أنفقوا لحماية المجتمع
حينما يواجه المجتمع تحديات ومعوقات ولا يهتم بمواجهتها والتصدي لها، فإنه يحكم على نفسه بالدمار والهلاك، لأن الإغضاء عنها وإهمالها يزيدان من انتشارها وتفاقم أخطارها. وأبلغ حل لها هو الإنفاق. والإنفاق يعني البذل لحل المشكلات، وذلك بالجود بكل ما له ربط بحل المشاكل وازدهار المجتمع، من بذل الجاه، والفكر، والوقت والجهد والمال وغير ذلك. ﴿وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة﴾ ربط بين الإنفاق وبين إلقاء النفس في الهلاك.
البعض من الناس يفكر أمام حدوث الجرائم والمشاكل في الردع أو التوجيه، فينادي بسن العقوبات، ويطالب الخطباء والوعاظ بالحديث على المنابر، ولكن هذه الأمور وحدها لا تكفي. نحن بحاجة إلى خطط وبرامج لحل المشكلات، وبحاجة إلى مال لتنفيذ هذه الخطط.
وكثيرًا ما تطرح مسألة الخمس، وهي نقطة مهمة، ولكن لا ينبغي أن نبالغ فيها، فالأخماس عندنا ليست ذات أرقام قياسية وخيالية. كما يجب علينا معرفة أولويات مصارف الخمس عند العلماء، فالخمس الذي يدعم كثيرًا من المشاريع من أولويات مصارفه الحوزات العلمية وشؤون المرجعية. حوزاتنا العلمية ليس لها من يدعمها سوى الخمس، فليس هناك حكومة تتبنى الدعم المالي لهذه الحوزات. في حوزة النجف الأشرف ما يقارب العشرة آلاف طالب، وفي حوزة قم المقدسة ضعف هذا العدد وكذلك الحال في كثير من الحوزات العلمية. بعض المراجع كان يقترض لتغطية الرواتب الشهرية للطلاب، كما كان المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي (قدس سره).
ينبغي أن نعتب على أنفسنا تجاه قلة الدعم المالي. في الصين أكد رجل الأعمال الصيني (شين جوانج بياو) الذي يعرف بتبرعه للأعمال الخيرية، أن أكثر من مائة من رجال الأعمال الصينيين استجابوا لدعوته بتقديم كل ثروتهم الشخصية للمجتمع. وكان شين جوانج بياو قد تعهد بأنه سيتبرع شخصيًا بجميع ثروته البالغة ما يعادل 735 مليون دولار أمريكي للأنشطة الخيرية بعد وفاته، وضمن تعهده هذا في خطاب بعث به للمليارديرين بيل جيتس، ووارين بافيت: استجابة لدعوتيهما للأثرياء بالتبرع لأعمال الخير. وكان شين وهو رئيس شركة لتدوير الموارد في محافظة (جيانجسو) في شرق الصين، قد قدم تبرعات خيرية تعادل 197 مليون دولار خلال السنوات العشر السابقة، وتبرع العام الماضي وحده بما يعادل 47 مليون دولار مثلت 77,60 % من أرباح شركته لذلك العام.
وفي أمريكا قام المليارديراين: بيل جيتس ووارين بافيت بدعوة أثرياء العالم أن يتبرعوا بما لا يقل عن 50 في المائة من ثرواتهم للأعمال الخيرية. وهما يعتقدان أن الأشخاص الأغنى في العالم يستطيعون أن يقضوا على الكثير من المشاكل التي يعانيها العالم من خلال أعمال البر والإحسان.
وينقل المرجع الشيرازي (رحمه الله) في كتابه (أنفقوا لكي تتقدموا) قصة عن أحد التجار أنه لما مرض مرض الموت طلب دفتر حساباته, وأحرق الأوراق التي سجلت فيها طلباته من الناس. قيل له: لماذا تفعل هكذا؟ قال: حتى لا يطالب الغرماء بعدي, فإن الله تفضل عليّ بالمال والعمر وكل شيء، فلماذا يبتلى بي بعد موتي المديونون؟
إن رجال الأعمال في مجتمعنا مطالبون بتحمل المسؤولية بشكل أكبر تجاه مجتمعهم, ليعيشوا في محيط اجتماعي مستقر آمن, ولينالوا رضا ربهم, وجزيل الأجر والثواب في الآخرة.