تصرفات فردية
في الوطن العربي كله، وفي أغلب العالم الإسلامي كل الممارسات التي يقوم بها الموظفون والرؤساء والمسئولون والوزراء والبرلمانيون وغيرهم سواء علت مراتبهم أو تدنت، هي تصرفات شخصية، لا علاقة للمدير بها، ولا معرفة للرئيس بتفاصيلها، ولا يدري الوزير بحصولها، ولم يسمع البرلماني بحدوثها.
الكل خارج التغطية وخارج الحدث، وخارج المسئولية، وأحياناً يحدّثك المسئول ناقداً ومستنكراً لما حدث، مضيفاً أنه سيتابع الأمر، ويلاحق التفاصيل، وسينشئ لجنة للتحقيق والمتابعة، وكلام طويل، مع قسمات وجه يمتلئ غيظاً وحنقاً وانفعالاً، فكيف لهذا أن يحصل في بلدان الإسلام والعرب، وبلدان الشيم والكرامة؟
الكل فينا أصبح يعلم أغلب القضايا والحوادث جوابها قديم ومعلوم عند المواطنين، إنه تصرف فردي حصل من الموظف، ونحن لا نقبل به ولا نرضاه، وهو أمر غير مقبول لا ديناً ولا عرفاً ولا أخلاقاً، وتنتهي شكايتك عند هذه الكلمات والجمل التخديرية، لتكشف لك الأيام أن شكايتك وقفت عند هذا الحد، بينما بقيت تلك التصرفات تزحف وتعبث بكل ما يخص المواطن والوطن، في مشهد هو أبعد ما يكون عن العفوية والتصرف الفردي.
أمّا اللجان التي تقفز في ذهن المسئول للتحقيق والنظر، فتلك مأساةٌ أخرى لأنها لا تنشأ ولا تشكّل غالباً، بل تترك ويترك الموضوع للنسيان وتقادم الزمن، وإذا شُكّلت فمن النادر أن تنظر في القضايا بمهنية وصدق، لأنها لجان تنتقى بدهاء وحسن اختيار، ويطلب منها ألا تتجاوز نتائجها وتحقيقاتها السقف المقبول لمن استعان بها.
ما أوسع الفجوة بين الروايات التي تنادينا بقولها «واعلموا أنكم مسئولون حتى عن بقاع الأرض وبهائمها»، وبين سلوكنا الذي لا يعاقب ولا يحاسب ولا يزجر المسئول على خطئه وتقصيره، وذلك أضعف الإيمان.
أن يموت شخصٌ بسبب خطأ طبي واضح وفاضح فالأمر لا يمر دون حساب وكتاب في الدول المتحضرة والمتقدمة، وأقل ما في الأمر هو الحساب العسير للمستشفى ولمديرها وللطبيب المعالج، بينما يموت العشرات والمئات في بلادنا العربية والطبيب والمدير والمستشفى والوزير كل ثابت في موقعه دون أن يرف لهم جفن، فهم باقون وثابتون ضمن القاعدة المعروفة «يا جبل ما يهزّك ريح»!
أن يستقيل مدير أو مسئول أو برلماني أو وزير من منصبه، ويعتذر أمام الناس لتقصيره وضعف أدائه فذلك شرف لم توفق له مناطقنا بعد، لأن إحساسنا بالمسئولية في مستوى هابط لا يجيد التعاطي مع القيم الدينية والحضارية الراقية بنحو مسئول.
حرائق قد تتكرر في المدارس ويسقط فيها ضحايا، وطرقات غير آمنة تتسبّب في إزهاق أرواح المواطنين، وتلوث في الأجواء يتعب الناس في صحتهم وسلامتهم، وأغذية بالأطنان تصل فاسدة ومنتهية الصلاحية، في كل تلك الأمثلة وغيرها يغيب المسئول عن دفع الثمن، لكنه يظهر فجأةً ليحدثنا عن اكتشاف مئات الأطباء يعملون بشهادات طبية مزوّرة، ويتحوّل ذلك في إعلامنا إلى نصْرٍ قد حققه، وفتْحٍ لم يسبقه إليه فاتح، دون أن يلومه أحد أو يسأله أحد: كيف حصل ذلك يا صاحب السعادة؟