضه عليها لها محاضن أهلية تشعر بضرورة المشاركة والمساهمة في دفعها، دون أن يلقى الثقل على الجانب الرسمي فقط، وإذا ما لقيت هذه المؤسسات الأهلية مؤسسات أهلية في الضفة الأخرى فإن تقاطع الرؤى والتطلعات في شأن التعايش ستشهد تحولات طيبة.
إن بإمكان العديد من المؤسسات الأهلية ذات الطابع الفكري والفقهي أن تدرج على جدولها هم الوطن ووحدته، وأن تسعى لخطوات شبيهة بهذا الملتقى، كما أن رجال الأعمال مدعوون لدعم وتبني مثل هذه البرامج الوطنية الهامة.
2/ الوجوه والشخصيات التي شاركت في الملتقى بأوراقها التي قدمتها ورؤاها التي عرضتها هي وجوه رائدة ومواكبة لمسيرة التعايش التي تحملها كرسالة ترى فيها القدرة على حماية المجتمع من الأخطار والمساوئ، ومع كل الشكر والتقدير لجهدها وعطائها الجميل والمتميز حتى في هذا الملتقى، فقد تمنيت أن أرى وجوها جديدة تدخل هذا الميدان الطيب.
إن المتابع لصحافتنا المحلية يرى كما كبيرا ومتسعا من الأقلام المتسامحة، والآراء الشجاعة، والرجال الواعدين الذين يتبنون ثقافة التعايش ويروجونها ويتحملون النقد والضغوط دفاعا عنها، والمريح أنهم لا ينتمون لشريحة اجتماعية أو علمية واحدة، مما يعطيهم القدرة على الامتداد في مختلف الأوساط.
لقد كثرت الأقلام المعتدلة، وخرجت الآراء التي تخاف على وطنها من صمتها، وبدأت تحرك الساحة للألفة، وتدفع المجتمع لاحتضان بعضه بعضا ضمن قيم وأخلاقيات الإسلام بعيدا عن كل التفاصيل الضيقة.
وبودنا في مثل هذه الملتقيات وغيرها من الملتقيات المقبلة (إن شاء الله) أن نشم ورودا جديدة، ونسمع أصواتا تواصل مسيرة من سبقها من الرواد، فالحمل ثقيل ولا شك أن كل صوت سيكون جزءا من الرافعة التي ستأخذ بأيدينا جميعا إلى المحبة والعدل والإنصاف الذي يحبه الله ورسوله.
3/ الفتوى هي المحرك القوي لمختلف الساحات، فكل فضاءاتنا الدينية إنما تنبعث وتكبح بالفتوى وبرجال الفتوى وهم الفقهاء، فالفتوى لها جهة تعبدية، تحرك نفس الإنسان، وتلزم أعماقه بحكم الشارع، وشارعنا المتدين يتحرك كالموج باتجاه الفتاوى التي تصله، وتأسيسا على هذا فإن هذه الملتقيات ذات الصبغة الفقهية التأسيسية مهمة للغاية، لأنها تقعّد الأفكار الوحدوية على أساس ديني متين.
وإذا كان بإمكاننا أن نشرك معنا رجال دين (في ملتقياتنا اللاحقة) ممن لهم أهلية الإفتاء والحكم الشرعي ، ولهم امتدادهم الواسع والمقبول جماهيريا، فإننا سندفع ساحتنا إلى الخير بوتيرة أسرع.
4/ طريق الألف ميل يبدأ بخطوة وما قام به مركز الفقاهة هو خطوات في هذا الطريق، فالشكر كل الشكر بعد الله لمركز الفقاهة وعلى رأسه الشيخ جعفر البناوي، وشكرا لمن حضرت أوراقهم في الليلة الأولى وهم الشيخان الكريمان حسن الصفار وحسين العيش ومعهما الدكتور العزيز محمد الهرفي، واعتذر عن ذكر أسماء من سيشارك في الليلة الثانية لأن وقت إرسال المقال للجريدة (يوم الخميس عصرا) سابق على موعد اللقاء بهم، لكني أشملهم مقدما بالشكر والتقدير.