كلمة سماحة الشيخ حسن الصفار في افتتاح الملتقى الرابع للفقه الجعفري بالكويت
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين وصحبه المنجبين.
معالي وزير العدل والأوقاف والشؤون الاسلامية..
سعادة الأمين العام للأمانة العامة للأوقاف..
أصحاب السماحة والسعادة.
الإخوة والأخوات جميعاً: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ليس غريباً على الكويت أن تحتضن مثل هذا اللقاء الديني العلمي التنموي، فقد كانت الكويت سباقة إلى الكثير من المبادرات الحضارية الرائدة.
لذا أتوجه باسمي شخصيا وباسم ضيوف هذا الملتقى المبارك بأسمى آيات الشكر والتقدير لدولة الكويت الشقيقة أميراً وحكومة وشعباً وخاصة الأمانة العامة للأوقاف وإدارة الوقف الجعفري على حسن الضيافة والاستقبال. آملاً بأن نخرج من هذا الملتقى بأعظم فوائد التعارف والتواصل، وبحصيلة معرفية علمية تنتظرها ساحة الأمة.
واسمحوا لي سادتي العلماء وأخوتي الأعزاء أن اغتنم هذه الفرصة لأتحدث عن فكرتين أراهما من صميم رسالة هذا الملتقى الكريم.
الفكرة الأولى: تتصل بضرورة التجديد والتطوير في ابحاثنا الفقهية وخطابنا الديني لتواكب تطورات الحياة ومتطلبات المجتمع المعاصر.
إن العمل الأهلي التطوعي أصبح ميداناً أساساً في تنمية المجتمعات البشرية، وخدمة مصالحها في مختلف المجالات. فمنظمات المجتمع المدني اليوم احتلت موقع الشراكة مع الحكومات على المستوى العالمي، وصارت رديفة للجهود الحكومية الرسمية، وانتزعت لها حصانة في معظم دول العالم التي تقر بحق ابناء الشعوب في الانتظام والتعاون لخدمة مختلف الأغراض والمصالح المشروعة.
وديننا الحنيف كان سباقاً رائداً في تحفيز الاندفاع الذاتي في نفس كل انسان مؤمن، ليبادر إلى خدمة الحياة والبشر، واعلاء القيم النبيلة الفاضلة، وأن يبذل من جهده ووقته وماله طلباً لثواب الله وجزيل عطائه. فخير الناس من نفع الناس.
وكان الوقف من أهم تجليات هذا التوجيه الديني في حياة المسلمين، حيث اقبل الميسورون وأهل الخير من ابناء الأمة في مختلف العصور والبقاع، على تحبيس قسم من ممتلكاتهم وأموالهم، لتكون مصدراً للإنفاق والصرف على مختلف الحاجات الدينية والعلمية والاجتماعية. بل إن بعض محدودي الدخل من يعمل ويكدح، حتى إذا ما بنى له بيتاً أو امتلك مزرعة صغيرة يعتاش منها، فإنه يصيّرها وقفاً، لتكون صدقة جارية له بعد وفاته.
فأصبحت في مجتمعات الأمة الاسلامية ثروات وقفية ضخمة، ببركة هذا التوجيه الديني، وروح البذل والعطاء التي زرعها الاسلام في نفوس ابنائه.
لكن هذه الثروة الوقفية بحاجة إلى حماية ورعاية وتنمية، ولأنها تنطلق من أساس ديني، فلا بد من تبيين التشريعات الدينية التي تحتاجها جهود الرعاية والتنمية للوقف في هذا العصر، مع تطور القوانين، واختلاف الأوضاع الاقتصادية.
إننا بحاجة إلى خطاب ديني يحفّز لتوسعة رقعة الوقف، وتنويع مجالات أغراضه ومقاصده، لخدمة التنمية الاجتماعية الشاملة، من مؤسسات للبحث العلمي، وتمويل للجامعات، ومكافحة الأوباء والأمراض، وتشجيع الابداع والإنجاز، وحماية البيئة، إلى جانب الأغراض المألوفة في أوساطنا الدينية كالمساجد والحسينيات والشعائر والمقدسات.
كما أن الحاجة ماسة إلى بحث مستحدثات المسائل التي ترتبط بأحكام الوقف.
وهذا ما نتوقعه من مثل هذا الملتقى العلمي المبارك، بأن يرفدنا العلماء والمفكرون بدراساتهم وأبحاثهم للإجابة على التساؤلات المطروحة.
الفكرة الثانية: ترتبط بواقع مجتمعاتنا وأوطاننا، وما تواجهه في الوقت الحاضر من تحدي الحفاظ على وحدتها الاسلامية والوطنية، حيث يعيش أكثر من بلد ومجتمع خطر التمزق والانقسام والاحتراب الداخلي، باستغلال التنوع المذهبي أو القومي أو الاختلاف السياسي.
ويهمني هنا التركيز على مدى خطورة استغلال التنوع المذهبي، في اثارة الفتنة الطائفية، وتمزيق شمل الأمة؛ لأنه من أخطر التحديات، فقد احتضنت الأمة هذا التنوع المذهبي من العصر الاسلامي الأول، فهو ليس أمراً جديداً ولا طارئاً، بل كان مصدر ثراء علمي وفكري، ومظهراً لحرية الرأية وشرعية الاجتهاد.
وعاشت مجتمعاتنا الاسلامية، ومنها الخليجية، متآلفة متحابة متعاونة في ظل هذه التعددية المذهبية.. لكنها اليوم تواجه امتحاناً جديداً للحفاظ على وحدتها بسبب تصاعد التوجهات التعصبية المقيتة.
وإذا كان الجميع مسؤولاً في مواجهة هذا الخطر الداهم، وخاصة العلماء والمفكرون وذوو الرأي، فإن القسط الأكبر من المسؤولية يقع على عاتق الحكومات والأنظمة السياسية في بلاد المسلمين. بأن تكون الحكومة في كل بلد لكل شعبها، دون أي تحيّز مذهبي، أو تمييز طائفي، باعتماد مفهوم المواطنة والمساواة بين المواطنين، ومنع وتجريم أي تحريض على الكراهية وإثارة العداوة والبغضاء.
من هنا يأتي التقدير والإكبار لدولة الكويت الكريمة، لإقامتها لهذا الملتقى للوقف الجعفري، انطلاقا من أن مواطنيها الشيعة هم جزء لا يتجزأ من وطنهم وشعبهم، وأن لهم الحق في إدارة شؤونهم الدينية، ومنها الوقف، وفق أحكام مذهبهم، كما يتمتعون برعاية الدولة التي تمكنهم من التعبير عن وجودهم وحضورهم الوطني.
إنها رسالة معبّرة في ظروف المنطقة الحساسة من دولة الكويت الرائدة، تؤكد ايمانها بالوحدة الاسلامية والوطنية، ووفائها لشعبها الذي دافع عن وطنه في السراء والضراء، بشيعته وسنته، وصنع ملحمة خالدة في رد العدوان على كيانه واستقلاله.
بارك الله للكويت هذا التعايش والتماسك الوطني، وحفظها الله من كل مكروه، وحمى الله كل بلا المسلمين من الفتن والاضطرابات، ووفقهم للاعتصام بحبل الوحدة المتين.
والحمد لله ربّ العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حسن موسى الصفار
1ربيع الثاني 1434هـ
11 فبراير 2013م