الخواطر السيئة والحذر من الانزلاق
مسيرة الإنسان في هذه الحياة تتطلب منه أن يؤدي امتحانا دائما وأبدا، حتى يلقى ربه الكريم، وهي العلة من خلقه في الحياة والذي يبينه تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ﴾ وقوله ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾. ويبقى الإنسان في مواجهة هذا التحدي والصراع الدائم، فهو يعيش ثنائية المادة والروح، والعقل والشهوة، حيث يتكون من نفحة من روح تشده إلى السمو والرفعة، وقبضة من تراب تشده إلى الانحطاط والسقوط. وطبيعة الحياة فيها ما يستثير الدَافعَين أمام الإنسان.يقول الإمام زين العابدين في مناجاته: «إلهي أشكو إليك عدوا يضلني، وشيطانا يغويني، قد ملأ بالوسواس صدري، وأحاطت هواجسه بقلبي، يعاضد لي الهوى، ويزين لي حبًّ الدنيا، ويحول بيني وبين الطاعة والزلفى».
ومهما بلغ الإنسان في مراتب الإيمان فإن ذلك لا يسقط عنه الامتحان، بل قد يكون أكثر بلاء. كالطالب في المدرسة فمهما تفوق في دراسته وتميز إلا أن ذلك لا يعفيه من خوض الامتحان كبقية الطلاب. الإمام الصادق يقول: «إن الشياطين أكثر على المؤمنين من الزنابير على اللحم».
هذه المعركة تبدأ من هواجس وخواطر تختلج في نفس الإنسان. الآية الكريمة تقول: ﴿إن الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان﴾ وهذا تأكيد على أن المؤمن معرض للامتحان وتربص الشياطين به. ومعنى قوله: ﴿طائف من الشيطان﴾ الطائف أصله ما يطوف حول الشيء، وكأن الهواجس تدور حول الإنسان المتقي وتتربص به الدوائر. فماذا يعمل المؤمن في هذه اللحظة؟
عليه أن ينتبه لها من بداية الأمر ويقاومها، وإلا فسيكون أسير قبضة الشيطان. وكيف ينتبه لها؟ والجواب بذكر الله تعالى: ﴿تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾. وذكر الله تعالى لا يكون باللسان فحسب، بل بتذكر أن الله تعالى عليم بكل شيء، وأننا منه وإليه، وسوف يحاسبنا. وإذا تذكر الإنسان ربه أبصر أمره ودربه: ﴿فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾.
ومن تلك المواطن التي ينبغي التركيز على ذكر الله فيها:
* عند الغضب: حيث ينفعل الإنسان وتشتد حركة طائف الشيطان حول نفسه، لتدفعه نحو تصرفات ارتجالية، قد يندم عليها لاحقا. في الرواية أن الشيطان أتى نبي الله نوح وقال له سأكافيك لأنك دعوت على قومك فأرحتني هذه المدة، فقال نوح : « ما الذي تريد أن تكافئني به؟ قال: اذكرني في ثلاث مواطن فإني أقرب ما أكون إلى العبد إذا كان في إحداهن: اذكرني إذا غضبت واذكرني إذا حكمت بين اثنين واذكرني إذا كنت مع امرأة خاليا ليس معكما أحد».
* عندما يهم بعمل الخير: إذا أراد الإنسان أن يعمل خيرا فعليه أن يبادر لعمله، فإن الشيطان يحول بينه وبين ذلك الأمر. جاء في الرواية «أن إبليس أوصى نبي الله موسى : إذا هممت بصدقة فامضها، فإذا همّ العبد بصدقة كنت صاحبه دون أصحابي حتى أحول بينه وبينها». قد يتشجع شخص ما تزوره لتعرض عليه عملا خيريا، ولكنه إذا لم يعط منذ البداية فإنه سيكون عرضة لطائف الشيطان، فقد يقلل من عطائه، ولربما امتنع عن العطاء.