أغراض الوقف والوعي الاجتماعي
نشرت صحيفة الأيام البحرينية مقالاً لسماحة الشيخ حسن الصفار عنوانه: أغراض الوقف والوعي الاجتماعي، في عددها الصادر يوم الأربعاء 9 رمضان 1426هـ (12 أكتوبر 2005م).
وهذا نص المقال:
يصح الوقف لكل غرض مشروع، ولا يصح اذا كان لغرض غير مشروع، كتشجيع الفساد والانحراف، او نشر الضلال، او الاعانة على الظلم والعدوان.
والمالك حر في ان يوقف ما يملكه لما يشاء من الاغراض المشروعة، في خدمة معارف معينة، كما لو وقف على تعليم الدين، او تعليم الطب، وامثال ذلك. او لخدمة بني البشر كمساعدة الفقراء وعلاج المرضى، وايواء المسافرين، وما شابه او لرعاية الطبيعة وموجوداتها، كتعبيد الطرق، واطعام الحيوانات، وغيره.
وقد اوجب الشرع احترام ارادة الواقف، والالتزام بما حدده مصرفا لوقفه وبالشروط والخصائص التي وضعها، جاء في رواية عن الامام الحسن بن علي العسكري : ««الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها»» ويمثل هذا النص قاعدة فقهية مشهورة، أفتى الفقهاء على أساسها بأن كل وقف - لعموم جمع المعرف بالالف واللام - يجب ان يتعامل معه بحسب ما وقفه الواقف، من الشروط، والخصوصيات، والكيفيات، وما عينه من التصرفات فيه ومن عينه لان يكون ناظرا عليه.
ومما اشتهر بين الفقهاء ايضا قولهم: «شرط الواقف كنص الشارع».
وغير المسلمين يقر الاسلام لهم بصحة اوقافهم المشروعة في اديانهم.
فاذا وقف الانسان المسلم شيئا من ممتلكاته على اي غرض غير محرم شرعا، فان وقفه صحيح ثابت لا يجوز تغييره ولا تبديله.
وقد ناقش الفقهاء في نية القربة الى الله، وهل انها شرط لصحة الوقف ام لا؟ حيث يقصد الواقف تحقيق هدف دنيوي من وقفه.
والرأي المختار عند اكثر الفقهاء المعاصرين: ان نية التقرب الى الله ليست شرطا لصحة الوقف، قال السيد محمد كاظم اليزدي في ملحقات العروة الوثقى » الاقوى وفاقا لجماعة عدم اشتراط نيه القربة، للاطلاقات، ولصحة الوقف من غير المسلم.. نعم ترتب الثواب موقوف على قصد القربة، مع انه يمكن ان يقال بترتب الثواب على الافعال الحسنة، وان لم يقصد بها وجه الله».
والعبارة الاخيرة لهذا الفقيه الكبير «ترتيب الثواب على الافعال الحسنة وان لم يقصد بها وجه الله» يجب ان تنال حقها من الاهتمام، لما تعنيه من سعة افق، وتقدير لذات الخير وعوائده، وثقة بعظيم فضل الله ولطفه وكرمه.
ومن شواهد اقرار الاسلام لكل اغراض الوقف المشروعة ما اتفق عليه الفقهاء من جواز الوقف لخدمة غير المسلمين، كان يوقف على الفقراء المسيحيين او اليهود او غيرهم، او لعلاج مرضاهم، او تعليم اولادهم.. قال الشهيد الثاني زين الدين الجبعي العاملي « ١١٩ - ٩٥٩ هـ» في شرح اللمعة الدمشقية: «يجوز الوقف على أهل الذمة انفسهم، لعدم استلزامه المعصية بذاته، اذ نفعهم من حيث الحاجة، وانهم عباد الله، ومن جملة بني آدم المكرمين».
بل ذهب بعض الفقهاء ومنهم السيد محمد كاظم في ملحقات العروة الوثقى الى انه «يجوز الوقف والبر والاحسان على الحربي ايضا لاطلاق الامر بالخير والاحسان».
ان ابواب البر والاحسان مشرعة، وسبل الخير والمعروف كثيرة، واختيار اي غرض للوقف انما ينبثق من احد الاسباب التالية:
التوجه الى ما ورد عن الشرع من فضل وترغيب في احد المجالات الخيرية. ذلك ان كثيرا من الواقفين يكون دافعهم للوقف على غرض معين، ما يطلعون عليه من نصوص شرعية حول فضل ذلك العمل الخيري، او ما يحدثهم به احد العلماء ويشجعهم عليه، من منطلق عظيم الاجر والثواب.
ادراك النقص والحاجة لذلك المورد في المحيط الاجتماعي، فكم من واقف اثاره مشهد من مشاهد الفقر والحاجة فاندفع لوقف شيء من ممتلكاته لمعالجة تلك الحاجات.
المعرفة والوعي بأهمية بعض التوجهات، كضرورة التقدم العلمي ونشر المعرفة، وحماية البيئة.
وجود أجواء اجتماعية دافعة لبعض الاهتمامات، بان تكون محل جذب واستقطاب للجمهور.
هذه العوامل تشكل ابرز البواعث والخلفيات لتنوع اغراض الوقف بين الافراد، وفي اوساط المجتمعات، فقد تسود بعض المجتمعات ثقافة معينة تنتج دفعا وتشجيعا باتجاه الوقف نحو اغراض محددة اكثر من غيرها.
واذا ما اخذنا المجتمعات الاسلامية الشيعية نموذجا فاننا سنجد فيها كثرة الاوقاف المخصصة لاحياء ذكر أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم.