الشيخ الصفار: تعزيز مرجعية العقل أمام التأثيرات الاجتماعية
دعا سماحة الشيخ حسن الصفار إلى تعزيز مرجعية العقل أمام التأثيرات الاجتماعية، ورفض الانحياز للرأي السائد دون تفكير.
وقال: إن على الإنسان ألا يقبل فكرة أو يرفضها لأن الناس حوله قبلوها أو رفضوها، ولا يقبل اتهامًا على أحد خاصة في أجواء الصراع والتنافس دون تحقّق وتبيّن.
جاء ذلك في خطبة الجمعة 9 جمادى الآخرة 1445هـ الموافق 22 ديسمبر 2023م بمسجد الرسالة بمدينة القطيف شرقي السعودية بعنوان: التحيّز الذهني الاجتماعي.
وأوضح سماحته أن التحيّز الذّهني الاجتماعي، يعني ميل الإنسان على صعيد الأفكار والمواقف، إلى الرأي السائد في محيطه الاجتماعي، على حساب الاختيار العقلاني.
وتابع: فالإنسان ينضمّ وينحاز إلى ما عليه جماعته أو مجتمعه، لا لأنه درس الفكرة أو الموقف، واقتنع به وفق مبادئه واختياره العقلاني، وإنما متابعة ومسايرة لمجتمعه.
وأضاف: يفترض أن يرجع الإنسان إلى عقله في تبني أي فكرة أو اتخاذ أي موقف، وخاصة حينما يتعلق الأمر بشأنٍ مهم ومصيري، له تأثير على حياته ومستقبله. فهو كائن عاقل مسؤول عن اختياراته.
واستدرك: لكن مشكلة الإنسان الأساس هي التحيّزات الذهنية التي تعرض له.
وقال: إن من أهم أسباب الهلاك والضلال ما يعبّر عنه المجرمون يوم القيامة بقولهم: ﴿وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ﴾.
وابان أن العلماء تحدثوا عن ألوان من التحيّزات الذهنية، وفي طليعتها التحيّز الاجتماعي. فغالبية الناس ينساقون مع الرأي والموقف السائد في مجتمعهم دون تفكير.
وعن الدوافع للتحيز الذهني قال سماحته: هناك من يؤثر الراحة ويهرب من بذل الجهد في التفكير، ودراسة الأمور، وتحمّل مسؤولية النتائج.
وتابع: أكثر الناس يتّسمون بالكسل الفكري، فلا يميلون إلى تشغيل أذهانهم، وإعمال عقولهم، ويتهيبون تحمّل المسؤولية، فيتّبعون غيرهم. وعند المحاسبة والعتاب يعتذرون بإلقاء اللائمة على الآخرين.
وأشار إلى أن من أسباب الانحياز ضعف الثقة بالنفس، والتردد في التمسك بالرأي مقابل راي الجماعة، حيث يحدّث المرء نفسه بأنه لا يمكن أن يكون كل هؤلاء على خطأ وأنا على صواب، فيبدأ بالتشكيك في رأيه، ثم يميل شيئًا فشيئًا إلى رأي الجماعة.
وأرجع تحيز بعض الناس إلى الرغبة في التكيف الاجتماعي، واجتناب الصدام والتنافر مع المحيط، خاصة في المجتمعات التي لا تقبل الرأي الآخر، ولا تسمح بحرية التعبير عن الرأي، وتفرض الحصار والمقاطعة على المخالف والمختلف، مما يسبب له ضغطًا وألمًا نفسيًا.
وأبان أن الإنسان حينما ينتمي إلى مجموعة محددة، فإنه يتأثر بتوجهاتها ومواقفها، ويحرص على التوافق معها.
وأشار إلى أن في عصرنا الحاضر تهتم الجهات المختلفة بصنع الأجواء المؤثرة على أفراد المجتمع لدفعهم وسوقهم إلى ما يخدم أغراض تلك الجهات، على الصعيد الثقافي والسياسي والاقتصادي، عبر الدعاية والإعلان والإعلام، والاستفادة من الوسائل الالكترونية السائدة، واصطناع بعض البرامج الموهمة.
وتابع: نلحظ مثلًا على الصعيد السياسي نشاط الجهات المتنافسة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلدان الأخرى. أما في المجال الاقتصادي نرى بوضوح كيف تصنع حالة إقبال على شراء سلعة معينة من الملابس، أو السيارات، أو التليفونات، أو الأسهم، فيما يسمى بالموضة.
واستشهد بما عرف بظاهرة الطوابير أو "اللاينات" أمام بعض المحلات التجارية، التي يتراءى فيها زبائن ينتظرون لساعات في أماكن عامة، ثم يتضح أنها تُستخدم كوسيلة للدعاية والإعلان.
وقال: إذا كان على الإنسان أن يدرك تأثير هذه الأجواء المصطنعة على قراراته في المجال الاقتصادي، فإن الجانب الأخطر الذي يجب أن ينتبه له، هو ما يتعلق بما يتبنى من أفكار ومواقف على الصعيد الديني والاجتماعي.
وحث على اتباع المجتمع والجماعة في الجوانب الإيجابية، أما في حالات الظلم والانحراف، فلا يصح للإنسان أبدًا أن يستسلم للحالة السائدة، وإنما ينأى بنفسه عن ذلك.
وتأسف لأن كثيرًا من الأفكار الإصلاحية النافعة قد اجهضت في الساحة الدينية، بسبب تأثّر الناس بالأجواء المصطنعة ضدها، وإن أكثر المصلحين واجهوا الخذلان من محيطهم الاجتماعي بسب الاتهامات الباطلة من المناوئين لهم.