أسس لعلم الكلام الجديد وقدم أنموذجاً لعالم الدين الرسالي
الشيخ الصفار في ذكرى الشهيد مطهري
رداً على سؤال لمراسل وكالة رسا الإيرانية للانباء: كيف رأيتَ شخصية الشهيد مطهري أجاب الشيخ حسن الصفار:
كان الشهيد مطهري (ره) عالمًا منفتحًا في اتجاهين مهمّين لا يمكن لعالم الدين في عصرنا الحاضر أن ينطلق في ممارسة رسالته دون أن يتوجه في عمله من خلالهما:
الاتجاه الأول: الانفتاح على المحيط الاجتماعي: فالشهيد مطهري لم يكن عالم دين منـزوٍ، بل كان نشطًا اجتماعيًّا وثقافيًّا، ولا أدلّ على ذلك حضوره الكبير من خلال محاضراته التي تحول معظمها إلى كراسات وكتب تربى جيل كامل على أفكارها ورؤاها المعاصرة.
والاتجاه الآخر: الانفتاح على العلوم والثقافات الحديثة: ولعل لوجوده مدرسًا في كلية الإلهيات بجامعة طهران أثر كبير في الإطلاع على هذه العلوم والمعارف الحديثة، كما أن احتكاكه بالطبقة الجامعية كان سيفرض عليه نوعًا من الانفتاح عليها.
إن معايشة عالم الدين لقضايا مجتمعه ومحيطه المحلي والعالمي يشكّل فرصة جيدة له لفهم واقع الحياة بصورة أفضل، وهو ما ينعكس تاليًا على تطبيقه للمفاهيم والأحكام الشرعية ومعاصرتها لواقع هذه الحياة، حيث سيكون لذلك دوره في إعطاء الرؤية لكثير من مجرياتها الحديثة بصورة أقرب إلى الواقعية.
وعن تأثير شخصية الشهيد مطهري في عصره قال الشيخ الصفار:
يمكن أن نضع تأثيره في اتجاهين، فالاتجاه الأول فيما يرتبط بتقديم الصورة المشرقة للإسلام، إذ الشهيد مطهري كما كان له ارتباطه بالدرس الديني التقليدي (الحوزوي)، كان له ارتباطه بالدرس الجامعي، وكان لهذا تأثيره في القضايا التي عالجها في محاضراته ومؤلفاته العديدة، وكذلك في أسلوب تناوله لهذه القضايا، وهو ما أسس تاليًا لما عرف لاحقًا ﺑ (علم الكلام الجديد)، ذلك أنه عالج كثيرًا من المسائل العقدية بأسلوب ونمط ينسجم والطروحات الحديثة، وبالإضافة إلى ذلك استحدث بعض القضايا التي لم تكن مطروقة سابقًا في علم الكلام، حيث عالجها من زاويتها الإسلامية وفق الرؤية الإمامية وبأصالة عميقة.
وهو بهذا السبق كان يطرح الصورة المشرقة للإسلام في مبدئيته وقانونيته التي يمكن طرحها في قبال المبادئ والعقائد والأيديولوجيات والتشريعات الحديثة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، كان للشهيد مطهري دوره البارز في رفد الجماهير الإيرانية بالثقافة الإسلامية الواعية التي انطلقت مع حركة الإمام الخميني الراحل لتصنع حركة جماهيرية رائدة لا مثيل لها في هذا العصر, ولتقدم نموذجاً ثورياً باهراً أطاح بأعتى النظم الاستبدادية, وأقام نظاماً دينياً شعبيا.
وعن مدى الاستفادة من آثار آية الله مطهري العلمية أجاب الشيخ الصفار:
تزخر الدول الإسلامية ـ وفي مقدمتها الجمهورية الإسلامية في إيران ـ بوجود العديد من الجامعات والصروح العلمية، وهذه الجامعات بيئة خصبة لتنمية العلوم والمعارف الإسلامية، وما أقترحه هنا للاستفادة الأكبر من تراث وفكر الشهيد مطهري هو تبني جامعاتنا الإسلامية لأعلامنا المعاصرين ولما طرحوا من أفكار، وذلك من خلال إنشاء العديد من الكراسي العلمية داخل الجامعات، ومن هؤلاء الأعلام الذين يستحقون منّا كل اهتمام وتقدير هو الشهيد مطهري، إذ من الممكن أن تتبنّى الجامعات كرسيًّا علميًّا باسم الشهيد مطهري يكون تحت إشراف أحد المتخصصين في الدراسات الإسلامية الأكاديمية وتخصص فيه العديد من الدراسات حول أفكار وتراث الشهيد مطهري العديدة والمتنوّعة.
من ناحية أخرى يجب تكثيف نشر أفكار الشهيد مطهري على المستوى العالمي وبمختلف اللغات, وتشجيع حركة التطوير لما أنجزه من أبحاث وأفكار.
ورداً على سؤال: كيف حقق الشهيد مطهري هذا الموقع وهذه الشعبية قال الشيخ الصفار:
ربما كان ذلك لعوامل عدّة، يمكن الإشارة إلى بعضها، وهي:
1. إخلاصه العميق لله سبحانه وتعالى, الذي منحه التوفيق والبركة في مسيرته.
2. احتكاكه الدائم بالجمهور، ويشهد لذلك العدد الكبير من المحاضرات الدينية والثقافية والعلمية التي كان يحاضرها.
3. ارتباطه بأجواء الجامعة، إذ الشريحة الجامعية شريحة شابّة متعطّشة إلى المعرفة، حيث كان حضوره وسط هذه البيئة عاملاً مهمًّا لأن يتعرّف حاجات هذه الشريحة، كما أن الطلبة الجامعيين سيتعرّفون ـ من خلاله ـ كثيرًا من المفاهيم والمعارف الدينية، ما يجعله عالم الدين الأقرب إليهم وإلى أفكارهم ورؤاهم حول الدين والحياة والإنسان.
4. جرأته في طرق بعض الموضوعات الدينية التي لم يكن مألوفًا مناقشتها، وذلك من قبيل محاضراته العاشورائية التي كان يناقش فيها العديد من الوقائع التي تذكر في واقعة كربلاء، داعيًا الجمهور إلى عدم تلقّف أحاديث الخطباء دون تمحيص وتدقيق أو محاسبة، وكذلك معالجته لبعض المشكلات مع علماء الدين، وهي المشكلات التي لم تكن لتطرق وسط الأجواء أو المجتمعات المتديّنة، وغير ذلكما من الأمثلة .. إن تناول هذه النقاط سيثير جدلاً في مثل هذه الأوساط، وغالبًا ما تتلقف الشريحة الشابّة مثل هذه الأحاديث بالقبول، ويكون ملقيها موضعًا للإعجاب لدى كثُر من هذه الشريحة، وكذلك للأجيال اللاحقة.
5. الجِدَّة في معالجة كثير من القضايا الدينية، حيث لم يعالجها معالجة تقليدية مكرورة، إنما كان يطرحها طرحًا مغايرًا وعصريًّا مستفيدًا في ذلك من ثقافته المعاصرة وإطلاعه الواسع.
6. وسام الشهادة الذي منحه الله تعالى له ليكون مسك الختام لحياته الطيبة.
وتعليقاً على ما قاله الإمام الخميني (ره) حول الشهيد مطهري عندما قال: «مطهري ثمرة حياتي» قال الشيخ الصفار:
انها تعني ان الإمام كان يرى في الشهيد مطهري أفضل مستوعب لآرائه وأفكاره, وخير ملتزم بالأهداف العليا التي كان ينشدها الإمام في نهضته, وانه النتاج النموذجي لتربية الإمام الخميني العلمية والحركية.
هذا وقد نشرت وكالة رسا للانباء إجابات الشيخ الصفار بتاريخ 1 مايو 2010م ضمن قنواتها الإعلامية, وتناقلتها مختلف الصحف في ايران.