كلمة الشيخ في مهرجان ترانيم السنوي
أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم، بسم اللّه الرحمن الرحيم
والصلاة السلام على أشرف الانبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
قال اللّه العظيم في كتابه الحكيم: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ الْمُؤْمِنُونَ﴾[سورة التوبة، الآية:105].
أبارك لكم جميعًا حلول هذا الشهر الكريم، شهر رمضان المبارك، وأسأل اللّه سبحانه وتعالى أن يجعله علينا وعليكم وعلى جميع المؤمنين والمسلمين وأبناء البشرية جمعاء شهر خير وبركة وتقدم، وأن يوفقنا اللّه وإياكم فيه إلى الصيام والقيام، وإلى صالح الأعمال، ومقبول الطاعات، كما أبارك للإخوة الأعزاء في ترانيم انعقاد مهرجانهم السنوي، الذي أصبح معلمًا تفتخر به المنطقة، ويفتخر به المجتمع، لما يبرز من كفاءات وقدرات، ولما يجلي من صورة فنية رائعة تتحدث عما يكنّه هذا المجتمع من توجهات خيرة، وإبداعات عظيمة، أسأل اللّه تعالى لهم دوام التوفيق والتقدم، وأن تكون كل سنة مثار تطور وتقدم عن السنوات السابقة إن شاء اللّه.
الآية الكريمة تقول: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ الْمُؤْمِنُونَ﴾، يتمنى الانسان المؤمن أن تنتشر حالة الإيمان، وأن تكون هي السائدة في المجتمع، ويعتقد المؤمنون بأن توجههم الإيماني هو الأنفع للناس، وهو الأصلح لأبناء المجتمع، كما يعتقدون عن تأمل وتعقل بأن التوجّهات الأخرى تضر بأبناء المجتمع، وتبعده عن مصالحه الدنيوية والآخروية، ولكن الواقع لا تصنعه التمنيات، الواقع لا تحكمه العقائد والافكار، وإنما معادلة الواقع الخارجي قائمة على أساس العمل، والفاعلية والجد والاجتهاد، من كان أكثر فاعلية في الحياة فإن اتجاهه يكون هو الأقوى فيها، ومن كان أكثر اجتهادًا وعملًا فإنه يكسب الجولة في صراع التوجّهات، وفي صراع الأفكار والمعتقدات، لذا ينبغي للمؤمنين ألا يقل مستوى عملهم عن مستوى إيمانهم ومعتقداتهم، وإذا حصل تفاوت بين مستوى الإيمان وواقع العمل، فإن ذلك يحكي عن ازدواجية يرفضها القرآن الكريم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ﴾، المؤمن مطلوب منه أن يترجم إيمانه ومعتقداته إلى برامج عملية تتحرك على الأرض، وتكون هي الدعوة إلى ما يؤمن به، العمل هو الذي يستقطب الناس، وهو الذي يبرز مصداقية الفكرة، ويجعلها حية مجسدة أمام الناس.
ومشكلتنا خاصة في هذا العصر، أن مستوى أدائنا العملي كمؤمنين يقل عن مستوى أداء التوجّهات الأخرى، نرى التوجّهات الأخرى التي تختلف معنا في المنهج أو تختلف معنا في المعتقد، أو تختلف معنا في التوجه، نراه أكثر فاعلية، وأكثر نشاطًا، لذا فمن الطبيعي أن تكون أكثر استقطابًا وتأثيرًا، فعلى المستوى الاخلاقي نشكو بأن الجيل الناشيء أصبح مستقطبًا لاتجاهات لا تتوافق مع ما نؤمن به من قيم ومبادي وأخلاقيات، أننا نشعر بألم وحسرة حينما نرى مظاهر الانحراف السلوكي والأخلاقي في بعض المساحات والأوساط من أبناء مجتمعنا، ولكن علينا أن نعرف أن مجرد التألم والتحسر، ومجرد التمني، واجترار هذا الكلام في المجالس لا يغير من المعادلة شيئًا، علينا أن نواجه الساحة عمليًّا، بأن نرفع من درجة نشاطنا وفاعليتنا، حتى نكون أقدر على استيعاب ناشئتنا وأبنائنا، وإرشادهم إلى الطريق الصحيح، الذي نأمل أن يسيروا فيه كما سار أسلافهم، ولذلك فإن اللّه سبحانه وتعالى يدعو عباده المؤمنين للعمل: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا﴾ وليس أن تتمنوا، وأن تنظّروا، وأن تتحدثوا ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ العمل هو الذي يحسم المعركة، هو الذي يكسبك الجولة، ويبرز مصداقية الفكرة التي تؤمن بها، هوا لذي يمكّنك من استقطاب من تريد استقطابهم.
يجب أن نعترف بأننا مقصّرون في مجال العطاء والعمل، إن في أبنائنا وجيلنا الناشيء الكثير من الطاقات والقدرات، لو أننا فتحنا أمامهم المجال، وصنعنا لهم الأجواء، وكوّنا لهم الأطر المناسبة، لرأيناهم في مستوى من الإبداع ولتفجرت الطاقات والقدرات، بما يبرز قوة المجتمع، ويؤكد الحالة الدينية والأخلاقية، وما هذا المهرجان ـ مهرجان ترانيم ـ وما هذه اللجان الفنية المتعددة المتنوعة التي تشاركنا كل عام في هذا المهرجان الرائع، إلا دليل وشاهد على أن في مجتمعنا مواهب تبحث عن فرصة، وتبحث عن ساحة ومجال، فعلينا أن نتيح لهم هذه الفرصة لا أن نكتفي بالخطب وبالمقالات وبجرّ الآهات في المجالس، إنما علينا أن نجند طاقتنا وقدراتنا من أجل دعم هذه الأنشطة المتعددة، في الجانب الفني والاجتماعي والثقافي والإعلامي، حتى نستطيع أن نخوض معركة القيم ومعركة المفاهيم والأفكار على المستوى العملي الفعلي.
وهناك نقطة أخرى جديرة بالاهتمام في الآية الكريمة، اللّه تعالى يقول: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ ماذا يعني ﴿فَسَيَرَى اللَّهُ﴾المسألة ليست فقط أن اللّه يرى عملكم، وإنما التشجيع على العمل، أن اللّه يقدِّر عملكم ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ﴾، يعني أن عملكم في موضع تقدير وترحيب من قبل اللّه تعالى، كيف يقدِّر اللّه عمل المؤمنين؟ بأن يزيد في توفيقهم، وبأن يضاعف لهم الأجر والثواب، ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا﴾ فإذا عملتم في سبيل اللّه، فإن اللّه تعالى يزيدكم توفيقًا، يزيد لكم الأجر والثواب إن عملتم.
﴿وَرَسُولُهُ﴾ ماذا يعني أن الرسول يرى عملنا؟ يعني أن الرسول يدعو لنا، يشفع لنا، يحبنا حينما نعمل في خدمة القيم والمبادئ، ثم تقول الآية و﴿الْمُؤْمِنُونَ﴾ ماذا يعني أن يرى المؤمنون عملنا؟ يعني أن يمدوا يد الدعم والتعاون والتشجيع، هذا هو المطلوب.
أن اللّه سبحانه وتعالى يعد العاملين بأن المؤمنين سوف لا يقفون منهم موقف المتفرج، إذا عملتم فإن المؤمنين سيرون عملكم، من يعمل في سبيل اللّه في مجتمع إيماني فسيجد الترحيب والدعم والتشجيع والعطاء من مجتمع المؤمنين، وهنا علينا أن نضع علامة استفهام، حينما يقل تفاعل المجتمع مع العمل الديني، هذا يعني أحد شيئين:
إما أن هذا الوعد الذي وعدنا به اللّه تعالى إذا عملتم فإن المؤمنين سيدعمونكم، إما أن هذا الوعد قد تخلف عن التحقق، وحاشاعلى اللّه تعالى أن يعد بما لا يحصل، وإما أن هذا المجتمع لا تتوفر فيه الحالة الإيمانية بالمستوى المطلوب، إذا كانت الحالة الإيمانية متوفرة في المجتمع بالمستوى المطلوب فإن هذا المجتمع لن يبخل بالدعم والعطاء والتشجيع والوقوف إلى جانب أي حركة عملية؛ لأنه سيرى أن هذا جزء من واجبه، وجزء من ممارسته الإيمانية، نحن نجد أن المجتمعات الأخرى كيف تتتفاعل مع الأنشطة المختلفة والمتنوعة، يتجاوبون مع الفن من أجل الفن، ويتجاوبون مع مختلف الإبداعات والعطاءات، وهذا يعني أن المجتمع الإيماني يجب أن يكون أكثر تفاعلًا، وأكثر تجاوبًا، مع أي حركة تخدم القيم والمبادئ، ومن المؤسف نجد العاملين في سبيل اللّه في بعض الأحيان وكأنهم بحاجة إلى الاستجداء، وبحاجة إلى إقناع الآخرين، وإلى جذب الآخرين من أجل دعم أعمالهم وأنشطتهم، إن هذا يكشف عن شيء من الخلل علينا أن نتلافاه.
إننا حينما نتألم لحالات الانحراف، في بعض أوساط مجتمعنا، وحينما نطمح أن يكون أبناؤنا في خط الهدى والاستقامة، هذا يعني أن نتحمل مسؤوليتنا لدعم كل الأنشطة والفاعليات والأعمال التي تقوي هذا التوجه الإيماني القيمي، إنني ومن خلال متابعتي ومواكبتي لهذا المهرجان، ومن خلال متابعتي للجان العاملة فيه بمختلف ألوان عملها الفني الإبداعي، أشعر بمسؤولية كبيرة وأرجو أن يوفقنا اللّه جميعًا للتعويض عن هذا الأمر، بمزيد من التفاعل وبمزيد من التعاون والدعم والتشجيع لهذه الأنشطة، التي لم يعد لنا عذر أمامها.
هذه الأنشطة فرضت نفسها على الساحة الوطنية، وعلى المستوى الاقليمي، وعلى المستوى العالمي، أبناؤنا والحمد للّه أصبحوا يدخلون المسابقات في إنتاج الأفلام، وإنتاج الأعمال الفنية المختلفة، فيشهد لهم الجميع بنجاحهم وتميزهم، وقبل أن يكافئهم الآخرون وأن يعترف بهم الآخرون، نحن في حاجة إلى أن نفتخر ونعتز بهذا المستوى المتقدم من الإنتاج، أسأل اللّه سبحانه لهم التوفيق والتأييد، وأدعو نفسي وأبناء المجتمع بمختلف شرائحهم، وخاصة علماء الدين، ورجال الأعمال والمثقفين، أدعوهم إلى دعم هذه الأنشطة وإلى الوقوف معها، والصرف عليها، بما تستحق.
معركتنا لم تعد مقتصرة على أن نبني حسينيات ومساجد، ونقيم مواكب للعزاء، على أهميتها، الحسينيات والمساجد ومواكب العزاء وسائر المظاهر الدينية أمور مهمة، ويجب الحفاظ عليها ودعمها، ولكنها وحدها لا تكفي. إن علينا أن ندعم هذا النشاط الفني المتقدم، فهو الأقدر في هذا العصر على مخاطبة الأفكار، وعلى التأثير على المشاعر والاحاسيس، إنه يمثل الآن معركة الصراع الحقيقية بين ألوان القيم السائدة، وبين المفاهيم والأفكار، علينا أن نفتخر بهذا المستوى المتقدم، وأن نقف إلى جانب أبنائنا المعطاءين والرواد، على هذا الصعيد، أسأل اللّه تعالى لهم التوفيق، ولهذا المهرجان النجاح، ولكل الإخوة العاملين أسأل اللّه لهم التأييد والتوفيق، والمزيد من خدمة الدين، والقيم الانسانية والمجتمع إنه ولي التوفيق، والحمدللّه رب العالمين وصلى اللّه على نبينا محمد وآله الطاهرين والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.