المرأة والتفوق العلمي .. السيدة زينب نموذجاً.
بالعلم ميّز الله الإنسان على سائر المخلوقات حتى الملائكة: ﴿وَعَلمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلهَا ثُم عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِؤُنِي بِأَسْمَاءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾.
وبالعلم يتمايز بنو آدم فيما بينهم: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الذِينَ يَعْلَمُونَ وَالذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾.
»يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات«. و»العلم رأس الخير كلّه« و»أكثر الناس قيمة أكثرهم علماً«، و»أقل الناس قيمة أقلّهم علماً«، كما يقول الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله).
أو كما يقول الإمام علي(عليه السلام): »قيمة كل امرىء ما يحسنه«. فالعلم ساحة سباق وتنافس بين أبناء البشر، يتقدم فيها من حاز منه بنصيب أوفر.
والمرأة كإنسانة معنية بهذا السباق في ميدان العلم، ولها حضورها في ساحته، وقيمتها كالرجل، تتحدّد بما تحسنه من العلم والمعرفة. لذلك روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أنّه قال: »طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة«. وإذا ما رأينا الجهل معشعشاً أكثر في أوساط نسائنا، فذلك دليل على تخلّفنا وانحرافنا عن هدي الرسالة.
لقد أثبتت المرأة في الماضي والحاضر، أنّها لا تقلّ عن الرجل استعداداً للمعرفة، وكفاءة في طلب العلم.. فحتى العلوم التخصصية الهامة، أحرزت فيها المرأة تفوّقاً وتقدّماً.. وكذلك المجالات العلمية التي تحفّها المخاطر والصعوبات، فحادثة »تشالنجر« لازالت ماثلة أمام الأذهان، حينما تحطّمت المركبة الفضائية الأمريكية المتطوّرة، بعد (٣٧) ثانية من انطلاقها في الجو، بسبب شرخ في خزّان الوقود، بتاريخ (٨٢/١/٦٨٩١م) وكان ضمن طاقمها المكوّن من ستة أفراد، فتاتان تعملان في أبحاث الفضاء هما »كريستا مكوليف« و»جودث رثنك«.
وقبل سنتين نشرت وسائل الإعلام تحقيقاً عن امرأة عربية متخصّصة في فيزياء »البلازما« وهي الحال الرابعة للمادة، التي يقال أنّ كتلة الكون تتألف منها.
تلك المرأة هي »مها عاشور عبدالله« أستاذة الفيزياء في »لوس أنجلس« في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تجاوزت هذه المرأة كلّ المستحيلات، فاختارتها وكالة الفضاء الأمريكية »ناسا« مستشارة رئيسية، في وضع خطّة الأبحاث الأساسية في فيزياء الفضاء، وقد منحت جائزة نساء العلم الأمريكية. وتعدّ »مها« العالمة المصرية التي أصدرت إلى الآن (٠١٢) أبحاث، من أبرز المتخصّصين في ظاهرة »الشفق القطبي« الجوية، المحاطة بالغموض والأساطير.
وإضافة إلى اللجنة الاستشارية في »ناسا« تشغل عضوية »هيئة علوم الكمبيوتر المتقدّمة« وهي مسؤولة التنسيق عن الإفادة من علوم فيزياء الفضاء، في »المؤسسة القومية للعلوم« التي تعتبر من أهمّ مراكز إعداد القرار العلمي في الولايات المتحدة. فساحة العلم مفتوحة أمام المرأة، وميدان المعرفة متّسع لمشاركتها، واهتمامها بطلب العلم، وتلقّي المعرفة، واجب شرعي عليها، أكثر ممّا هو حقّ لها، كما ينصّ الحديث الشريف: »طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة«.
لكنّ ظروف التخلّف والانحطاط، هي التي تجعل المرأة أسيرة الجهل، محرومة من نعمة المعرفة والعلم.
وقراءة شخصية السيدة زينب بنت الإمام علي، تعطي لأمّتنا دفعة انطلاق، لتجاوز هذا الواقع الخاطىء. فقد اهتمّت السيدة زينب بتلقّي العلم والمعرفة، منذ نعومة أظفارها، وفي وقت مبكّر من حياتها، فإنّها روت عن أمها فاطمة الزهراء.
وقال الطبرسي: أنّها روت أخباراً كثيرة عن أمها الزهراء. بالطبع كان عمرها عند وفاة أمّها ست سنوات. وفي طليعة ما روت عن أمّها الزهراء، خطبتها العظيمة في الاحتجاج على الخليفة الأول أبي بكر، وخطبة الزهراء هذه طويلة مفصّلة، تتضمّن زيادة على موضوعها الأساس حول فدك، الكثير من المفاهيم والتعاليم الإسلامية، وكلّ أسانيد هذه الخطبة تنتهي إلى السيدة زينب، فهي التي حفظت خطبة أمها، وانتقلت عبرها إلى الأجيال.
ويذكر أبو الفرج الأصفهاني لخطبة الزهراء سنداً آخر، عن ابن عباس، بروايته عن السيدة زينب قال: والعقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة في فدك، فقال: »حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي«.
وكما روت عن أمها الزهراء، فقد روت أيضاً عن أبيها علي، وعن أخويها الحسنين. وروت عن مولى لجدّها رسول الله(صلى الله عليه وآله) ذكر ابن عساكر أنّ اسمه طهمان أو ذكوان.
لكن الشيخ النقدي نقل عن كتاب (الورع) لأحمد بن حنبل أنّ اسم ذلك المولى ميمون أو مهران، فقال: ومن ذلك ما في كتاب (الورع) لأحمد بن حنبل المطبوع بمصر حديثاً، عن عطاء بن السائب قال: حدّثتني أم كلثوم ابنة علي -هي زينب- قال: أتيتها بصدقة كان أمر بها. قالت: احذر شبابنا فإنّ ميموناً أو مهران أخبرني أنّه مرّ على النبي(صلى الله عليه وآله)، فقال: يا ميمون أو يا مهران إنّا أهل بيت نهينا عن الصدقة وإنّ موالينا من أنفسنا فلا تأكل الصدقة.
وروت أيضاً عن فضليات نساء عصرها، كأم أيمن مولاة النبي وحاضنته، وأم سلمة زوج رسول الله، وأم هاني بنت أبي طالب. وأسماء بنت عميس أم عبد الله بن جعفر.
ولم تختزن السيدة زينب العلم لنفسها، أو تحتكره لذاتها، بل أفاضت من معارفها ومروياتها على أبناء الأمة، فكانت تتحدّث ليس فقط للنساء، بل حدّثت العديد من رجالات بيتها، وسائر الأصحاب والتابعين.. فقد روى عنها جابر، وعباد العامري، وابن أخيها الإمام علي بن الحسين زين العابدين وروى عنها حبر الأمة عبدالله بن عباس، وزوجها عبدالله بن جعفر، وروى عنها محمد بن عمرو الهاشمي، وعطاء بن السائب، وروى عنها أحمد بن محمد بن جابر، وزيد بن علي بن الحسين.
وروت عنها بنت أخيها فاطمة بنت الحسين، وقد مرّ علينا سابقاً أنّها كانت مهتمّةً بتعليم النساء وتثقيفهنّ ضمن مجالسها العلمية.
ويكفي لإدراك مقام زينب الريادي، في ميدان المعرفة والعلم، أن نتأمّل ما رواه الصدوق، محمد بن بابويه (طاب ثراه) من أنّه كانت لزينب نيابة خاصّة عن الإمام الحسين(عليه السلام) بعد شهادته، وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام، حتى برىء زين العابدين.
كما أنّ شهادة الإمام زين العابدين في حقّها، لم تكن جزافاً، ولا مبالغة، وهو الإمام المعصوم، حيث قال لها: »أنت بحمد الله عالمة غير معلّمة وفهمة غير مفهّمة«.
وحينما نرى أن عبدالله بن عباس، حبر الأمة، يروي عن السيدة زينب، ويبدي الفخر والاعتزاز بالرواية عنها والانتساب لها حيث كان يقول: حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي فذلك يدل على بعض ما لها من المكانة والشأن، على صعيد العلم والفضل.