الشيخ الصفار يحذّر من اتهام الناس في دينهم
حذّر سماحة الشيخ حسن الصفار من اتهام الناس في دينهم والاعتداء على شخصياتهم المعنوية وتشويه سمعتهم.
وتابع: إذا كانت أي تهمة بغير حق لأي أحد مرفوضة، فإن اتهام الإنسان المسلم في دينه تعتبر الأشد سوءًا وقبحًا.
جاء ذلك في خطبة الجمعة 16 جمادى الآخرة 1445هـ الموافق 29 ديسمبر 2023م بمسجد الرسالة بمدينة القطيف شرقي السعودية بعنوان: اتهام الناس في دينهم.
وأوضح سماحته أن الاتهام في الدين يعني؛ التشكيك في انتماء الإنسان للإسلام، ورميه بالكفر، أو الارتداد عن الدين، أو التشكيك في انتمائه للمذهب الذي يتبناه، ونسبته إلى مذهب آخر، او اتهامه بالابتداع في الدين والضلال عنه، أو بعدم الالتزام بفرائض الدين.
وتابع: إن مثل هذه الاتهامات لها وقع شديد على نفس الإنسان المسلم، لأنه يعتز بدينه، وهو عنوان هويته وانتمائه، وحين يتهم في دينه فإنه إنكار لأشدّ خصوصياته، واعتداء على أهم مقومات شخصيته وحقوقه المعنوية، لقوله : «كُلُّ اَلْمُسْلِمِ عَلَى اَلْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ».
وأضاف: كما أن هذه الاتهامات تشوّه سمعته، وتسقط مكانته في مجتمعه الديني، وتترتب عليها آثار خطيرة، يتضرر بها في حياته الشخصية والاجتماعية.
وأشار إلى أن للمسلم حصانة تحمي حياته وماله وسمعته، فكما لا يجوز الاعتداء على حياته وماله، كذلك لا يجوز الاعتداء على شخصيته المعنوية.
وابان أن مجرد إعلان الإنسان لإسلامه يمنحه الحصانة، ولا يجوز التشكيك في انتمائه للإسلام. مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾.
وتابع: فإذا ما أظهر الإنسان علامة من علامات الإسلام، كالنطق بالشهادتين، أو إلقاء تحية الإسلام، قُبل ادعاؤه، وحسب من المسلمين.
وأرجع سماحته بداية التكفير إلى ظهور الخوارج الذين "ابتدعوا التكفير بين المسلمين بعد واقعة التحكيم في صفين، وحكموا بالكفر على من خالف رأيهم بعدم قبول التحكيم، فكفّروا حتى أمير المؤمنين عليًا ".
ومضى يقول: قد ضرب أمير المؤمنين علي أروع الأمثلة في التسامي على هذا الاتجاه المتطرف، ولم يسمح بتكفير حتى من كفّره وحاربه.
واستشهد بما نقله الإمام الباقر : «أَنَّ عَلِيّاً لَمْ يَكُنْ يَنْسُبُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ حَرْبِهِ إِلَى اَلشِّرْكِ وَلاَ إِلَى اَلنِّفَاقِ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَقُولُ هُمْ إِخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا».
وأشار إلى شيوع حالة الاتهام في الدين في الساحة الإسلامية، كسلاح بين المتنافسين والمتخاصمين، ومع الأسف الشديد فإن هذه الحالة تكثر في وسط علماء الدين غالبًا، حيث يحصل التنافس والتحاسد فيما بينهم، فيسعى بعضهم لإسقاط منافسيه وخصومه من شريحته، باتهامهم في دينهم.
وتابع: ذلك لأن رأس مال عالم الدين في المجتمع هو ثقة الناس به، باعتباره يمثل الدين، والمصدر لتعاليمه، فإذا اُتّهم بالخروج من الدين أو الضلال عنه، تهتز ثقة الناس به، وتتضاءل وتنتهي رمزيته ومكانته في وسطهم، وهو ما يسعى المتخاصمون والمتحاسدون لإيقاع بعضهم بعضًا فيه.
وأضاف: أما الأدوات المستخدمة فهي التكفير والتبديع والتفسيق والإخراج من المذهب والاتهام بالميل إلى المذهب الآخر.
وقال إن في الوسط السني هناك من يتهم بالتّشيع أو الميل إلى الشيعة، وفي الوسط الشيعي هناك من يتهم بالتّسنن أو الميل إلى السنة.
وتابع: نجد في تاريخ الحالة الدينية الماضي والحاضر سجلات مليئة بمثل هذه الاتهامات في الدين، بين المذاهب وداخلها.
واستشهد بعدد من الشخصيات العلمية السنية التي اتهمت بالزندقة أو التشيع أو تركها للصلاة، وكذلك في الجانب الشيعي استعرض أسماء بعض العلماء الذين نالتهم الاتهامات في دينهم وعقيدتهم، ومعاناة السيد محمد باقر الصدر من الذين اتهموه بالتسنن أو أن فكره تلفيقي.
وعن سؤال: ما العمل في مواجهة هذه الحالة، فكل طرف من الساحة لهم علماء يثقون بهم، وحين تصدر منهم اتهامات لعلماء آخرين يتأثرون بهم، ويتبنون لك الاتهامات؟
قال سماحته: إن العلماء بشر غير معصومين فلابد من الرهان على وعي الناس، بأن يرفضوا أسلوب الاتهام في الدين، من أي جهة صدر، ويكون المجال مفتوحًا لتعدد الآراء والتوجهات، واختلاف الرأي المنضبط بالضوابط الشرعية والأخلاقية.