تشجيع الاغتصاب!
عادت الفتاة إلى منزل أهلها مسرعة لتلاقي أباها في ردهة المنزل، أمسكت به وبكت وهي ترجف وترتعش، احتضنها وسألها في حالة من التوتر، ماذا حل بك؟
أبي لقد تابعني شابان في سيارتهما وهما يتلفظان بألفاظ خادشة للحياء، وطلبا مني الركوب معهما، وهدداني بسحبي إلى السيارة، فكنت أسرع الخطى واركض أحيانا، وقد انقطع نفسي، وانهارت قواي، لكني تمكنت من تسجيل رقم سيارتهما ونوعها.
أسرع الأب إلى أقرب مركز للشرطة، وأخبر الضابط الذي استقبله عن الموضوع بتفاصيل ما حدث، وقدم له رقم السيارة ونوعها، لكن الضابط الذي استقبله سأله، هل أصاب البنت شيء؟ هل تم الاعتداء عليها؟
أجاب الأب بالنفي، فقال الضابط: الحمد لله على سلامة البنت، «وما دام ما صار شي والبنت رجعت سالمة، فالموضوع منتهي ولا داعي لإتعاب نفسك، فعندنا من القضايا ما يكفي».
تمر بعض القضايا بتحقيق نظيف في قسم الشرطة والبحث الجنائي، وتصل إلى القاضي باعتراف لا لبس فيه ولا في طريقة انتزاعه، فتنهال على القاضي خطابات الاسترحام، وزمالات العمل، ووساطات القبيلة، واتصالات (اللي فوق واللي تحت) فيبدأ صاحبنا بالبحث عن المخارج المناسبة في لغة الحكم ودلالة كلماته، ومدى إدانتها ومقدار عقوبتها، وخصوصا حين يجهل أهل الفتاة الطريقة المناسبة لانتزاع حقهم.
وأحيانا يوعز بعض العارفين للمغتصب بإنكار أقواله، أو اتهام المغتصبة باعتبار أن العلاقة بينهما قائمة منذ زمن، أو أنه ينوي الزواج منها، وما شابه من زواريب التفافية آمنة، فيرى القاضي في هذا الكلام أو في غيره أن الحدود تدرأ بالشبهات، وأن لفلفة الموضوع خير من الصرامة فيه (وما عاد تعودها يا ولد).
حدثني صديق تعرضت قريبته لاغتصاب تحت تهديد السلاح، فانتصر لها قسم التحقيق في الشرطة، واتخذ القاضي قراره وحكمه بما يمليه عليه دينه وأمانته، وبدأت الأمور تسير في طريق الردع وتنفيذ الحكم.
المفاجئ كان في ذهاب والد الفتاة وتنازله عن القضية، والسبب أن بعض وجهاء المجتمع مارسوا عليه من الضغوط ما يتعب القوي ويرهق الصابر، فكيف وهو مجروح بما أصاب ابنته، حتى أن الضغوط تسللت ومورست عليه من قبل رب العمل الذي يكسب منه رزقه.
صديقي كان يسألني لماذا يصبح من يطالب بحقه وحكم الشرع، وأمن المجتمع في قفص الاتهام؟ وينهال عليه الناس ليكون في زاوية لا يحسد عليها، الكل يقول له إن كانت لنا مكانة عندك وتقدير في نفسك فلا تردنا، ثم يطلبون منه التنازل، فيرى نفسه أمام ضغط اجتماعي شديد.
البعض يسمي هذه الضغوطات إصلاحا لذات البين، والبعض الآخر يعتبر هذا الجهد صدقة لوجه الله، وآخر يراها إنقاذا لرقبة وحفظا لعائلة، وأعتقد أن الألفاظ الجميلة، ذات الصبغة الدينية لا تشح على أحد، لكن الذي سيشح علينا هو الأمن والأمان، أليس كذلك؟
المال الذي يبذل للتنازل، خمسة ملايين ريال، عشرة ملايين ريال، أقل أو أكثر، المهم تنازل وحقك بيدك في شيك مصدق، ولكل جريمة سعرها في السعودية حسب السوق وزيادة انتشار هذا النوع من الجرائم أو ذاك في تلك الفترة، فلجرائم القتل سعر، ولجرائم الشرف سعر آخر، وللمعتدي من القبيلة أو العائلة أو المعارف وضع مختلف عن الغريب، وكل شيء يمكن أن يعالج ويلين، لكن الخطر الذي قد لا يراه البعض ماثلا هو جرأة المجرمين وانتشار الجريمة.
عنونت المقال بتشجيع الاغتصاب ولست أدري هل كان من الأفضل أن أعنونه بتشجيع الجريمة؟