روادع المعاصي لطف إلهي (1)
هناك أسباب لابتعاد الإنسان عن الذنوب والمعاصي، ومنها:
* إدراك القبح والضرر: هناك من الناس من يتجنب الذنوب والمعاصي لوعيه بقبحها وضررها، فهو لا يقترف المعصية لأنه يعي أن ذلك شيء يضره ويؤذيه، تمامًا كما يتجنب الإنسان شرب الماء القذر، أو أكل الشيء الفاسد لأنه يدرك ضرره وتنفر منه نفسه.
* الالتزام بأمر الله تعالى: أهل الورع والتقوى يتجنبون المعصية التزامًا بأمر الله عز وجل، حتى لو لم يعرفوا العلة من هذا المنع، وما هي الفائدة وما هو الضرر. يسلمون بأمر الله عز وجل فينتهون لنهيه، ويلتزمون بما أمرهم به.
* تعذر القيام بالمعصية: وفي الناس من يتجنب المعصية لتعذرها عليه، وهذه درجة من درجات التوفيق. ورد عن الإمام علي «من العصمة تعذر المعاصي».
* وجود الرادع: وفي الناس من يترك المعصية لوجود رادع فلا يمارسها، أو لا يستمر عليها، وأكثر الناس هم من هذا الصنف.
والسؤال هنا: لماذا لا يكون الرادع من قبل الله تعالى فوريا؟
والجواب: إن هذا ينافي حكمة الله تعالى في خلق الإنسان ووجوده في هذه الحياة، فقد خلق الله الإنسان ليبتليه، وليمتحنه، وإذا أتته العقوبة فورًا فلا يكون هناك فرصة كافية للامتحان.
يريد الله تعالى من عباده أن يتجنبوا معصيته باندفاع من داخل أنفسهم, كما يريد تعالى أن تستمر أمور الحياة ضمن ممارسة الإنسان لحريته واختياره.
لذا شاءت حكمة الله عز وجل أن لا تكون الروادع فورية يقول تعالى: ﴿ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة﴾، إنه يمهل العاصين ليؤاخذهم في الوقت المناسب ﴿ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى﴾ وقت الردع قد يكون بعد الموت، أو أن معنى ﴿أجل مسمى﴾ أي محدد بوقت يخصصه الله تعالى وليست عقوبة فورية. الله عز وجل لا يخشى أن يفوته العاصي والقدرة ومجازاته، لأن ذلك من الضعف، تعالى الله عن ذلك، وكما ورد «إنما يعجل من يخاف الفوت». هناك يوم يحاسب الله فيه الناس ﴿فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا﴾ حينما يجتمع الخلق عند الله عز وجل فإن الله يعلم ما قدموا من خير وشر فيحاسبهم ويكافئهم.
قسم من الناس حينما لا يجد ما يردعه، فإنه يستمر في المعصية، وهذا هو الامتحان الكبير، والذي يعبر عنه القرآن الكريم بالاستدراج و الإملاء، كما في قوله تعالى: ﴿والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين﴾.