حسن الصفار.. مفكراً وداعية حوار
في العام 2016 اُختيرت دولة الكويت الشقيقة عاصمة للثقافة الإسلامية، واُقيمت فيها بهذه المناسبة فعاليات ثقافية متعددة، منها ندوة عن "حوار الأديان" شاركت فيها نخبة متميزة من الباحثين ورجال الدين، وكان أن خصصت دورية "الثقافة العالمية" الكويتية، عدداً خاصاً نشرت فيه الأوراق البحثية الممتازة التي قدمها أولئك الباحثون، ومن بينها ورقة د. ميشيل متياس، الأستاذ في الفلسفة بكلية Millsaps College الأميركية، ركز فيها على أهمية امتلاك المتحاورين مقدماً مفهوماً مشتركاً للحوار، واعتبر أن حوارات الأديان تنتفي قيمتها إذا ما انطلق المشاركون فيها من فرضية أن ديني هو الدين الحق للنجاة والسعادة الأبدية. ومما جاء فيها: "يدعي المتفرد الصارم بأن دينه هو دين "الحق"، وأن كل الأديان الأخرى هي إما خاطئة، أو غير مكتملة أو مضللة"، وفي تقديرنا أن متياس إنما يريد أن يقول لنا بمعنى آخر: إن الحوار غرضه تمتين التفاهم والعيش المشترك بين أبناء الأديان والملل والمذاهب المختلفة؛ للنأي بها عن التوتر والاحتراب اللذين يضران بالجميع، ونرى أن هذه القاعدة ليست صالحة لانطلاقة الحوار بين أتباع الديانات المختلفة فحسب، بل وصالحة أيضاً لأتباع أيضاً الثقافات والسياسات والآيديولوجيات المتعارضة، وبضمنها الممثلة في الدول المتحاربة التي تتبناها.
وأحسبُ أن المفكر ورجل الدين السعودي الشيخ حسن الصفار هو واحد من دعاة الحوار الذين يمتلكون الفهم الصحيح لمقاصد موائد الحوار الموضوعي الهادئ والهادف، سواء كان الحوار بين كبار أتباع الديانات والمذاهب، أو بين قادة وممثلي الدول والحركات السياسية، وتعود معرفتي بهذا الرجل الثقافية إلى أوائل العقد الأول من ألفيتنا الجارية عندما حضرت له في جامع الصادق بالقفول محاضرة قيّمة، شدتني إليها طريقة المحاضر في عرضها، وكذلك مستواها الثقافي الرصين. وقبل هذه المحاضرة لم أكن قد قرأت له سوى كتابين، صدرا أواخر التسعينيات عن دار الجديد البيروتية، الأول بعنوان "علماء الدين قراءة في الأدوار والمهام"، والثاني صدر عن الدار نفسها بعنوان "الشيخ محمد أمين زين الدين الدور الأدبي والجهادي"، بالشراكة مع المرحوم الدكتور عبدالهادي الفضلي رئيس قسم اللغة العربية في جامعة الملك عبدالعزيز.
واُقيمت للفضلي حفلة تأبينية في قرية الدير، قدمها الصديق والأستاذ اللغوي والتربوي الراحل الدكتور علي هلال، وكتبت على إثرها مقالاً صحافياً محلياً تقريظيا في الفعالية ومناقب الفقيد الفضلي في ضوء ما قرأت له من بعض أعماله. ويتميز أسلوب الصفار في الكتابة بمنهجية علمية صارمة تراعي التكثيف، وجزالة الألفاظ وسلاسة ترتيب الأفكار وتركيزها، والابتعاد عن الإسهاب الممل والاطناب الذي قد ينزلق بالباحث إلى الخروج عن صلب الموضوع، وهذه لعمري كلها سمات الباحث العلمي المحترف. وقد صدرت له عشرات الكتب التي تتناول قضايا الحوار والتسامح مع الآخر، سواء كان مسلماً أم مسيحياً، كما تتناول سُبل تعزيز الوحدتين الوطنية والإسلامية وقطع الطريق على دابر المتربصين بهما.
وإذا كان الكتاب يُقرأ من عنوانه كما يُقال، فإن الصفار عني باختيار عناوين كتبه الإسلامية التي تعكس بدقة أفكاره حول الموضوعات التي يبسطها في متون فصولها. ومن هذه الكتب: العقلانية والتسامح.. نقد جذور التطرف، التسامح وثقافة الاختلاف، الدين والقيم الإنسانية، تمكين المرأة.. الفرص والتحديات، التعددية والحرية في الإسلام، الحوار والانفتاح على الآخر، المذهب والوطن، رؤية حول السجال المذهبي، العمل والفاعلية طريق التقدم، الخطاب الإسلامي وحقوق الإنسان، المشكل الطائفي والمسؤولية الوطنية، الإصلاح الديني والسياسي، الإنسان قيمة عليا، المذهب والوطن مكاشفات وحوارات"، وهذا الكتاب الأخير كان في الأصل حواراً طويلاً وصريحاً للغاية أجرته معه صحيفة "اليوم" السعودية، وقد تميزت أسئلتها فيه بالمصارحة، فيما تميزت إجاباته عنها بتوخيه الشفافية بأكبر قدر ممكن، دون الالتفاف على تلك الأسئلة، أو المراوغة والتهرب منها.
والحال أن رجل الدين والباحث الإسلامي حسن الصفار يمكن القول إنه واحد من أكثر الوجوه المعروفة بالوسطية والاعتدال والعقلانية على الساحة العربية الخليجية بوجه عام، والسعودية بوجه خاص، كما أجرت معه بعض قنواتها مقابلات متميزة، كما له حوارات منشورة في العديد من صحفها.