تأهيل ذوي الإعاقة وإدماجهم في المجتمع
صادف يوم الجمعة الماضي الثالث من شهر ديسمبر اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة الذي أقرته الأمم المتحدة منذ عام 1982م. والإعاقة قد تكون جسمية فيزيائية، كأن يفقد الإنسان بعض حواسه أو أعضائه. وقد تكون إعاقة عقلية كصعوبة الفهم والإدراك. وقد تصنف بعض الاضطرابات النفسية حالة إعاقة.
ولا يخلو مجتمع بشري من وجود شريحة المعاقين فيه أو من يطلق عليهم ذوي الاحتياجات الخاصة.
وقد تصحب الإعاقة الإنسان منذ قدومه لهذه الحياة، وقد تطرأ على حياته بسبب من الأسباب كالحروب والكوارث الطبيعية والحوادث المختلفة كحوادث المرور. وقد تحصل الإعاقة بسبب تقدم السنّ.
وتشير بعض التقارير إلى وجود معاق واحد جسميًا أو عقليًا من بين كل عشرة أشخاص في العالم. بل تذهب بعض التقارير إلى وجود نحو مليار إنسان معاق من أصل سبة مليارات نسمة تعداد البشر الآن.
وقد أشارت بعض الإحصاءات الرسمية أن عدد المعاقين في المملكة يقارب مليوني معاق[1].
ويدل انخفاض أعداد المعاقين في الدول المتقدمة وارتفاعه في الدول النامية حيث أن 80% من المعاقين في الدول النامية، في مقابل 20% في الدول المتقدم. يدل ذلك على إمكانية خفض نسبة الإعاقة بمعالجة أسبابها، كتجنب الأمراض الوراثية بفحص ما قبل الزواج، والاهتمام بتحسين ظروف الحمل والولادة، والرعاية المبكرة للمواليد، وكذلك رعاية أنظمة المرور، وتجنب الحروب وأعمال العنف.
جزء من نظام الحياة
إن وجود الإعاقة عند بعض البشر هو جزء من نظام الحياة، ونتيجة لوجود سنن وقوانين تحكم الكون والحياة. وهي ليست أمرًا اعتباطيًا. وكما اقتربت البشرية من اكتشاف سنن الكون والحياة، واهتدت بها في تنظيم شؤونها، استطاعت تجاوز هذه المشكلة والتقليل منها.
فالإعاقة دافع للبحث والكشف، وتذكير للإنسان بنعم الله تعالى حينما يرى مضاعفات افتقاد شيء من هذه النعم. وهي محفز للمشاعر والأحاسيس الإنسانية الإيجابية.
حقوق المعاقين
إن المهم التذكير بحقوق المعاقين فهم جزء فهم جزء لا يتجزأ من مجتمعنا البشري، ولهم كل مقومات الإنسانية، وهم مكرّمون كبقية الناس، يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾.
وإن ابتلوا بنقص في بعض قدراتهم، فإنّ ذلك لا يخرجهم من كونهم بشرًا كسائر الناس، وهم شركاء مع الأسوياء في حقّ الحياة، والتمتع بخيراتها، فالخيرات التي أوجدها الخالق تعالى، لم يجعلها للأسوياء فقط، وإنما هي لكلّ البشر، قال تعالى: ﴿وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ﴾، أي إنّه سبحانه خلق الأرض لكافة البشر، فإذا كان الشخص المعوّق غير قادر على الوصول إلى حقوقه، نتيجة عجزه الجسدي أو العقلي، فإن المجتمع مسؤول عن توفير حقوقه وتلبية احتياجاته. وإذا كان هناك من معيار لتجسيد القيم والأخلاق في المجتمع، فإنه سيكون في شكل التعامل الاجتماعي مع فئة ذوي الاحتياجات الخاصة، فإذا ما أحسن المجتمع التعامل مع هذه الفئة الضعيفة، فإنه سيكون أقرب إلى القيم الإنسانية النبيلة.
ونجد في التشريعات الإسلامية تأكيد المساواة بين الأصحاء والمعاقين على صعيد الحقوق، فحق المعاق في الإرث مثلًا لا ينقص عن حق غيره وكذلك في مجال الديات والتعويضات، وهكذا سائر الحقوق، أما في مجال الواجبات فإن التشريع يراعي حال المعاق، ويسقط عنه مالا يستطيعه بحكم اعاقته، يقول تعالى: ﴿لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾
التوجيه الديني
لقد أولت الشريعة اهتمامًا كبيرًا بفئة ذوي الاحتياجات الخاصة. وقد وردت في هذا الشأن العديد من النصوص، ومن ذلك ما ورد عن رسول الله أنه قال: «أَبْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ، فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ»، إذا شاء العباد التقرب من خالقهم عزّ وجلّ، فإن الوسيلة إلى ذلك هي الاهتمام بالضعفاء في قدراتهم، العاجزين عن إدارة حياتهم، فالمهتمون بالضعفاء، والإعاقة من أجلى صور الضعف، هؤلاء يستحقون توفيق الله ونصره لهم، وأن يفيض عليهم الخير والنعم.
الدين يدعونا للاهتمام بهم. في السابق كان الناس يزدرون هذه الفئة من الناس بسبب الجهل، أما الآن وبفضل تقدم العلم فقد أصبحوا يهتمون بهم، وتم تجاوز حالة عزلهم، وهذا الأمر يوجهنا له الدين الكريم. ورد عن رسول الله قال: «لاَ تُدِيمُوا اَلنَّظَرَ إِلَى أَهْلِ اَلْبَلاَءِ وَاَلْمَجْذُومِينَ؛ فَإِنَّهُ يَحْزُنُهُمْ»[2]. الرسول يهتم بمشاعرهم، ويرفض إدخال الحزن في نفوسهم الذي قد تسببه نظرة غير طبيعية.
ورد عن الإمام الصادق : «مَنْ نَظَرَ إِلَى ذِي عَاهَةٍ، أَوْ مَنْ قَدْ مُثِلَ بِهِ، أَوْ صَاحِبِ بَلاَءٍ، فَلْيَقُلْ سِرّاً فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْمِعَهُ: اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي عَافَانِي»[3].
وعنه : «لَإِسْمَاعُ اَلْأَصَمِّ مِنْ غَيْرِ تَضَجُّرٍ صَدَقَةٌ هَنِيئَةٌ»[4]. فثواب الاهتمام بهم ثواب عظيم عند الله.
التأهيل والادماج
النقص الذي عند المعاق لا يعني عجزه كليًا. لذا لا بد من مساعدة المعاقين على تفجير طاقاتهم، فكم مِن مخترع ومكتشف ومفكر كان معاقاً.
أبو العلاء المعري، الشاعر الفيلسوف أصيب بالعمى وهو في الثانية من عمره، وما عاقه ذلك.
والأديب طه حسين (1889 – 1973م) عميد الأدب العربي أيضًا كان أعمى.
البريطاني «نيكولاس سوندرسون»، ولد أعمى وتغلب على إعاقته وأصبح عالمًا في الرياضيات وأستاذًا في جامعة كامبردج.
الأمريكية هيلين كيلر (1880 – 1968م) أعجوبة المعوقين في العصور، لديها ثلاث عاهات: صماء بكماء عمياء، لكنها عن طريق لغة الإشارة، وما تمليه على من حولها من حركات، أصبحت من كبار الشخصيات، وحققت على ما قدمت جوائز عديدة، وقد تبنّت الاهتمام بتحسين وضع المكفوفين في الدول النامية، ألقت محاضرات في أكثر من 25 دولة، وهي مؤلفة عالمية ترجمت كتبها لأكثر من 50 لغة ومن كتبها: (يجب أن نؤمن بالله).
لها كثير من المقولات منها: «عندما يُغلق باب السعادة، يُفتح آخر، ولكن في كثير من الأحيان ننظر طويلاً إلى الأبواب المغلقة بحيث لا نرى الأبواب التي فُتحت لنا»، وأيضًا: «لقد أدركت لماذا حرمني الله من السمع والبصر والنطق فلو إني كنت كسائر الناس لعشت ومت كأية امرأة عادية»[5].
عالم الفيزياء ستيفن هوكينغ (1942-2018م)، الذي رحل عن عمر يناهز السادسة والسبعين، كان يعاني من مرض التصلب الجانبي الضموري (العصبون الحركي)، وهو مرض يؤثر على قدرة المصاب به على الحركة والحديث بل وحتى التنفس، وذلك لفشل الأعصاب الحركية في نقل الإشارات من الدماغ إلى العضلات، فأصبح مشلولًا بشكل كلي. لكنه أصبح واحدا من أكثر علماء عصره شهرة، وحظي باحترام واسع على المستوى المهني والإنساني.
حقق كتابه الذي يحمل عنوان "تاريخ موجز للزمن" أفضل المبيعات حيث صدر عام 1988م وبيعت منه أكثر من عشرة ملايين نسخة، مع أنه لا يمكن معرفة عدد الأشخاص الذين تمكنوا من قراءته حتى النهاية.
حين كان يستعد للزواج لأول مرة في عام 1964، قدّر الأطباء أنه سيعيش سنتين أو ثلاث سنوات بحد أقصى. لكن المرض تقدم بشكل أبطأ من المتوقع، وقد رزق ثلاثة أبناء.
دور الثقة والرضا في شخصية المعاق
الإعاقة ابتلاء من الله عز وجل، إذا وقعت على شخص ما، فعليه التسليم بقضاء الله وقدره. وألا ييأس من رحمة الله عزّ وجلّ. وعليه أن يفجر طاقته ويستفيد من مواهبه التي أودعها الله فيه. «وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِهِ حَتَّى يَرْضَى عَنِ اللَّهِ فِيمَا صَنَعَ اللَّهُ إِلَيْهِ وَصَنَعَ بِهِ عَلَى مَا أَحَبَّ وَكَرِهَ»[6] وعلى عائلته أن تهتم به، وعليهم أن يعلموا أن هذا الاهتمام هو من أعمال البر، بل من أفضلها، و(صدقة هنيئة) كما ورد عن الإمام الصادق .
وعلى المجتمع أن يهتم باحترام ذوي الإعاقة ومساعدتهم وتأهيلهم لدمجهم في الحياة.