الشيخ الصفار: ذكر الآخرة يعزز الشعور بالمسؤولية والانضباط السلوكي

قال سماحة الشيخ حسن الصفار: إن ذكر الآخرة يدفع الإنسان لتجنب مزالق الدنيا، ويدفعه للتطلع لتجسيد القيم السامية على حساب الرغبات الدنيوية الزائلة.
وتابع: إن وظيفة الإيمان بالآخرة، تذكير الإنسان بالمسؤولية عن تصرفاته وأعماله في هذه الحياة، وأن كل أقواله وأفعاله موثّقة مسجّلة عليه، وسيسأل عنها يوم القيامة، ويجازى عليها ثوابًا وعقابًا.
جاء ذلك ضمن خطبة الجمعة 21 رمضان 1446هـ الموافق 21 مارس 2025م، في مسجد الرسالة بالقطيف شرقي السعودية بعنوان: حضور الآخرة في فكر علي وسيرته.
وأوضح سماحته أن الإيمان بالآخرة يلفت الإنسان إلى أن ما يجده في الدنيا من متع وملذات، وما يواجهه من آلام وصعوبات، هي مجرد عينة ونموذج صغير، لما ينتظره في الآخرة من نعيم عظيم دائم، أو عذاب شديد مقيم.
وتابع: إذا كان يهمه كسب هذه الملذات الضئيلة في الدنيا، وتجنب آلامها المحدودة، فإن عليه أن يفكر في تأمين مستقبله الأخروي، الذي لا يقاس بنعيمه وعذابه شيء من نعيم الدنيا وآلامها.
واستدرك: لكن مشكلة الإنسان هي الاستجابة لضغوط الرغبة الحاضرة، والانشغال عن مصالحه الكبرى المستقبلية.
وأبان أن سيطرة هموم الدنيا على الإنسان، وانشغاله بها عن التفكير في آخرته، هو الذي يجعله أسير الشهوات والرغبات، ويوقعه في المعاصي والموبقات. وهو ما يسبب له الشقاء في الدنيا والآخرة.
وتابع: لذلك تهتم النصوص الدينية بتذكير الإنسان بالآخرة، لضبط حركته وتصرفاته في الدنيا. فجاءت مئات الآيات في القرآن الكريم تتحدث عن المعاد والآخرة.
سيرة علي وفكره
وبمناسبة ذكرى شهادة أمير المؤمنين علي قال سماحته: من يقرأ سيرة أمير المؤمنين علي
، ويستعرض كلماته وتوجيهاته، في خطبه ورسائله وسائر أحاديثه، يجدُ حضورًا مكثّفًا للآخرة في فكره وسيرته.
وتابع: إنه يؤكد على استحضار الآخرة، لأن ذلك يحفّز الإنسان لتحقيق الصلاح في حياته. مستشهدًا بما ورد عن أمير المؤمنين علي : «مَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ اَلْآخِرَةِ، قَلَّتْ مَعْصِيَتُهُ».
وأضاف: إنه يدعو إلى إعطاء الأولوية للآخرة، فبذلك يربح الإنسان الدنيا.
مستشهدًا بما ورد عنه : «مَنِ اِبْتَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ رَبِحَهُمَا، ومَنْ بَاعَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ خَسِرَهُمَا».
ولفت إلى أن الإنسان إذا كان يسعى لتحصيل مكاسب الحياة، ونيل ملذّاتها، ويحرص على تجنيب نفسه الآلام والمكاره فيها، فإن الإمام عليًا ، ينبه الإنسان إلى أهمية مكاسب الآخرة، وخطورة آلامها ومكارهها، فهي أولى بالاهتمام والحذر.
واستشهد بقوله : «مَا خَيْرٌ بِخَيْرٍ بَعْدَه النَّارُ، ومَا شَرٌّ بِشَرٍّ بَعْدَه الْجَنَّةُ، وكُلُّ نَعِيمٍ دُونَ الْجَنَّةِ فَهُوَ مَحْقُورٌ، وكُلُّ بَلَاءٍ دُونَ النَّارِ عَافِيَةٌ».
وأشار إلى أن أمير المؤمنين علي في سيرته قد وضع الآخرة نصب عينيه، وعاش عالم الآخرة في الدنيا، وكان يتطلع للآخرة في كل لحظة من لحظات حياته، وحينما اقترب موعد لقائه بربه، رأى ذلك فوزًا عظيمًا، فقال عند إصابته بسيف ابن ملجم: «فُزتُ ورَبِّ الكَعبَةِ».
وذكر أن الإمام ركّز كثيرًا على التذكير بعذاب الله في نار جهنم، ليستثير رادع الانحراف والمعصية في نفس الإنسان. يقول
: «واعْلَمُوا أَنَّه لَيْسَ لِهَذَا الْجِلْدِ الرَّقِيقِ صَبْرٌ عَلَى النَّارِ، فَارْحَمُوا نُفُوسَكُمْ، فَإِنَّكُمْ قَدْ جَرَّبْتُمُوهَا فِي مَصَائِبِ الدُّنْيَا».
وأشار إلى أن استحضار الآخرة عند الإمام علي ، لا يعني اهمال شؤون الدنيا، بل يعني إدارة أمور الدنيا في إطار القيم والمبادئ الدينية والأخلاقية.
وأكّد أن ميزة الإنسان المؤمن السعي للنجاح في حمل همّي الدنيا والآخرة، وتحقيق التوازن بينهما، مستشهدًا بما ورد عنه : «إِنَّ طَلَبَ اَلْمَعَاشِ مِنْ حِلِّهِ لاَ يَشْغَلُ عَنْ عَمَلِ اَلْآخِرَةِ».
وختم بقوله: لا يكفي مجرد الإيمان بالآخرة عقديًا ونظريًا، بل لابد من استحضار هذا الإيمان، وتفعيل أثره في نفس الإنسان، لينعكس ذلك على سيرته وسلوكه.