الشيخ الصفار: قد تتحول العبادة والعمل الديني إلى سبب للنزاع والعدوان
قال سماحة الشيخ حسن الصفار إن قصة ابني آدم تشير إلى أن العمل الديني والعبادي يمكن أن يتحول بسبب الأغراض المصلحية والروح الأنانية، إلى سبب ومبرر للنزاع والعدوان.
وتابع: إن الحسد كما يكون تجاه المكاسب المادية، يكون كذلك تجاه المكاسب المعنوية، وهو من أسوأ أنواع الحسد، لأنه يشوه ويلوث الأجواء الدينية والمعنوية.
جاء ذلك في خطبة الجمعة 11 رمضان 1445هـ الموافق 22 مارس 2024م بمسجد الرسالة بمدينة القطيف شرقي السعودية بعنوان: مشكلة الإنسان مع أخيه الإنسان.
وأوضح سماحته أن القرآن الكريم يشير في عدد من آياته إلى أن حصول الاختلافات في الوسط الديني هي بسبب البغي بين حملة الدين.
مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾.
وتابع: قد يحسد عالم دين عالمًا آخر لأنه حقق مستوى علميًا أرقى منه، أو كسب ثقة والتفافًا اجتماعيًا أوسع منه.
وأضاف: وقد يحصل تنافس غير شريف بين ذوي الاهتمامات والمؤسسات الدينية المختلفة، كالمساجد والحسسينيات وسائر البرامج والأنشطة الدينية.
وبيّن أن في قصة ابني آدم تحذيرًا واضحًا من هذا المنحدر الخطير.
وأشار إلى أن قصة ابني آدم تقدم درسًا وعبرة، وتسلط الضوء على مشكلة الإنسان في علاقته مع أخيه الإنسان، وهي مشكلة فرط الأنانية التي تدفع إلى العدوان. وقد تصل الجرأة إلى إنهاء حياة الآخر.
وتابع: القصة تتلخص في أنهما ﴿قَرَّبَا قُرْبَانًا﴾ يعني قدم كل منهما عطاءً يتقرب به إلى الله ﴿فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ﴾.
ولفت إلى أن سبب قبول القربان ورفضه، أن أحدهما كان صادقًا في نية تقربه إلى الله تعالى، وكان يعيش تقوى الله في داخل نفسه، أما الآخر فقدم قربانه بدافع المنافسة والتظاهر والتباهي، ولم تكن نفسه عامرة بتقوى الله.
وذكر أن قابيل اشتد غضبه لأن الله لم يتقبل قربانه، وصب جام غضبه على أخيه هابيل تهديدًا وارعابًا.
وتابع: وبدل أن يراجع قابيل نفسه، ويعالج نقطة ضعفه، بالتوبة إلى الله، وإخلاص النية له، فكر في الانتقام من أخيه هابيل.
وأضاف: لم يواجه هابيل التهديد بتهديد مقابل، بل أرشد أخاه إلى أن يراجع نفسه في علاقته مع الله، ذلك أنه ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾.
وأبان أن رفض هابيل الرد على تهديدات قابيل هو خوفه من الله، وهنا تتجلى ثمرة التقوى، وهي الخوف من الله الذي يردع الإنسان عن الظلم والعدوان.
ومضى يقول: يبدو أن صراعًا دار في داخل نفس قابيل، وانطلق صوت من ضميره ووجدانه لتحذيره من فداحة ما يريد الاقدام عليه، لكن نفسه الأمارة بالسوء، والطافحة بالحسد، اسكتت صوت ضميره، ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
وعن العبر والدروس من هذه القصة قال سماحته: أن الهدف من هذه القصة هو تسليط الضوء على أهم تحدٍ يواجهه الإنسان في حياته الاجتماعية، وهو علاقته مع أخيه الإنسان.
وتابع: هذه العلاقة تتراوح بين مسارين، مسار هيمنة الروح المصلحية الأنانية، ومسار الانطلاق من قيم عليا دينية وأخلاقية، وقد مثّل قابيل المسار الأول، فقاده حسده لقتل أخيه، بينما مثل هابيل المسار الآخر، حيث منعه خوفه من الله عن التفكير في قتل أخيه.
وأبان أن رابطة الرحم والنسب يفترض أن تعزز حالة المودة والتواصل، وتمنع حصول الإساءة والعدوان، وخاصة بين أخوين منحدرين من أب واحد وأم واحدة، ونشأا في كنف واحد، وتلقيا تربية صالحة من آدم .
وتابع: لكن النفس الأمارة بالسوء دفعت قابيل لهتك كل تلك الحرمات، وقتل أخيه المسالم.
وأبان أن عرض هذه الحادثة يستهدف التحذير من الوقوع في هذا الجرم الفظيع، وكأن الله تعالى يخاطب كل إنسان، احذر أن تكون مثل قابيل مؤذيًا لأحد من إخوتك، أو معتديًا عليه بأي شكل من أشكال العدوان.
وحذّر سماحته من الاغتيال المعنوي لأنه "لا يقل فظاعة عن التصفية الجسمية".
وقال: من المؤسف أن نجد حدوث هذا السلوك القابيلي بين اخوة مؤمنين، أشقاء أو غير أشقاء، وغالبًا ما يكون الاختلاف والتنازع في الإرث سببًا للعدوان وانتهاك الحرمات بين الأخوة والأخوات.
للمشاهدة: