مؤشرات لزمن عربي جديد
من أبرز مشاكل الإنسان انشغاله بلحظته الراهنة، وغفلته عن المستقبل. فإذا كان يعيش في لحظة يمتلك فيها أسباب القوة والقدرة فإنه يغفل عن أن هذه الحالة لن تدوم له. لا يوجد إنسان يضمن لنفسه الحياة واستمرار الصحة والقوة، فكم من حي مات في ذات اللحظة، وسليمٍ أقعده المرض والوهن سنوات.
التعاليم الدينية تدفع الإنسان باتجاه التفكر في مستقبله ومآلات أفعاله، فقد ورد «إذا أردت أن تعمل عملا فتدبر عاقبته، فإن كان خيرا فامض وإن كان شرا فانته». ولعل أحوج الناس لتمثل هذه الحقيقة في نفوسهم وأذهانهم هم الحكام.
الحاكم الذي يمتلك القوة والسلطة عليه أن يتفكر جيدا في المستقبل عندما تدفعه قوته لظلم رعيته وشعبه. فقد يجد المجال مفتوحا أمامه لفعل ما يريد، من اضطهاد الناس وسرقة أموالهم وتبذيرها كيفما شاء، ولكن السؤال؛ ماذا عن المستقبل وعن الآخرة؟ هل الحكم والسلطة يحميان الإنسان من الموت؟ هل دامت للأبد حياة الحكام المتسلطين والجبابرة الغابرين؟ ثم إذا كانت لدى الحاكم سلطة وسطوة باطشة اليوم أفلا يمكن أن تزول منه هذه القوة غدا؟
إن على الحكام أن يتعظوا ويعتبروا بأسلافهم، فالتاريخ يفيض بالعبر فهناك إمبراطوريات ذوت ودول عظمى دالت وحكام جبابرة زالوا، وإذا كان هؤلاء الحكام لا يقرأون التاريخ الماضي فليتعظوا بالتاريخ المعاصر. لقد شهدت منطقتنا العربية حتى سنوات قريبة أعتى الحكام وأكثرهم بطشا وجبروتا وهو حاكم العراق السابق المقبور صدام حسين، فلم يكتف هذا الحاكم المتجبر بالتنكيل بشعبه أيما تنكيل، بل انسحب ظلمه وبطشه على الشعوب المجاورة، ولكن ماذا كانت النتيجة؟ كلنا رأينا وجميع الحكام رأوا كيف انتهى به المقام لأن يخرج من حفرة كان مختبئا فيها تحت الأرض، ويقاد ذليلا إلى قفص المحاكمة، ثم يعلق على حبل المشنقة في نهاية المطاف.
ولعل العبرة الأخرى هي فيما يجري هذه الأيام من محاكمة لرئيس مصر، أقوى دولة عربية، بل أكبر وأقوى دول الشرق الأوسط، وقد رأينا كيف جيء به إلى داخل قفص الاتهام وهو على سرير المرض، ليحاكم في المكان الذي طالما مارس فيه غروره وغطرسته وهي أكاديمية الشرطة التي قلب اسمها على اسمه.
وقد أوغل هذا الحاكم في ممالأته للعدو الصهيوني وتآمره مع كيان العدو ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، إلى جانب عقده اتفاقية مجحفة لبيع الغاز الطبيعي المصري بثمن بخس لإسرائيل. فقد قضت الاتفاقية التي وقعت عام 2005 بتصدير مليار وسبعمائة مليون متر مكعب سنويا من الغاز الطبيعي إلى إسرائيل ولمدة عشرين عاما، وذلك بثمن يتراوح بين سبعين سنتا إلى دولار ونصف الدولار للمتر المكعب، بينما يصل سعر التكلفة في السوق إلى ما يقارب الثلاثة دولارات! ناهيك عن الإعفاءات الضريبية!
لقد استهان الحاكم المصري المخلوع ونظامه بمشاعر وكرامة المصريين إلى حد بعيد، ولذلك ليس مستغربا أن يصل إلى هذه النتيجة، التي بات معها خلف قفص الاتهام فقد تحمله الناس طويلا. وقد حدث ما يشبه ذلك أيضا لحاكم تونس الذي يعيش الآن وضعا صحيا مترديا وقد حوكم غيابيا بالسجن مدة 16 عاما، ولعل فيما جرى لرئيس اليمن عبرة ثالثة لمن أراد، فقد بات يعاني من الحروق في أغلب أجزاء جسمه، فلماذا لا يتعظ الحكام؟
لاشك أن ما حصل في مصر وتونس وأكثر من بلد عربي يعد مؤشرا على زمن عربي جديد لا رجعة معه للوراء.