النبي (ص) ومواجهة الخرافات
الخرافة: هي المعتقد الذي ليس له أساس علمي أو ديني.
وفي كتب اللغة عرفت بأنها: الحديث المستملح من الكذب. وقالوا: حديث خرافة، ذكر ابن الكلبي أنه نسبة إلى شخص اسمه خرافة من بني عُذْرَة، أو من قبيلة جُهينة، قالوا: اختطفته الجن ثم رجع إلى قومه يحدث بأحاديث مما رأى يعجب منها الناس، فكذبوه، فجرى على ألسن الناس على كل ما يكذبونه من الأحاديث.
وقد يكون مشتقًا من الخَرَف: فساد العقل من الكبر، يقولون: خَرِف الرجل: أي فسد عقله من الكِبَر.
وكلما كان المجتمع بعيدًا عن العلم والمعرفة، وعن التفكير العقلاني، انتشرت في أوساطه الخرافات والمعتقدات التي لا أساس لها.
وقد تنتشر بعض الخرافات في بعض أوساط المجتمعات المتقدمة كالتشاؤم من بعض الأشياء والأرقام كالرقم (13)، أو تحديد وقت لنهاية العالم.
ولأن المجتمع العربي زمن بعثة النبي ، كان يعيش الجهل والتخلف، فمن الطبيعي أن يصبح مرتعًا للخرافات والمعتقدات الفاسدة.
ومن أفسدها عبادة الأصنام التي كانوا يصنعونها بأيديهم من حجر أو خشب أو غيره، ثم يخرون لها ساجدين، ويقدسونها، ويعتقدون بها.
وهناك كثير من الخرافات كانت تسود المجتمع الجاهلي، فجاء رسول الله يدعو الناس إلى استخدام عقولهم، والتخلص من هذه الخرافات.
لذلك تركز آيات القرآن الكريم على استثارة العقل، واستخدام الفكر، مثل قوله تعالى: ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾، ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾، ﴿لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾، ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾، ﴿أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ﴾، ﴿لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
ويؤكد القرآن الكريم على مرجعية العلم في كل ما يتبناه الإنسان، يقول تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾
خرافات تفسير الظواهر الكونية
إنّ أمور الكون، وشؤون الحياة، تجري حسب أنظمة وسنن إلهية، يقول تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾، وقال تعالى: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾، وعلى الإنسان أن يكتشف أنظمة الكون والحياة ليستفيد من ذلك في تطوير حياته واستثمار خيرات الكون. لكن الجهل يدفع بعض البشر لتفسير الظواهر الكونية بالأوهام والخرافات.
ولتعزيز التفكير العقلاني ومنع نفوذ الخرافات في المجتمع المسلم، واجه النبي ما أشاعه البعض عند وفاة ابنه إبراهيم، حينما صادف انكساف الشمس، كما ورد عن عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا اَلْحَسَنِ مُوسَى يَقُولُ: إِنَّهُ لَمَّا قُبِضَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اَللَّهِ ، اِنْكَسَفَتِ اَلشَّمْسُ، فَقَالَ اَلنَّاسُ: اِنْكَسَفَتِ اَلشَّمْسُ لِفَقْدِ اِبْنِ رَسُولِ اَللَّهِ ، فَصَعِدَ رَسُولُ اَللَّهِ اَلْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اَللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "يَا أَيُّهَا اَلنَّاسُ إِنَّ اَلشَّمْسَ وَاَلْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اَللَّهِ، تَجْرِيَانِ بِأَمْرِهِ، مُطِيعَانِ لَهُ، لاَ تَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا اِنْكَسَفَتَا، أَوْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، فَصَلُّوا"، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ صَلاَةَ اَلْكُسُوفِ)[1]. وورد مثله في صحيح البخاري عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَة[2].
إن بعض الزعامات قد تشّجع على اختلاق الادعاءات والاساطير حولها لتحيط نفسها بهالة من القداسة والتعظيم، أو أن تسكت على ما يختلقه المتملقون في تمجيدها، لكن النبي لم يسكت على هذا التفسير الوهمي لتوافق الكسوف مع موت ابنه. لأنه جاء لإنقاذ الناس من سيطرة الجهل والخرافة.
وكان من السائد في أوساط بعض عرب الجاهلية أنهم حينما يعانون من الجفاف، وينقطع عنهم المطر، يربطون أغصانًا سريعة الاحتراق في ذيل الأبقار أعلى الجبال، ويضرمون النار في تلك الأغصان، فتنزل البقر تركض وتركل وتنعر، محدثة صوتًا شبيهًا بصوت الرعد والبرق، وهو ما يغري السماء بإرسال غيثها كما يزعمون.
لكن النبي أبطل تلك الخرافات، وشرع صلاة الاستسقاء وهي دعاء وطلب من الله تعالى بأن يغيث عباده.
خرافات في مواجهة الأخطار
وكانوا يستخدمون التمائم، جمع تميمة، وهي خرزات من أسنان الثعالب والقطط، كان الأعراب يعلقونها على أعناق الأطفال لحفظهم من الجنّ والعفاريت، وينفون بها العين والخطر والمرض. وقد نهى رسول الله عنها.
جاء عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَقْبَلَ إِلَيْهِ رَهْطٌ، فَبَايَعَ تِسْعَةً وَأَمْسَكَ عَنْ وَاحِدٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَايَعْتَ تِسْعَةً وَتَرَكْتَ هَذَا؟ قَالَ : "إِنَّ عَلَيْهِ تَمِيمَةً"، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَقَطَعَهَا، فَبَايَعَهُ، وَقَالَ : "مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ"[3]. وذلك حين يعتقد بتأثير شيء في أمور الكون غير الله تعالى.
وروت أم قيس بنت محصن قالت: دَخَلْتُ بابْنٍ لي علَى رَسولِ اللَّهِ ، وقدْ أعْلَقْتُ عليه مِنَ العُذْرَةِ [قرحة تخرج بين الأنف والحلق، وقيل هي ما تعرف بالتهاب اللوز]، فَقَالَ: علَى ما تَدْغَرْنَ أوْلَادَكُنَّ بهذا العِلَاقِ، عَلَيْكُنَّ بهذا العُودِ الهِنْدِيِّ[4].
حيث أمرها باستخدام دواءٍ كان متاحًا آنذاك، كوسيلة طبيعية لعلاج المرض، وليس تعليق تميمة على عنق الطفل تثقله.
خرافة التطيّر والتشاؤم
وكان ينتشر بينهم التطيّر من الطِيَرة: بكسر الطاء وفتح الياء. وهو التشاؤم بالشيء، ببعض الأيام، أو الطيور، أو الأسماء.
فنهى عن ذلك، كما ورد عن عبدالله بن مسعود، عنه : الطِّيرةُ شِركٌ، الطِّيرةُ شِركٌ، ثلاثًا[5].
وعن عروة بن عامر قال: ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدَ النَّبِيِّ ، فَقَالَ: أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ، وَلَا تَرُدُّ مُسْلِمًا فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ وَلَا حَوْلَ وَقُوَّةَ إِلَّا بِكَ"[6].
وعن الإمام الصادق قال: قال رسول الله : كَفَّارَةُ اَلطِّيَرَةِ، اَلتَّوَكُّلُ[7].
أي أن يتوكل الإنسان على الله، ولا يبالي بتلك الأوهام التي تحدث في نفسه بتأثير الخرافات السائدة.
فعَنِ اَلنَّبِيِّ قَالَ: "إِذَا تَطَيَّرْتَ فَامْضِ"[8].
لقد حارب النبي الخرافات ليؤسس مجتمعًا إيمانيًا عقلانيًا، يعتمد مرجعية العلم في فهم الدين وإدارة الحياة.
لكن الخرافات تسربت وانتشرت في أوساط المجتمعات الإسلامية، وأسواؤها ما ينسب إلى الدين حيث أصبح في بعض الأوساط غطاءً ومصدرًا للخرافات وممارسات الشعوذة.
لقد استغلت بعض الجهات موجة الإقبال على الدّين لتسويق الخرافات مستندة إلى ما في التراث الإسلامي من أحاديث موضوعة أو ضعيفة، وإلى أقوال تعبّر عن اجتهادات متأثرة بأجواء التخلف والانحطاط.
هناك فضائيات ومنابر تبيع الأوهام على الناس لعلاج أمراضهم وحل مشاكلهم، باسم الرُّقْية بآيات القرآن الكريم، والتوسل بالنبي والأئمة والأولياء، بطريقة غير شرعية، وبما يخالف النهج القرآني الذي يؤكد على حاكمية السنن الإلهية في الكون والحياة، وضرورة العمل والسعي لتحصيل المكاسب، ومواجهة الأخطار، مع التوكل على الله، وطلب رحمته وفضله.
ولا يزال هناك من يروّج للتطيّر بالأيام، فيقسّمها إلى أيام سعود، وأيام نحوس، تراعى في أمثال مناسبات الزواج، وذلك لم يثبت عليه دليل من الشرع والعقل.
إن واجب العلماء الواعين، والدعاة المخلصين، تحذير أبناء الأمة من الخرافات، وكشف توجهات الغلو والتطرف والشعوذة، وتعزيز الفهم الديني العقلاني.