أكذوبة احترام الإنسان
نقول دائما ان الإنسان محترم في أمريكا، وفي الغرب، وفي دول أوروبا عموما، ونستدل بوثائق ومعاهدات حقوق الإنسان، ونستشهد ببعض الأخبار والحوادث التي تحصل في الولايات المتحدة الأمريكية، وكيف أن شخصا يمكنه أن يحاكم رئيس دولته أو يخالفه أو يعاديه، دون أن يصيبه ضرر أو أن تهدد حريته، أو يتعرض للسجن والاعتقال.
ونلتفت إلى دولنا العربية والإسلامية، فنقول ان الإنسان محترم فيها أكثر من الغرب لحاكمية الدستور الإسلامي الذي تنتهجه هذه الدول، ثم نتلو المزيد من آيات القرآن الكريم وهي تقول: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾.
والحقيقة أن الضائع بين معاهدات حقوق الإنسان وآيات القرآن الكريم التي تكرّم الإنسان هو الإنسان، وأن المنطق الوحيد هو منطق القوة، هذا ما أكدته وقائع الهجوم الإسرائيلي الهمجي على أسطول الحرية الذي اتجه لكسر الحصار الصهيوني القذر على غزة.
لو كان الإنسان محترما في العقلية الغربية لما عاشت أغلب شعوب العالم تحت نير ونيران الظلم الغربي، ولما سلطت عليه آلة الحرب لتدمر بيوت الطين في أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين وغيرها من المناطق.
لا يمكن تصديق مقولات احترام الإنسان الغربية، وهي توفر له الأمن والأمان في نقاط معينة من العالم (دول الغرب) بينما يسعى الغربي بثقافته وتكنولوجيته وجيوشه ويساند بشكل أو بآخر آلات الحرب والدمار في العالم كله ضد الإنسان البسيط وكرامته.
لماذا يحترم الإنسان في الغرب إذا؟ لا أتصور أنه يحترم لإنسانيته فحسب بل لأنه قوي، فصوته مهم، وموقفه مؤثر، وبإمكانه أن يقلب دولته رأسا على عقب، وأن يسقط حكومته ورئيسه ومؤسساته الخدمية وغيرها إذا سلبت أو تباطأت أو قصرت في شيء من حقوقه.
ولذلك يأتي احترامه هناك من منطق قوته وقدرته على التأثير في مجريات الأمور، لقد نبهنا القرآن الكريم بالإضافة لتأكيده على كرامة الإنسان ومكانته أن نوجد الوسائل التي تمنع المساس بكرامتنا كي لا ينال أحد منها، فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾.
القوة والقدرة على التأثير في الأمور والمعادلات سلبا أو إيجابا هي التي تجلب الاحترام لإنسانية الإنسان، وتجعله محل تقدير، وتجعل الانتقاص منه ومن كرامته عملية غالية الثمن، وباهظة التكاليف.
مسألة القوة وامتلاك عناصرها لحماية الكرامة والعزة سيالة في كل بعد وكل شيء، فالضعيف من الناس يداس بالأقدام والضعيف من الشعوب يسحق، وكل القرارات الدولية لن تعطيه الأمان، ولن توفر له الحماية، وما صدر عن مجلس الأمن حول هجوم الصهاينة على الأسطول يكشف أن كل هذه المجالس والمنظمات هي لحماية القوي لأن له أهلية الحماية ويمتلك أسسها وهي القوة.
إن الانتهاكات لحقوق الإنسان والتعدي على كرامته في أكثر من نقطة ومكان في هذا العالم إنما تستفيد من حالات الضعف التي يعيشها الإنسان والشعوب على امتداد هذه المعمورة، واسترداد الكرامة والعزة لا يكون إلا ببناء القوة واستخدامها في المكان والزمان المناسبين.
نحن الآن في فترة حسم وفصل بين بيانات الشجب والإدانة والاستنكار التي اعتادتها إسرائيل منا، وبين مواقف العزة والكرامة التي بدأتها فلسطين، وتشبثت بها لبنان، وها هي تركيا تلوح بها، والأمل قريب أن يشعر الواحد منا أن كرامته بين يديه وأنها محمية بقوته.