خرج بلحية وقرآن
بعد أن سرق الكثير من المال بالاحتيال, وأخذ أتعاب الناس بالخديعة وباسم التجارة, فأفلست عوائل وانقلبت حياة الكثير من الأسر, فأصبح بعضهم ضمن خط الفقر، والبعض الآخر مازال يؤدي القروض التي استوجبتها استجابته لعروض هذا الخادع, ألقت السلطات القبض عليه, ولأنه قد رتب وضعه بنكيا مع بعض أقاربه وزملائه فقد الذين تعاملوا معه الأمل في أن يُرد لهم شيء من أموالهم, لكنهم سرعان ما شعروا أن الرجل سيدفع ثمنا باهظا جراء غشهم وخداعهم فسيقضي عشر سنوات من عمره كما حكم عليه القاضي ليتألم كما تألم الآخرون بسببه وليحرم من التمتع بأموال لم يتعب في تحصيلها.
المفاجأة كانت حين خرج بعد أقل من سنتين لأنه أطلق لحيته وحفظ القرآن الكريم, فقد شمله العفو الذي شمل أخاه من قبل, فأخوه كان يقضي عقوبة مطولة بالسجن لكنه فلت منها بنفس الأدوات وذات العدة, أعني لحية كثة وحفظ مميز للقرآن الكريم, لكن أهل حارته ينقلون أن لحيته لم تمكث طويلا، كما أن اشتياقه لعمله السابق سرعان ما أخذه لممارسة نفس المهنة.
الرجل الأول حصد الملايين من أموال الناس، وخلال أقل من سنتين في السجن نال حريته، وأصبح الآن مصرّفا في تلك الأموال وغنيا بها، بينما يكدح ملايين الشرفاء من الناس بحثا عن قوت يومهم, فيصحون قلقين وينامون مهمومين.
العفو بشروطه الحالية يحتاج إلى إعادة نظر, لأننا لن نكون أمام راغبين في حفظ القرآن الكريم كالحفظة الذين يتخرجون من المساجد وحلقات التحفيظ, بل سنكون أمام الآلاف من الذين يتخذون حفظ القرآن الكريم طريقا لتحقيق المزيد من شهواتهم وانفلاتهم على ما بقي في المجتمع من أمن وأمان.
ليست الجرائم اليوم هي جرائم أفراد تتوخى هدايتهم بهذه البساطة، فالواقع يشي بعصابات بينها تخطيط وتعاون على الإثم والعدوان، وغالبا لها تاريخ طويل من الاعتداء والسطو والغش والخداع للبسطاء من الناس.
لقد نشرت جريدة عكاظ دراسة عن عصابات لتهريب والاتجار بالأطفال، وقد وثقتها دراسة لجامعة الأمير نايف الأمنية بتاريخ 14 /8 /2009 وهناك عصابات لتهريب الأسلحة والمخدرات نقرأ عنها يوميا في جرائدنا الرسمية، وبين يدي الآن جريدة اليوم ليوم الخميس الماضي 11 /3/ 2010 وفي مانشيتها العريض ضبط 2990 طلقة كلاشنكوف و25 بلاطة حشيش.
وفي نفس الجريدة وذات التاريخ، هناك خبر عن احتجاز عصابة مكونة من 4 لصوص أفارقة بجدة، وخبر عن سرقة مراهق لـ 10000 ريال بالهفوف، وفي الإحساء إحباط تهريب 7272 زجاجة خمر حسب خطاب تسلمته شرطة البطحا من أحد الجمارك.
السرقات المنتشرة للمنازل وللأفراد بواسطة عصابات الدبابات المنتشرة لا يمكن التعامل معها كما كان آباؤنا يتعاملون مع السرقات التي يندفع لها أفراد قلة وبطرق بدائية وضمن حدود غفلة الناس، وعدم انتباههم.
نحن اليوم في مرمى جرائم لعصابات تأخذ ما تريد تحت تهديد السلاح وأحيانا في وضح النهار، وحاجتنا للصرامة أكثر من تعاملنا بالعفو، لأن العفو في غير أهله يكون كارثة بكل ما للكلمة من ظلال.
ربما كانت لبعض السلوكيات التي يندفع لها السجناء والسراق دلالة على الندم والتأسف في سالف الأيام، لكننا اليوم أمام ظروف مختلفة وأجيال مغايرة لتلك الأجيال، وأمام سلوك إجرامي ممتهن لعالم الجريمة، وبعيد كل البعد عن أي حس إنساني وديني.
ليس خطأ في مسارنا أن نتأمل في أساليبنا السابقة للتعامل مع هؤلاء المعتدين، مع جزمي أننا بحاجة لمعلومات ميدانية وإحصائية تكشف النسبة المئوية التي تعود إلى الجريمة بعد أن يشملها العفو ويطلق سراحها.