الاتقان والتطوير في مجال إكرام الموتى
كلمة سماحة الشيخ حسن الصفار في لقاء بجمعية الفردوس لإكرام الموتى بمناسبة زيارة الأمين العام لمؤسسة إكرام الموتى في المملكة المهندس عبدالعزيز النغيثر صباح يوم الثلاثاء 17 جمادى الآخرة 1444هـ الموافق 10 يناير 2023م
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين
والصلاة والسلام على نبينا محمد واله الطاهرين وصحبه المنتجبين
سعادة المهندس عبدالعزيز النغيثر الأمين العام لمؤسسة إكرام الموتى ومرافقيه، ضيوفنا الأعزاء، الإخوة الكرام.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هناك حديث مشهور متداول عن رسول الله أنه قال: (إنَّ اللّه تَعالى يُحِبُّ إذا عَمِلَ أحَدُكُم عَمَلاً أن يُتقِنَهُ)[1] ، هذا الحديث ورد في عدد من المصادر الحديثية، وقد أصبح عنواناً للجودة والاتقان، في مختلف المجالات، ولكن ما لا يلتفت إليه كثيرون أن هذا الحديث قيل في مناسبة ترتبط بإكرام الموتى، هذا النص وهذا الإعلان أطلقه رسول الله وهو يشارك في تهيئة قبر لأحد أصحابه وهو سعد بن معاذ في رواية، وفي رواية أخرى أنه كان في تهيئة قبر ولده إبراهيم، والنبي بنفسه، كان يشارك في تهيئة القبر وترتيبه، فيطلب لبنة وحجراً، ويهتم بتنسيقها وملئ الفرج بينها، بشكل ملفت، ولما رأى رسول الله أن الناس تعجبوا من اهتمامه بقبر لن يستفيد منه أحد من الأحياء، وما كان يحتاج هذا الاهتمام في نظرهم، وإجابة على استغرابهم، قال كما في إحدى الروايات: (إنّي لَأعلَمُ أ نَّهُ سَيَبلى ويَصِلُ إلَيهِ البلى، ولكِنَّ اللّهَ تعالى يُحِبُّ عَبدا إذا عَمِلَ عَمَلًا فَأحكَمَهُ)[2] ، اطلاق هذا الإعلان جاء في هذه المناسبة من أجل تعزيز أمرين في المجتمع الإسلامي:
الأمر الأول: أن يكون الاتقان والاحكام والجودة شعار المسلم ونهجه في ممارسة أي عمل من الأعمال، ولا ينبغي للإنسان الواعي أن يكون فوضويًا، غير منظم في أي شأن من الشؤون، حتى إذا ذهب الانسان إلى بيت الخلاء لقضاء حاجته هناك آداب، كيف تدخل؟ وكي تخرج؟ وكيف تتنظف وتتطهر؟ حتى يتربى الانسان المسلم على استهداف الجودة والاتقان والاحكام في كل أعماله وانشطته.
الأمر الثاني: الاهتمام الديني بإكرام الانسان ليس في حياته فقط، وإنما احاطته بالاحترام حتى بعد وفاته، الانسان الذي كرّمه الله بقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾، و الذي خلق الكون والحياة من اجله، وسخّر له ما في السماوات وما في الأرض، ينبغي ان يعيش الاكرام في حياته، ولا ينقطع عنه الاكرام حتى بعد وفاته.
وهناك حديث أن رسول الله كان جالسا مع أصحابه فـ (مَرَّتْ بِهِ جَنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ إِنَّهَا جَنَازَةُ يَهُودِيٍّ فَقَالَ: "أَلَيْسَتْ نَفْسًا")[3] ، الانسان بما هو انسان له التكريم والاحترام.
من هنا فإننا نجد في مجتمعاتنا الإسلامية ومنها مجتمعنا في المملكة العربية السعودية ومحافظة القطيف، ان الناس طوال تاريخهم كانوا يهتمون بتوفير حالة الاكرام والاهتمام بالإنسان عند وفاته، وبعد وفاته، حسب التعاليم الدينية، وضمن اعراف ومبادرات عفوية عند أبناء المجتمع، و لا بد أن يكون هناك تطوير وتنظيم؛ لأن الاتقان يجب أن يكون بحسب كل عصر، ويتماشى مع تطور الحياة، الاتقان في ذلك العصر يختلف عن الاتقان في هذا العصر، و نحن نعيش في عصر تتنافس فيه الدول والمجتمعات في معايير الجودة والاتقان في كل جوانب الحياة، ويساعد على ذلك أن وطننا الغالي يعيش الان في ظل رؤية طموحة، (2030) تسعى للارتقاء بالوطن، وشأن المواطنين في مختلف المجالات، وضمن هذه الرؤية هناك تشجيع للنشاط الأهلي والعمل التطوعي، من هنا كان لا بدّ أن يتجه الأهالي في كل منطقة لكي تأخذ عملية إكرام الموتى بعداً منظماً مقنناً، يتماشى مع تطورات العصر والحياة، ومن هذا المنطلق انطلقت جمعية الفردوس لإكرام الموتى في محافظة القطيف، وقد وجدت تفاعلاً من أهالي المنطقة، وسيكون التفاعل والتجاوب أكثر وأكبر في الأيام المقبلة ان شاء الله.
متفائلون جدًّا بإعلان هذه الجمعية، وبدء مسيرتها المباركة، وسيحتضنها الناس ويتعاونون معها، وأجهزة الدولة لن تقصر في دعم هذه المبادرات، الميزانيات التي تعتمدها الدولة لهذه المجالات ميزانيات كبيرة، لكن الأمر يبقى منوطاً بالجهاز الوظيفي في كل منطقة، كلما كان الجهاز الوظيفي أرقى وعيًا واكثر جديّة واخلاصاً، استطاع ان يحقق ما تستهدفه خطط الدولة في مختلف المجالات، واخوتنا الأعزاء المسؤولون في بلدية القطيف، وفي امانة المنطقة الشرقية، كلهم ان شاء الله متعاونون مع هذه الجمعية، وسائر الجمعيات المعنية بهذا الشأن، ونأمل الخير والبركة للجميع في ظل القيادة الرشيدة، وفي ربوع هذا الوطن المعطاء.
شكرا لكم جميعاً وخاصة ضيوفنا الأعزاء المهندس عبدالعزيز النغيثر الأمين العام لمؤسسة إكرام الموتى في المملكة، والمهندس محمد الجود رئيس جمعية إكرام الموتى في مدينة الخبر.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وقد بدأ اللقاء بكلمة من رئيس الجمعية الأستاذ حافظ الفرج ترحيبًا بالضيوف الكرام، وتعريفًا بدور الجمعية وبرامجها، وقدم أمين عام مؤسسة إكرام الموتى في المملكة المهندس عبد العزيز النغيثر، كلمة شكر فيها الحضور على حسن الاستقبال، كما شرح في كلمته أهمية حوكمة القطاع غير الربحي ليتم دعمه بأفضل صورة، وأشاد بالنشاط التطوعي الفريد في القطيف في شتى المجالات وخاصة إكرام الموتى، ووجه بأهمية توعية المجتمع بالتغييرات الجديدة في المقابر مثل الأرشفة ومواقع القبور.
وأبدى “النغيثر” استعداد المؤسسة -التي وصفها بالأخ الكبير- للدعم والمساندة لجمعيات إكرام الموتى على مستوى المملكة، وعرض أبرز التطبيقات التي سيتم طرحها قريبًا للمواطنين لتسجيل حالات الوفاة وطلب نقل الموتى بين المناطق، وغيرها من المشروعات الضخمة لتسهيل العمل الإداري.
وشارك أيضًا “محمد بن عبد العزيز الجود” من جمعية إكرام الموتى في الخبر، بكلمة داعمة ومؤازرة لجهود جمعية الفردوس، وطرح تجربتهم في الخبر كنموذج يوضع في الاعتبار من خلال المشاركة المجتمعية من قبل رجال الأعمال.
واختتم اللقاء بفتح النقاش لمعرفة أبرز احتياجات المقابر والمغتسلات في المحافظة مع أعضاء الجمعية وموظفي البلدية في قسم إكرام الموتى، وتم تكريم الضيوف الأفاضل بهدايا تعكس تاريخ القطيف وعراقتها، بعدها قام الوفد بزيارة مقبرة الخباقة ومقبرة الشهداء.