ندوة جريدة الرياض (ندوة الثلاثاء) التي استضافها مكتب الشيخ الصفار
استعرض الصف الوطني المتماسك وحدة وتلاحماً حضوره بعد «حادثة الدالوة» الإرهابية في الأحساء، حيث أظهرت مشاعر المواطنين الصادقة تجاه وطنهم وقيادتهم ورجال أمنهم استنكارهم للجريمة، ووعيهم بأن ما حدث كان هدفه ضرب الوحدة الوطنية، من خلال إثارة فتنة طائفية بغيضة، وشق الصف، وتهديد السلم المجتمعي، ولكن الله ردّ كيدهم في نحورهم.
لقد منحت «حادثة الدالوة» المجتمع فرصة جديدة ليختبر مدى قدرته على تحمل الصدمة، واتخاذ موقف منها، والمضي معاً في مواجهتها مهما كانت التحديات؛ لأن الوطن الكبير هو مظلة الجميع، ولا يمكن أن ينزف طرف منه من دون أن تتأثر بقية أطرافه؛ ولذا كان الجميع حاضراً على موعد مع الوطن.. أخوة متحابين متعاونين.
وأظهرت المشاعر الوطنية تجاه الحادثة مدى أهمية الرسالة الإعلامية في التعبير عن الموقف، بلا مزايدات، أو تبادل اتهامات، أو لوم أو تقصير، حيث لم يكن السني بأفضل حالٍ من الشيعي أو العكس، بل كان الجميع واعياً بقيمة الوحدة الوطنية التي تستلزم نبذ التعصب، والكراهية، وخطاب الإقصاء بين أبناء المجتمع الواحد.
«ندوة الثلاثاء» التي نظمتها صحيفة الرياض تناقش هذا الأسبوع دور وسائل الإعلام في تعزيز الوحدة الوطنية بين مكونات المجتمع المتعدد مذهبياً وثقافياً.
مسؤولية مشتركة
في البداية أكد الشيخ «حسن الصفار» على أن الوحدة الوطنية لم تعد مجرد شعار سياسي، وإنما أصبحت ضرورة تفرض نفسها على ذهن كل مواطن واعٍ، خاصة بعد ما رأينا ما أصاب شعوباً مختلفة، وبلدانا متعددة من التمزق والتناحر والاحتراب.
وقال: «يجب أن نكون أكثر حرصاً على حفظ وحدة وطننا، وحفظ الأمن والاستقرار فيه»، مشيراً إلى أن هذه الضرورة لا تؤديها جهة بمفردها، فلا الدولة بمفردها قادرة، ولا المواطنون وحدهم قادرون، ولا حتى العلماء والنخب أيضاً.
وأوضح أن الله سبحانه وتعالى قد نفى عن نبيه القدرة على تأليف القلوب لولا المنهج الإلهي الذي كان عنده «لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم».
وأكد على أن تطبيق المنهج الإلهي هو الذي يصنع الوحدة، وهذا المنهج هو خارطة يضعها الله سبحانه وتعالى لأبناء البشر على أساس من العدل والحقوق والواجبات المتبادلة حتى يقوم الناس بالقسط كما هو هدف الأنبياء ، ولذا الجميع شركاء في تحمل مسؤولية حماية هذه الوحدة، وكل في موقعه يجب أن يؤدي هذا الدور
وسائل الإعلام
وتطرق الزميل «منير النمر» إلى دعم الإعلام لتوجهات الوحدة الوطنية، قائلاً: «لا يمكن أن يُحمّل الإعلامي وحده المسؤولية».
واستدرك «نحن نحتاج لفهم عميق للمشكلة أولاً، ثم التفكير في العلاج، ولذا أجد كثيراً ممن تحدثوا عن الوحدة الوطنية اعتبروا أن المشكلة هي في الخلاف المذهبي، ورأيي بأن هذا ليس هو المشكلة، فالمملكة مثل كل دول العالم متعددة الثقافات والمذاهب والتوجهات، وإن علمنا أن العالم ليس فيه إلاّ دولتين ليس فيهما تنوع عرقي أو ديني من أصل 190 دولة في العالم، وهو أمر طبيعي».
وأشار إلى أن المملكة مجتمع متنوع ومتعدد، وهذا بطبعه يولد مشكلات، فإما أن توجه تلك المشكلات باتجاه التكامل والإغناء، أو التفارق، مبيناً أن تركيز الإعلام على التنوع المذهبي أدى إلى تعسير وإعاقة حل المشكلات التي نعاني منها».
وأضاف «الخلاف المذهبي هو أحد التمظهرات للمشكلات، بيد أن كل دول العالم فيها مشكلات من هذا النوع، لكننا لا نشهد مشكلات كبيرة كما نشهده في دول عربية، وهذا يُظهر أن الصراع ليس مذهبياً بالدرجة الأولى»، مبيناً أن الاختلافات بطبعها سياسية، وليست مذهبية.
مشروع فرز
ندوة صحيفة الحياة في بيت الشيخ حسن الصفاروعلّق الأستاذ «محمد بن محفوظ» على حديث الزميل «منير النمر»، قائلاً: «هناك ثلاث نقاط رئيسة في التعاطي الإعلامي مع موضوع الوحدة الوطنية، وهي «أولاً» أن لا يكون الإعلام ساحة لنشر الأفكار المضادة للوحدة، فكلنا يعلم أن الوحدة مشروع، وحين يسمح الإعلام لنفسه نشر ما يزعزع أمن ووحدة المجتمع؛ فهي محاولة إعلامية مقصودة لتضعيف الوحدة الوطنية، و«ثانياً» أن الإعلام يعد سلطة رابعة، وكلنا يعلم ذلك.
وأضاف: وأحسب أن هذه السلطة تمارس دور فضح الممارسات والسلوكيات المضادة لحقيقة الوحدة الوطنية، وحينما ترصد المؤسسات الإعلامية هذه الممارسات المضادة على المستوى الوطني سواء كانت على خلفية مناطقية أو مذهبية أو عشائرية أو قبلية؛ ستساهم المؤسسات الإعلامية بشكل كبير في الحد من الظواهر السلبية التي نجدها في المجتمع».
وأشار إلى أن «النقطة الثالثة» تكمن في قدرة وسائل الإعلام على تشكيل وتوجيه الرأي العام في المجتمع على أساس تعزيز ثقافة الوحدة كسلوك في نفوس الناشئة تحديداً.
وأضاف متسائلاً: «هل لدينا إعلام يملك منظومة إعلامية ذات رؤية واضحة محددة الأهداف وبعيدة المدى؟ وهل هو بعيد عن الضغوط المجتمعية التي تمارس دوراً مضاداً للتوجهات المتفق عليها؟».
وأكد على أن إعلامنا بحاجة إلى «مشروع فرز» على مستوى نوعية الوسائل، وطبيعة مضمونها، وإمكانات القائمين عليها، فمثلاً لدينا إعلام رسمي، وآخر غير رسمي «خاص»، وإعلام افتراضي في تويتر وفيسبوك يصعب السيطرة عليها، والمشكلة أن هذه الإعلامات الثلاثة لم تساهم كما هو مطلوب في دعم الوحدة الوطنية، ضارباً المثل ببعض الصحف التي نشرت مقالات تحمل نفسا طائفيا أو قبليا، وهي مشكلة مضادة لمشروع تعزيز القيم الوحدوية.
مجتمع متعدد
وزاد الأستاذ «محمد الغانم» على حديث «محمد بن محفوظ» بضرورة إيمان الإعلامي بأنه في مجتمع متعدد، مؤكداً على أن هذه النقطة لا بد أن تناقش بكل شفافية ووضوح، إذ ان هناك عقليات لا تقبل بأي شكل من الأشكال التعددية.
وقال إن هذه العقليات لا تقبل التعدد الواقعي في المجتمع السعودي، ولا بد أن يكشف الإعلام التعدد في المجتمع بكل أطيافه، وهو ما لا نشهده في شكل واضح، فإن أخفينا الحقائق التي توجد على أرض الواقع في القطيف والشمال والجنوب والرياض وغيرها سوف يتعود المواطن بأن التفكير في بلادنا على منهج واحد، وسينظر الطرف الآخر على أساس أنه مارق عبر الأزمات التي تحصل، وينصدم بأن هناك واقعا غير الذي اعتاده في عقله عبر الإعلام الذي يكرّس جانباً واحداً من التفكير، بينما الواقع يقول غير ذلك.
الرأي العام
وتساءل الزميل «علي العمري» عن تأثير شبكات التواصل الاجتماعي تجاه مشروع الوحدة الوطنية، وأجاب الشيخ «سطّام الخالدي»، قائلاً: «مهما كانت توجهات المشاركين في شبكات التواصل، ومستوى نقدهم وانتقادهم، إلاّ أن الجميع يقفون مع أمن مجتمعهم ووحدته، وينبذون مظاهر التطرف والغلو والإرهاب، ومع ولي الأمر في قراراته وتوجهاته».
وعلّق «محمد الغانم»، موضحاً أن الإعلام الالكتروني لا يزال غير منظم، ومعظمه من الشبان ممن يبحثون فيه عن الحرية ولكن بانفلات أحياناً، مؤكداً على أن تويتر اليوم يشكّل الرأي العام السعودي ويمكن القياس عليه.
التنمية والتغيير
وشدد «د. توفيق السيف» على أهمية الإيمان بالتعددية في المجتمع، قائلاً: «الوحدة الوطنية لن تتعزز إن اكتفينا بكتابة مقالات عنها، فلدينا مشكلة تحتاج إلى تحديد مصدرها ومعالجته».
وأشار إلى أن كتاب «د. سعيد الغامدي» «البناء القبلي والتحضر» لخّص كثيراً من مراحل النهوض المجتمعي على مستوى التفكير والممارسة، حيث ناقش في فترة زمنية محددة الانتقال من الاقتصاد الزراعي إلى الاقتصاد النقدي، وبداية ظهور آثار البترول، وذلك بالتطبيق على قرية بن أحمر في الجنوب، حيث يساعدنا هذا الكتاب على فهم مشكلتنا، خاصة أن المجتمع السعودي كان يعيش في قرى مغلقة، ثم انفتحت فجأة من دون تمهيد وبشكل سريع.
وأضاف وهو ما نتج عنه مشكلة تحدي الهوية التي كانت صلبة وشديدة، وهذا معروف في تلك الحقبة، ثم بعد التحول السريع كان هناك انكسارات في الهوية حصلت في نفوس آلاف الشباب الذين انتقلوا للمدن، وأصبحوا أثرياء وتغيّر الاقتصاد، وأصبح بديلاً لذلك الواقع».
وأضاف: «نحن لم نبذل جهداً في عملية الانتقال على الصعيد الاجتماعي، وبالذات مع انطلاق خطة التنمية الأولى 1971؛ إذ صار الاهتمام على العمران فقط، وليس على استيعاب التنمية الاجتماعية والتغيير الناشئ والسريع، كما لم نطرح أسئلة مثل ما الذي سيحدث في نفسية الناس وعقولهم إن فتحنا شوارع ومدارس ومنحنا جوازات سفر وغير ذلك، وهذه المشكلة هي التي نواجهها».
وبين أن الناس حين يشعرون بقلق على الهوية يبحثون عن غطاء للصراع سواء كان مذهبياً أو دينياً أو قبلياً، بيد أن أساس المشكلة لا يكمن في هذه العناوين بل في مدى القدرة على استيعاب التغيير، فنجد في بلدان عربية صراعا سنيا سنيا مثل الصراع في ليبيا، وصراع الإخوان المسلمين مع السلطة المصرية، وكلها عناوين للقلق الحقيقي على الهوية، وهو ما يعني أن الصراع مجرد غطاء لواقع المشكلة في أوطاننا العربية».
وتابع «إن المشكلة سابقة على المذاهب في منطقتنا، فإن قلنا ان المشكلة شيعية سنية، فكيف نفسّر مشكلة الإخوان مع غيرهم من نفس المذهب والمنطقة والقبائل أحياناً؟ وهذا يبين أن لدينا مشاكل سابقة، وتم تجاوزها وخرجنا في النهاية بنتائج خاطئة».
تطوير فكرة التعددية
وتساءل الزميل «علي العمري» عن الحلول للحد من الصراع وقلق الهوية، وأجاب «د. توفيق السيف»، مبيناً أن من الحلول تطوير فكرة الدولة التعددية، وأن الإنسان ليس وحده؛ فمثلاً يرى الشيعي أنه على حق، ويرى السني كذلك؛ إذاً لا بد أن نؤمن بتعدد الحق، حتى في العالم هناك خيارات مختلفة لا بد أن نؤمن بها، وهذا لا يعني أننا نتنازل عن ثوابتنا وقيمنا، بل المطلوب الإيمان الحقيقي بثقافة التعددية».
وأضاف: «في داخل كل مذهب ودين تعدد، والفكرة التعددية مطبقة في الغرب قديماً؛ ففي عام 1972 تم تطبيقها في بريطانيا، ونحن في بلادنا يوجد تعدد، خاصة أن بيننا مليون مسيحي ووثني في السعودية من الأجانب، ولا بد أن نؤمن بتعددهم، وأبناؤنا يعرفون بوجود الأجانب ودياناتهم، وفي بريطانيا تعايشوا مع التعدد حتى في مدارس الأطفال، حيث يحتفلون بمناسبات بعضهم البعض بما فيها المناسبات الإسلامية، وكانت المدرسة تصرّ على التعدد طالما أن أتباع الدين المعين يزيدون على خمسة طلاب في المدرسة».
مشتركات المجتمع
وشدد الزميل «محمد الغامدي» على أهمية ترسيخ ما هو بيننا من قيم مشتركة، بدلاً من التركيز على ما أثاره «د. توفيق السيف» من ثقافة الإقصاء على أساس الحق الذي يتمسك به كل طرف.
وأشاد بوجهة نظر «د. السيف» من أن الرجوع لجذور المشكلة هو الحل، مستدركاً من أن الفكرة التعددية تبقى فكرة واحدة، ولا يمكن تجزئتها.
وعقّب الشيخ «سطام الخالدي» على ما طرحه «د. توفيق السيف»، قائلاً: «الجميع من أصحاب المنهج الوسطي المعتدل يعترف بالآخر وبمكوناته، مع الاحتفاظ بقداسة الإسلام السمح في بلادنا الإسلامية».
وأكد على أن هذا لا يعني أننا ضد الآخر أو نحرض عليه، بل إن التآخي بين الأديان أمر مطلوب على المستوى العالمي، وداخلياً علينا أن نحترم ما تؤمن به شعوبنا وننظر لما بيننا، ونركز على التلاحم لخدمة ديننا ووطننا الكبير الذي يجمعنا.
وأضاف: «حين نؤمن بأننا واحد ونطبق ذلك؛ فإننا على الطريق الصحيح الذي لا يحيد قيد أنملة عن الحق»، مشدداً على أهمية احترام الآخرين ومعتقداتهم التي يؤمنون بها، وهذا يدل على التحضّر والإنسانية وبعد الأفق، مشيراً إلى أن الدين الإسلامي يحث دائماً على الوسطية حتى في عهد نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
وشدد الشيخ «الخالدي» على أن التعايش مطلب ملح في المكون السعودي، مشيداً بتجربة قاطني محافظة القطيف، إذ اعتبر التجربة ناجحة لحد أن مثيري الفتنة بين الشيعة والسنة لا يمثلون أكثرية في المحافظة، كما أن الجميع هنا واحد ويعيش حياته بشكل طبيعي، ولم يؤثّر فيها الإعلام التحريضي، كما أن الجميع أيضاً شيعة وسنة يؤمنون بالوحدة الوطنية والتوحد خلف قائد البلاد،.
ودعا بالصحة والعافية وطول العمر لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله تعالى -، قائلاً: «هذا الرجل أسس لنا طريقاً للوحدة والتآخي، وما الحوار الوطني إلاّ دليل على التعايش في البلاد».
واقع جديد
ورأى الشيخ «جعفر آل ربح» بأن الإعلام عليه مسؤولية كبيرة في تعزيز اللحمة الوطنية، ودائماً ما يكون جزءا من الحل في الأزمات التي يشهدها الوطن، وليس هو الذي يزيد من التحريض ضد المكونات المختلفة في المملكة.
وأكد على أنه عضو ضمن مجموعة «زكا» الناشطة اجتماعياً، وتم رصد نحو 300 مقال يجرم الطائفة الشيعية في مختلف وسائل الإعلام، مستدركاً:» لا ننسى أن هناك أقلاما شريفة كثيرة من إخواننا السنة في المملكة تدافع عن الوحدة الوطنية».
وأضاف: «الإعلام الأكثر تأثيراً وهو القادر على صناعة واقع جديد ولا بد أن نلتفت لنقطة مركزية وتاريخية بأن هناك تحالفا بين السلطة السياسية والسلطة الإعلامية في الدول العربية، والإعلام ينبغي أن يكون ترجماناً صادقاً لسياسة الدولة من النواحي الاجتماعية، ولا نطالب بأن تنفك السطلة الإعلامية عن السياسية، ولا بد من ترشيد وتعاون يصب في خدمة الوطن ووحدته الوطنية؛ فكثير من ما يُكتب في الإعلام يعبّر عن توجه ما، ونطالب بأن يكون هنا حرية أكثر في الحديث لإتاحة الفرصة أما الرؤى التعددية».
وأشار إلى أن الإعلام لن يتمكن من صياغة ثقافة جديدة ولن يتمكن من ترسيخ الوحدة في نفوس الناس ما لم يؤد كل طرف واجبه في موقعه.
الخطاب الديني
ورأى «محمد بن محفوظ» أن من المهم إعادة صياغة الخطاب الديني، قائلاً: «لا شك أن خطابنا الديني خلال الثلاثة عقود الماضية يعتبر خطاباً مأزوماً، ويتعامل مع المجتمع السعودي بوصفه رأيا واحدا وقناعة واحدة، والمطلوب من الجميع الانسجام والتكييف مع هذا الرأي، وكل شخص في هذا الخطاب الديني أراد أن يفصّل الوطن بمقاسه هو، ووفق قناعاته، رغم أن الوطن أوسع من رأيي ورأي الآخرين».
ودعا وسائل الاعلام المساهمة في صوغ خطاب ديني جديد يأخذ في عين الاعتبار التنوع والتعدد الموجود على أرض الواقع في المجتمع السعودي، وضرورة تفكيك خطاب التعصب الديني؛ لأن العلاقة بينه وبين الممارسة الفعلية للإرهاب في مجتمعنا علاقة قصيرة، ومن المهم أن لا نتغافل عن الثقافة التي تؤسس لثقافة التعصب الديني فهي المقدمة التي تقود لممارسة الإرهاب.
حادثة الدالوة
واستثمر المشاركون في الندوة الأجواء الوحدوية التي أفرزتها حادثة الاحساء الأليمة، والبناء عليها وتحويلها إلى نهج دائم، وعلّق الأستاذ «عبدالمحسن القحطاني»، قائلاً: «حادثة الدالوة أصبحت الآن رمزا لوحدة المجتمع السعودي وتعايشه؛ لأن ما حصل لا يرضي أحداً في المجتمع،.
وأشار إلى أننا كمسلمين قبل أن نكون سعوديين تعتبر حادثة دخيلة وجديدة علينا، ولا نقبلها، ونطالب بمعاقبة فاعليها، ومواجهتها - وهو ما حصل - ونحن أكثر تماسكاً ووحدة وتلاحماً، كما أننا شعب واحد وحكومتنا واحدة وقيادتنا واحدة وهذا ما يوجب التوحد».
وأضاف: «نحن نشاهد في أمريكا مثلاً أن هناك ديانات عدة لكن الجميع يرفع العلم الأمريكي»، مؤكداً على أن تربية البيت يجب أن تكون على أسس وطنية وليس طائفية أو دينية، ففي أمريكا المواطن الأمريكي يُحترم لأنه أمريكي بصرف النظر عن ديانته، والشيء الصحيح أن يتعايش أبناء البلد الواحد على أساس أن الجميع مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات.
وتابع: وأن الجميع له الفرص المتساوية بصرف النطر عن المذهب، وكل شخص تكون له قناعته وحسابه على الله في نهاية الأمر، وأن نتعامل على أساس أنه يعيش معك في بلدك الكبير الذي يحتضن الجميع، والأساس يبدأ من البيت الذي يعد الأساس في عملية التربية الصحيحة».
وأوضح أن أبناءه كلهم درسوا مع إخوانهم الشيعة بمدرسة في مدينة صفوى واستمروا حتى أنهوا دراستهم المتوسطة، ولهم أصدقاء من الشيعة، والتعايش بينهم قائم على أساس واقعي، وهذا هو المطلوب، وليس أمامنا كأبناء مجتمع إلاّ أن نتعايش لنحقق مصلحة بلادنا ونظرة ولاة أمرنا».
وأشار إلى أن الجميع عليهم أن يدركوا أنهم شركاء في كل شيء، وأن لا أحد يمكنه الاستئثار؛ فكل شيء للجميع من المواطنين الذين يعيشون في بلدنا الحبيب، خاصة أن هويتنا واحدة في محافظة القطيف، ونحن شراكة في كل شيء، فالشيعي مع السني شركاء».
وأشاد بدعوات الشيخ «حسن الصفار» التي تهدف للوحدة الوطنية، مؤكداً على دور الأب في عملية الوحدة والإيمان بالتنوع والتعدد، وهو الحجر الأساس الذي يغرس المبدأ في نفوس أبنائه؛ لذا على الآباء أن يهتموا بهذا الأمر.
وأشار إلى أن الخطاب الطائفي شحن بعض النفوس، رغم أنه لك يكن موجوداً منذ زمن؛ حين كان الجميع يتعايشون فيما بينهم من دون أن يعرف أحدهم مذهب الآخر أحياناً.
الردع النفسي
وقال الشيخ «محمد العمير»: «لحين الوصول للنموذج المعرفي التعددي، ولحين الوصول لقانون تجريم الطائفية؛ على الإعلامي بعد حادثة الدالوة أن يستشعر مسؤولياته في نشر المحبة والسلم الأهلي في وطننا الغالي»، داعياً إلى تغيير الواقع النفسي والتربوي في المجتمع، وأن يلعب الإعلام الدور الكبير في ذلك باعتباره سلطة تغيير.
وأضاف: لا بد أن تتضمن رسالة الإعلامي أن هناك مستقبلا واعدا ومشرقا ينتظر الجميع؛ لنبني نفسيات سليمة قادرة على مكافحة الفكر المتعصب والمتشدد»، مشيراً إلى أهمية الدور الإعلامي الوسطي الذي يؤكد تعزيز الوحدة بين مكونات المجتمع السعودي.
وأوضح أنه إذا لم يتحقق سن قانون يجرّم الكراهية يمكن تحقيق الردع النفسي عبر الإعلام الذي يوجه الرسائل بهذا الشأن للمجتمع، بما يحقق الرضا النفسي بين الجميع.
أمن واستقرار
وشدد الشيخ «جعفر آل ربح» على أهمية أن لا تتحول «حادثة الدالوة» لمجرد حادثة احتفالية عابرة بروتوكولية، قائلاً: «يجب أن نستثمر حادثة الدالوة، وأعتقد أنه لن تمر مناسبة بهذا الحجم يمكن استثمارها في تعزيز الوحدة الوطنية».
وأثنى على مقالة نشرتها الرياض للكاتب «فاضل العماني» وكانت تحمل أفكاراً وطنية متميزة، ما جعله يستعيرها في خطبة الجمعة في بلدة العوامية.
وأوضح أن المقال ركّز على تشكيل «قوربات» بين الطوائف في المملكة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقلت في خطبة الجمعة: «المهم أن تجد هذه الأفكار طريقاً للتنفيذ، وعلى الإعلام ترويج هذه الأفكار، خاصة بين الشباب والفتية الذين لم تتشكّل عقليتهم على العداء بعد».
وعن الوحدة الوطنية وما صنعته «حادثة الدالوة» وما تعززه في اللحمة الوطنية وقبول التعدد، قال الأستاذ «سامي العميري»، موضحاً أن جميع ما طرح نحن معه، ونحن في دارين وتاروت أسرة واحدة ونتواصل، وما حصل في الدالوة لا أحد يرضى به وحرّك الناس ومشاعرهم ووعاهم للخطر القادم إن لم يتكاتفوا يداً بيد».
وأشار إلى أن ردة الفعل التي حصلت بعد الاعتداء الارهابي أمر رائع، والحل هو في التمسك بالوحدة والأمن والاستقرار للوطن، مؤكداً على أن تكاتف الجميع في حادثة الدالوة أظهر الحس الوطني وبعث الوحدة في كل أبناء الوطن، وأصبحنا الآن نتحدث عن استثمار شيء موجود وهو وحدتنا الوطنية».
سمات الخطاب المطلوب
وتساءل الشيخ «عبدالجليل الزاكي»، قائلاً: «نحن ماذا نريد لخطابنا أن يكون؟ ولمنتدياتنا أن تكون؟» مجيباً أن المنتديات يجب أن تكون جادة وطموحة من أجل الوصول للهدف المنشود الذي يكمن في الوحدة بين المسلمين، والوحدة الوطنية التي نسعى لها جميعاً، ونحن لا نريد أن تكون لقاءات منتدياتنا مجرد شعارات خالية من محتوى القيمة الحقيقي الذي تتحرك به على أرض الواقع.
وأضاف: خاصة إن علمنا بأن الواقع الفعلي لا يكمن في الشعارات الخالية من التحرك الفعلي على أرض الواقع الاجتماعي والواقع الوطني، والقرآن الكريم يحثنا على هذا السلوك والعمل.
وأضاف أن القضية المشتركة بين المكونات في المجتمع هي هوية دينية تجمع الجميع في بلادنا، فماذا نريد أن يكون خطابنا في مثل هذه المنتديات الطيبة التي لها الأثر الفعال فيما لو عمل الجميع من موقعه.
وأكد على أهمية الاعلام في تحقيق ذلك؛ فهو القادر على الترشيد أو عدم الترشيد في إصلاح أو في افساد الواقع الاجتماعي من النواحي الاجتماعية أو الثقافية او السياسية أو التعليمية، كما نريد لهذه الخطابات في منتدياتنا أن تحمل مضموناً ربانياً، وخطاباً متحرراً من كل الحسابات والاعتبارات الاجتماعية والسياسية، من دون إثارة الشك في الدوافع أو الغايات، كتلك المواقع التي تجيش لحالة الطائفية بامتياز في العالم وليس في وطننا الحبيب فقط، وأن يكون خطاباً أيضاً مرناً ومنفتحاً وليس خطاباً منغلقاً على نفسه.
وأضاف هكذا يكون الخطاب قادراً على تحويل الكثير من نقاط الاختلاف في مجال الاقتصاد والسياسة والاجتماع إلى تآلف بين أبناء الوطن الواحد، كذلك أن يكون خطاباً صريحاً عاقلاً مليئاً بالمحبة والصفاء، ومتى فقدنا كل ذلك أو بعضه تحول خطابنا إلى حالة تكريس للتشنجات والحساسيات السلبية، وكما أن المجاملات المفرطة لها ضررها على المجتمع، كذلك الصراحة المفرطة غير الحكيمة لها ضررها أيضاً.
وأشار إلى أن المحبة والصفاء نحن بحاجة لهما، بأن يكون خطاباً عملياً واقعياً لا أن نجتمع في الملتقيات ضمن جو حميمي ثم ينتهي كل شيء، ولا بد أن يكون هناك شيء ملموس في الواقع العملي، وإلاّ لن يكون لمثل هذه اللقاءات تأثير، كذلك أن يكون خطاباً مكرساً لمؤكدات الوحدة، ولضرورات الوحدة.
ودعا إلى اعطاء الخطاب حركته، من خلال فعاليات مشتركة بين أبناء الوطن الواحد منها فعاليات اجتماعية وخيرية وفقهية وروحية واقتصادية واعلامية وغيرها، وهو ما يلعب دوراً كبيراً في صنع الوحدة الوطنية بين مختلف أطياف المجتمع السعودي، كما أن الاعلام يلعب دوراً كبيراً في ترشيد الأمة وتوضيح المفاهيم الأساسية في ترسيخ جوانب المحبة والألفة بين أفراد المجتمع، وعلى الاعلام مسؤولية كبيرة في رفض تجييش الطائفية والتمييز الطائفي.
الوعي أهم
وركّز «م. عبدالشهيد السني» في حديثه على مفهومين ذكرهما الشيخ «حسن الصفار»، و» د. توفيق السيف» أثناء الندوة، الأول تحدث به الشيخ «الصفار» عن سن قانون تجريم الكراهية، لكن السؤال هل هذا كافٍ، علماً أن هذا مطلب الجميع في بلادنا، ويمكن من هنا الربط بين كلام الشيخ «الصفار» وكلام «د. السيف» الذي يشير - وأتفق معه - إلى أهمية الرجوع لجذور المشكلة التي نعاني منها اليوم، وأن نخوض غمارها واكتشافها لنصل للحلول العملية التي تخرجنا بقانون مهم يجرم الطائفية والكراهية».
وأضاف: «لا أعتقد أن الطرح كقانون كافٍ، بل لا بد من التشخيص الدقيق لمعالجة المشكلة التي نعاني منها اليوم؛ فالخمر محرم ويوجد قانون يجرمه، والزنا والقمار كذلك، وفيه محاكم تطبق هذه القوانين بحزم، ولكن القانون وحده لا يكفي، والمطلوب أن يركز الاعلام على معالجة المشكلة وتشخيصها.
وأكد على أن الوحدة الوطنية مسألة بالغة الأهمية في حياتنا وفي هذا الظرف بالذات، وعلينا أن نجتهد في إعلامنا للوصول لها عبر التمثيل الحقيقي لكل مكونات الشعب وثقافاته التي تختلف من موقع لآخر، وأن لا نعتقد أن الرأي الواحد هو لصالح بلادنا، بل في تعدد وجهات النظر التي يحملها الجميع خدمة وحباً لوطنهم.
التسامح هو الأصل مهما كانت مبررات كل طرف
رأى الشيخ ”حسن الصفار“ أن الأمة الإسلامية تعاني من ذات الأسباب التي خلقت النزاعات الدينية في أوروبا خلال القرون الوسطى، وهي تحديداً غياب دولة المواطنة، وسطوة الجماعات الدينية، وعدم الإقرار بمبادئ حقوق الإنسان، متطرقاً لليوم العالمي للتسامح.
وقال ”ثقافة الكراهية تصنع أرضية ملائمة للاحتراب والنزاع الديني“، داعياً في هذا الصدد إلى إعادة قراءة نصوص التراث الديني، مشدداً أن تعاليم الدين تنأى بالمؤمنين عن الانشغال بعقائد وأديان ومذاهب الآخرين.
وأضاف: ”أقصى ماذهبت إليه تعاليم الدين هو الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة - إن تسنى ذلك -“، مبيناً أن الشريعة حذّرت بشدة من السب والشتم والصدام مع الآخرين تحت مزاعم الدعوة للدين.
وانتقد بشدة من يضعون أنفسهم ”بوليساً على الناس“؛ فيجعلون لأنفسهم حق المراقبة والهجوم على آراء وتوجهات الآخرين لعدم موافقتها لآرائهم وتوجهاتهم الخاصة.
وأوضح أن الله لم يجعل في كتبه المقدسة للأنبياء أنفسهم حق المراقبة والتدخل والهجوم على عقائد الناس؛ فكيف يُعطي هذا الحق لسائر الناس.
وأعرب عن استيائه من ابتلاء الأمة بالمتعصبين الباحثين دوماً عن فرض آرائهم وقناعاتهم الدينية والطائفية قسراً على الآخرين حتى داخل المذهب الواحد، منتقداً تورط بعض المنابر والمجالس في تبديد أوقات الناس في سجالات طائفية لا طائل من ورائها.
وأشار إلى أن ذلك يأتي على حساب قضايا مصيرية أكثر ضرورة وأهمية، مستدركاً: ”الدعوة إلى الخير حق مشروع شريطة أن لا تأتي عبر أساليب تخلق الأزمات وتفسد حياة الناس“، مضيفاً: ”الدعوة إلى الدين أمر مطلوب على أن يكون في منأى عن سياق النزاع والاحتراب مع الآخرين“.
إعلام قيادي استباقي للمواجهة
أوضح الأستاذ ”فاضل العماني“ أن المنظومة الإعلامية تنطلق عبر مستويات، فقديماً كانت المنظومة مجرد نقل أخبار، ثم زادت وتحولت حالياً لإعلام يقود المجتمع، وهو في المقدمة والمجتمع يأتي خلفه، وهذا تغير كبير في السلوك الإعلامي، ومن هنا نشهد تمظهرات يومية في ”الوتس أب“ و”تويتر“ و”الفيسبوك“، وكلها تعكس المزاج العام وتقوده.
وبين أن المنظومة السعودية في الإعلام ليس فيها تخصص، مشيراً إلى أن قضية الدالوة إفراز للخطاب الذي كان يمثّله البعض في مقالاته المتشددة، وكان المتابع يتوقع أن تحدث قضية إرهابية بناءً على الكم الكبير من التحريض الذي قاد إلى إفراز تمثل في حادثة الدالوة الإرهابية بالأحساء.
واستدرك صحيح أن لا أحد كان يعرف التوقيت والحجم والكيفية لكن العمل كان متوقعاً، خاصة بعد كل سنوات التحريض وبث الكراهية.
وقال إن الحل يكمن في إعلام قيادي استباقي واع لما يدور حوله من مؤامرات، موضحاً: ”يجب مراجعة نوعية الاعلام السعودي، والتركيز على وجود مخرجات تعليم جامعية قادرة على صنع إعلاميين يقودون الدفة بكل وعي وبصيرة“.
وأشار إلى وجود مشكلة في هذا الصدد تتمثّل في عدم وجود مخرجات من الجامعات، وتابع: ”أعتقد أن الموضوع شائك ومعقد وتأثيره في المجتمع السعودي تأثير سلبي وبكل أسف التأثير الايجابي محدود“!
ننتظر مشروعاً وطنياً للاندماج فكراً وممارسة
شدد الأستاذ ”محمد بن محفوط“ على أن هناك ظواهر سلبية في مجتمعنا؛ بسبب غياب مشروع وطني للاندماج، فالإعلام ساهم في تعزيز الاندماج أكثر من غيره، وفيما يتعلق بالتطرف والإعلام سأعود لمسلمة بسيطة هي أن المساجد لله والوطن للجميع، وتارة نتحدث عن المسجد باعتباره مجرد بناء، وتارة عن روح المسجد، وروحه تشبه روح الوطن؛ فهي عبارة عن روح جامعة تحتضن كل التنوعات والتعدديات الأفقية والعمودية الموجودة في المجتمع.
وقال: ”حينما يغيب مشروع اندماج وطني متكامل تبرز آفات وأمراض في المجتمعات التي تنتمي إلى بلد واحد، وحينما نأتي لعلاقة الآحاد بعضهم مع بعض لا توجد بينهم مشكلة بأي عنوان من العناوين سواء كان مذهبيا أو قبليا، لكن العلاقة بها مشكلة بين المجموعات التي يتشكّل منها الوطن“.
وأكد أن جرثومة التطرف تساهم في إبقاء الحواجز والمفاضلة الشعورية والاجتماعية بين المجموعات البشرية التي تشكّل الوطن.
وأشار إلى أن الإعلام بإمكانه أن يساهم في نشر ثقافة حقوق الإنسان باعتبارها الثقافة المضادة للتطرف؛ فحينما نعيد الاعتبار إلى الإنسان في مجتمعنا وجوداً ورأياً وحقوقاً بشكل طبيعي تتضاءل ثقافة التطرف سواء من مصادر دينية أو اجتماعية.
وأضاف أنه في مجتمعنا تم التعامل مع ثقافة التنوع بوصفه عيب، والإعلام ساهم في تغييب حقائق التنوع في المجتمع السعودي، ويبدو أن هناك رؤيتان في هذا الصعيد؛ فهناك من يرى أن اللون واحد مثل سطح البحر، فالثقافة واحدة والرؤية واحدة والمذهب واحد، وهذا ما ساهم الإعلام به، وفي تقديري هذا أمر خاطئ جداً.
وأشار إلى أن المجتمع السعودي ليس بدعاً من المجتمع البشري، فهو متعدد بتكوينه، وفيه تعدديات تقليدية وحديثة متعلقة بالعصر الحديث من طبيعة الآراء الفكرية والاجتماعية، والمطلوب من الاعلام المساهمة الفاعلة في إظهار هذا التنوع بكل صيغة ووئد التطرف، وألا يتعامل مع حقيقة التعدد والتنوع في المجتمع بوصفها عيب يجب أن يستر، وهذا ما ساهم في تغييب آراء أخرى، كما ساهم في تغييب آراء على المستويات الدينية والاجتماعية والثقافية.
وصف «الرافضة» ودعوات الإساءة في المنابر.. مستفزة!
دعا الشيخ «حسن الصفار» إلى ضرورة الاعتراف بوجود ثقافة تشجع على التطرف في مجتمعنا، وهذه الثقافة تسربت لبعض وسائل الإعلام رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة لمنع هذا التسرب والحد منه، ولكن الآثار السلبية لا تزال موجودة.
وقال: «باعتبارنا مجتمعاً متديناً، إلاّ أن الخطاب الديني السائد في بلادنا فيه تشجيع على النظرة الحادة تجاه الآخر المختلف دينياً أو مذهبياً أو فكرياً، وهذا ما نراه في بعض المنابر مع شديد الأسف؛ إذ وصل الأمر إلى الدعاء على أصحاب الأمم وأتباع الأديان والمذاهب الأخرى بأن يهلكهم الله، ويجفف الدماء في عروقهم وغير ذلك من الدعوات، إلى جانب أن هناك سلسلة من الفتاوى المتشددة التي تصدر تجاه نبذ الآخر، والكتب التي تؤلف في هذا الاتجاه».
وأكد دور وسائل الإعلام في هذه المرحلة تحديداً في نشر ثقافة الوسطية والتسامح ومنع تسرب هذه الثقافة المتطرفة إليهم.
وأضاف أن بعض وسائل الإعلام مثلاً لا تزال تصف الشيعة بالرافضة، مشيراً إلى أن إحدى الصحف نشرت مقالاً تناولت فيه أحد رجال القطيف الوطنيين ووصفته بالرافضي، كذلك صحيفة أخرى حذفت في حوار صحافي لقب الشيخ فلان القاضي الشيعي الذي عيّنته وزارة العدل والاكتفاء بالإسم من دون لفظة شيخ، وهذا فيه انتقاص من مكانة الرجل العالم، كما تمت إزلة كلمة الشيعة من اللقاء، وكلمة «شهداء الدالوة»، وهذا نموذج على بعض وسائل الإعلام أن تتجاوزه، وتتخلى عنه، خاصة أنه يعبّر عن لغة المتشددين.
وأشاد في الوقت نفسه بقرار رئيس تحرير إحدى الصحف المحلية حينما أقال محرره؛ بسبب تغريدات طائفية أطلقها في حسابه على تويتر.
وبين لو أن كل مؤسسة إعلامية وقفت بصرامة تجاه أي تجاوزات طائفية أو قبلية تؤثّر في الوحدة الوطنية لتحسّن الوضع كثيراً، وتحديداً تجاه دعم مشروع ثقافة الوسطية والاعتدال»، داعياً إلى ميثاق شرف إعلامي لتعزيز الوحدة الوطنية، ونبذ ثقافة التطرف والتشدد، واحترام كافة المذاهب».
«الدالوة» تحولت إلى لوحة وطنية رائعة
وجه الزميل ”محمد سعد“ سؤالاً إلى الشيخ ”حسن الصفار“ عن ردة فعل المجتمع حكومة وشعباً ومؤسسات وعلى رأسها هيئة كبار العلماء على حادثة الدالوة، وكيف رسم الجميع لوحة رائعة لعمق التلاحم بين أبناء الوطن الواحد، وتأثير ذلك على الرأي العام، وتحديداً شبكات التواصل الاجتماعي في تويتر؟.
وأجاب الشيخ ”الصفار“، قائلاً: ”اللوحة الوطنية الرائعة التي ارتسمت بعد حادثة الدالوة لها عوامل عدة، منها رد الفعل الواعي لذوي الضحايا، فالمغرضون اعتقدوا أن ردة الفعل ستكون سلبية على الدولة، وعلى أبناء الوطن، ورد الفعل الواعي أحبط هذه الخطة منذ البداية، حينما أدرك الجميع أنها مؤامرة بقصد شق الصف والوحدة الوطنية“.
وأضاف أن المبادرة السريعة من قبل القيادة السياسية والسلطة كانت مهمة جداً، كما أن إعلان إلقاء القبض على الجناة، والمواقف الايجابية لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، وصاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف أمير المنطقة الشرقية، إلى جانب عامل المؤسسة الدينية في المملكة التي ساهمت في رسم هذه اللوحة الجميلة للوطن".
وأضاف علينا أن نستثمر هذا الحدث لما يعود بالنفع للوطن، ومن ذلك تشريع نظام يجرّم الطائفية والحث على الكراهية في المجتمع، إلى جانب تعزيز اللغة الوطنية في وسائل الاعلام وتعزيز التواصل الوطني، إذ لا بد من أن نشجعه وندعمه بكل قوة، وأن لا نعتمد فقط على مؤسسة رسمية مثل مؤسسة الحوار الوطني، فهناك منتديات في الوطن يجب دعمها، كذلك على المجتمع أن يردع التصرفات الفردية وتصويب الأخطاب لما فيه خير الوطن، أيضاً التخلي عن سياسة الفصل بين الناس في المناطق المشتركة على أساس طائفي أو قبلي".
وأشاد بتجارب في محافظة القطيف، منها جائزة الإنجاز التي هي مفتوحة للجميع سنة وشيعة ممن تنطبق عليهم الشروط ليدخلوا فيها من أبناء المحافظة، وهذا ما يجب التشجيع عليه.
وعلّق الشيخ ”سطام الخالدي“ على حادثة الدالوة، قائلاً: ”رب ضارة نافعة؛ فحادثة الأحساء أراد فاعلوها أن تحدث شرخاً في الوطن، ولكن الله رد كيدهم في نحورهم، فنحن في المملكة ملكاً وشعباً زدنا تلاحماً، وأكثر قوة“.
لن تكون معتدلاً وأنت لا تحترم حقوق الإنسان ومعتقده
تساءل الأستاذ ”محمد بن محفوظ“، قائلاً: ”هل يمكن أن يكون الإنسان معتدلاً ومتسامحاً وهو ينتهك حقوق الإنسان، ويتعدى على مقدساته وخصوصياته ولوازمه الإنسانية“، مجيباً: ”إننا نعتقد أنه لا يمكن للإنسان أن يصبح معتدلاً بدون احترام الإنسان بصرف النظر عن دينه وعقيدته وصيانة حقوقه الأساسية؛ فالاختلاف في الدين والعقيدة لا يشرع للإنسان مهما علا شأنه أن ينتهك حقوق المختلف معه، أو يتعدى على خصوصياته، بل إن هذا الاختلاف يلزم الإنسان أخلاقياَ ودينياً إلى المبالغة في احترام الإنسان وصيانة حقوقه الأساسية“.
وأضاف: ”الناس صنفان إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، ولا يجوز بأي حال التعدي على حقوقه أو عدم احترام آدميته وإنسانيته، وعليه فإن كل المشروعات الايدلوجية والفكرية التي تسوّغ لنفسها التعدي على حقوق المختلفين معها؛ هي مشروعات متطرفة حتى وإن ادعت الاعتدال والتسامح؛ فالعبرة دائماً بالسلوك العملي ومستوى الالتزام الفعلي باحترام الإنسان وصيانة حقوقه الأساسية“.
وأشار إلى أنه لا يمكن صيانة حقوق الإنسان بدون وجود رؤية متكاملة لهذه الحقوق، وكيفية حمايتها وصيانتها، وتوفر إرادة مجتمعية متكاملة، لتحويل تلك الرؤية إلى واقع حي على صعد الحياة المختلفة؛ فالمجتمع المعتدل والوسطي والمتسامح، هو الذي يحترم ويصون حقوق الإنسان، ويعمل عبر مؤسساته المختلفة الرسمية والأهلية لتوفير كل الأسباب والشروط المفضية للإعلاء من شأن الإنسان وجوداً وحقوقاً.
التعددية مصدر التسامح والتحضّر وحكمة العقل
شدد الأستاذ ”محمد بن محفوظ“ على أن التعدد حقيقة، قائلاً: ”أهم المحددات التي ترصد بدقة معنى التسامح وحدوده المعرفية والاجتماعية والسياسية؛ هي مدى القبول والانسجام مع حقيقة التعددية الموجودة في المجتمعات الإنسانية بكل مستوياتها ودوائرها“.
وأوضح ”لا يمكن أن يكون الإنسان معتدلاً ومتسامحاً، وهو يرفض هذه الحقيقة، أو لا يلتزم بمقتضياتها ولوازمها“.
وأضاف: ”إننا نعتقد أن المعنى الدقيق والمعرفي للتسامح ليس هو الذي يفسر هذه القيمة بوصفها القيمة الخيّرة التي تقف في الوسط بين رذيلتين، وهما الغلو والتشدد من جهة، ومن جهة أخرى الانسلاخ والاستلاب القيمي والمعرفي؛ فالتسامح يعني: الموقف المعرفي الأخلاقي الذي يعترف بحقيقة التعدد، ويتعامل مع قيمة التنوع بوصفها من القيم الخالدة التي لا يمكن محاربتها أو العمل على استئصالها“.
وبين "كل إنسان يحارب هذه القيمة والحقيقة، هو إنسان غير معتدل ومتسامح، حتى وإن ادعى ذلك؛ فالمعتدل حقاً هو الذي يتعامل بعقلية حضارية ورؤية متسامحة مع حقيقة التعدد بكل مستوياتها، وإننا نعتقد أن القبول بهذه الحقيقة الإنسانية الخالدة، هو من أهم محددات مفهوم التسامح.
وأضاف: وعليه فإن كل فرد أو مجتمع يحترم هذه الحقيقة، ويتعامل معها بعقلية حضارية، هو إنسان ومجتمع معتدل بصرف النظر عن دينه أو أيدلوجيته، وعلى هذا المقياس قد يكون المعتدل مسلماً وقد لا يكون، فالعبرة في تقديرنا هو في مدى التزام الإنسان فرداً وجماعة بالقبول بحقيقة التعددية والتزام كل لوازمها ومقتضياتها".