الحج تقدُّم نحو الله
هي مسيرة الإنسان وتلك نقطة وصولها «يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ» (الانشقاق: 6)، لكن الناس صنفان في طريقهم لذلك اللقاء، صنفٌ يغفل ويتناسى ولا ينتبه لنفسه إلا وقد وصل، وصنفٌ يتقدّم نحو الله، ويسعى له في الدنيا قبل الآخرة بوعي وعزيمة وتصميم.
هناك الكثير من الأعمال والعبادات التي يقوم بها الإنسان دون أن يبرح مكانه، فهو يصلي يومياً، ويصوم كل عام، ويؤدي الواجبات ويجتنب المحرمات، وهو في مكانه، وفي موطنه، فهو يتقدم بروحه نحو الله، ويحاول الوصول إليه.
هذا الوضع يختلف كثيراً في أداء واجب الحج، فهو سعي فيه انتقالات بالروح والجسد معاً، حتى لمن كان من حاضري المسجد الحرام، فإنه يحتاج إلى التنقل لأداء مناسك الحج من مكان إلى آخر.
فالحج فيه انتقال، وفيه سعي، وفيه ذهاب وإياب، وفيه أعمال ذات طبائع مختلفة ومتباعدة، وفيه تقدم نحو الهدف، هذه هي طبيعته وإن لم يوفق فيه الكل إلى تحقق مراده ومناه، بسبب وعورة الطريق، وتزاحم عقباته، وكثرة موانعه، وما يحاط بالإنسان ويواجهه من عراقيل.
فالتعامل المالي عائق كبير من الوصول إلى هدف الحج، وهو من الفتن الكبرى للإنسان «واعْلمُوا أَنَما أَموالُكُم وأوْلادُكُمْ فِتنةٌ» (الانفال: 28)، ولعل البعض من الناس يحاولون التقدم نحو الله، فيذهبون إلى الحج وهم محملون بديون للناس عليهم، وبحقوق لله في رقابهم، فيفعلون كل ما يفعله الحجاج، يحرمون ويلبون ويطوفون، ويأتون بمناسكهم متقنة بحذافيرها، لكنهم لا يصلون إلى الله ولا يتقدمون باتجاهه، والسبب هو أن حقوق الله وحقوق الناس تشكل عقبة صعبة في الطريق.
العائق الآخر الذي يصد الإنسان عن التقدم الناجح نحو الله سبحانه، هو قراره في التعامل مع رغباته وشهواته، فقد زيّنها الله للإنسان وجعلها تحدياً واختباراً له، «زُيِّنَ للنَاسِ حُبُّ الشَهواتِ من النساءِ والبنينَ والقناطِيرِ المُقَنطرَةِ من الذَهبِ والفِضَةِ والخَيلِ المُسَوّمَةِ والأَنعامِ والحَرْثِ ذلكَ متاعُ الحيَاةِ الدّنيا» (آل عمران: 14).
حسم القرار مع هذه الشهوات ليس بمواجهتها لأنها أقوى، وليس بالهرولة وراءها لأنها دونية وحيوانية، بل بالاعتدال معها وإلزامها بالضوابط والأطر الشرعية، يمكن أن يساهم في نجاح مهمة السعي والتقدم نحو الله.
من يتخذ قراره، قبل انتقال جسده إلى مكة المكرمة في ضبط رغباته وشهواته، ثم يسعى هناك لبلورته وصقله وتقوية أركانه، وتثبيته في أعماقه، يكون قد قطع شوطاً كبيراً في تقدمه نحو الله، وتجاوز عقبة صعبة وكأداء، وتخلص من مانع كبير يحول بينه وبين الوصول إلى هدفه، والاستفادة من سعيه.
ويبقى الشيطان هو الماكر الذي لا يدري الإنسان كيف يأتيه ومن أين ومتى وكيف؟ «قال فبِمَا أَغويْتني لأَقعُدَنَ لهم صِراطَكَ المُستقيمَ. ثُمَّ لآتِيَنَّهُم من بينِ أَيديهِمْ ومن خلفِهِمْ وعن أَيْمانِهِمْ وعن شمائِلِهِمْ ولا تَجِدُ أَكثَرَهُمْ شاكرينَ» (الاعراف:16 - 17). والغفلة هي التي تجعل طريق الشيطان لنا سالكاً ومريحاً، واليقظة هي سلاحنا في مواجهته وإفشال خططه.
يقظة يجب أن تنفتح على كل أمور الحياة، فنحن لا ندري أين يختبئ لنا، ولا نعلم طريقة استدراجه وهيمنته علينا، ولذلك يترتب علينا في كل شيء أن نتحقق إن كان الشيطان فيه، أو أمامه أو خلفه، أو يمينه أو شماله. كتب الله للحجاج السلامة واليسر والعودة بالغنيمة الكبرى.