العلاقة بين الوالي والرعية
أية علاقة بين الناس لابد أن تتضمن حقوقًا متقابلة بين الطرفين، ليست هناك علاقة يكون فيها الحق لطرف واحد، ويجرّد فيها الطرف الآخر من حقوقه، حتى في علاقة البشر بربهم سبحانه وتعالى وهو الله الذي خلق الناس، وهو الذي أعطى نعمة الوجود وكل شيء لهم، مع ذلك رتّب بينه وبين عباده حقوقًا متقابلة، يشير أمير المؤمنين إلى ذلك يقول : (لَا يَجْرِي لِأَحَدٍ إِلَّا جَرَى عَلَيْهِ وَ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ إِلَّا جَرَى لَهُ وَ لَوْ كَانَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْرِيَ لَهُ وَ لَا يَجْرِيَ عَلَيْهِ لَكَانَ ذَلِكَ خَالِصاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ دُونَ خَلْقِهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ وَ لِعَدْلِهِ فِي كُلِّ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ صُرُوفُ قَضَائِهِ وَ لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ حَقَّهُ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُطِيعُوهُ وَ جَعَلَ جَزَاءَهُمْ عَلَيْهِ مُضَاعَفَةَ الثَّوَابِ تَفَضُّلًا مِنْهُ).
ثم يتكلم عن حق الوالي وحق الرعية، والتي هي من أعقد العلاقات بين بني البشر. الحاكم بيده أمور الناس ومقدرات البلاد، وبالتالي إذا لم يحصل هناك التزام بالحقوق المتبادلة، وكان هناك جور على الحقوق فإن أوضاع المجتمع والبلاد تصبح في خطر كبير، ولهذا تتأكد أهمية إصلاح هذه العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتكشف لنا تجارب الزمن والحياة أن أهم أسباب المشاكل والاضطرابات التي تحصل بين بني البشر تكون بسبب الخلل في العلاقة بين الحاكم والمحكوم. إذا صلحت هذه العلاقة عاش الناس حالة الأمن والرضا والاستقرار، ومتى ما اختلت سلب الأمن وتلاشى الاستقرار، فالناس يكونون غاضبين، والحاكم يكون شاكًا في ولاء الشعب له، وفي التفافهم حوله، وهنا تنفرط الأمور وتصبح البلد مهزوزة ومهيأة للاضطرابات والأخطار، ولذلك جاءت النظريات السياسية إضافة إلى النصوص الدينية متجددة في كل زمن من الأزمان، لأن العلاقات بين بني البشر تتطور مع تطور الزمن.
العلاقة بين الأب وأبنائه في أساليبها تتغير مع تغير الزمن، لو أراد الأب أن يتعامل مع أبنائه كما عامله أبوه، وأن يعامله أبناؤه كما عامل هو أباه، فهذا أمر صعب ولا ينتظم، لتغير الزمن. نعم من حيث جوهر العلاقة القائمة من جهة الأب كعطف ورعاية، والاحترام من جهة الأبناء هذا شأن إنساني مطلوب في كل العصور، لكن الأساليب والصيغ الخارجية تختلف من جيل لآخر. وكذلك الحال في العلاقات الزوجية، فما عادت الزوجة تتعامل مع زوجها وفق ما كان عليه النساء في الأزمان الماضية، ولا الزوج كذلك، وذلك توافقًا مع تغير نمط الحياة الذي أوجد تغيرًا كبيرًا في نمط التعامل بين الناس وهذا أمر واضح، كما هو الحال مثلاً بين العلاقة بين رب العمل وعماله، هناك الآن أنظمة وقوانين جديدة فرضها تطور الحياة الإنسانية، ولم يعد بإمكان رب العمل ان يتعامل مع عماله حسب رغبته ومصلحته كما كان في الماضي. وكذلك في مجال العلاقات السياسية بين الحاكم والمحكوم، لا يمكن لحاكم في هذا الزمن أن يطلب من شعبه أن يتعاملوا معه كما كان الناس يتعاملون مع السلطات في ماضي الزمان، اختلف الوضع وارتقى مستوى وعي الناس وفكرهم، وانفتحوا على بقية الشعوب، وصار عندهم نضج سياسي، فلابد من مواكبة التطورات وتغيير نمط العلاقة. عدم مواكبة الزمن هو الذي يوجد الشرخ والخلل في العلاقات، وما نلحظه من توترات سياسية اجتماعية في الشرق الأوسط، من مظاهرات وثورات وانتفاضات واحتجاجات، سببه الرئيس وجود خلل في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، علاقة بالية معطوبة في كثير من البلدان، وما لم تجدد هذه العلاقة وتصلح فسوف لا تستقر الأمور.