أحيوا أمرنا محاضرات في العقيدة والسيرة والآداب
مقدمة كتاب ابتهال محمد الشيخ إبراهيم الخرس

بسم الله الرحمن الرحيم
إقامة المجالس وعقد الاجتماعات لإحياء ذكريات أهل البيت ، سنّةٌ دأبت عليها المجتمعات الشيعية من قديم الزمان، بتوجيه الأئمة الطاهرين
، وهي تستهدف إحياء أمرهم، حسب ما جاء في الأحاديث الواردة عنهم، وذلك باستحضار سيرتهم العطرة، ومحاسن كلامهم، وعظيم تضحيتهم، وما نالهم من المصائب والأذى في جنب الله. ليقتدي بهم الموالون لهم.
وتتشكّل هذه المجالس والاجتماعات من صنفين: الصنف الأول يحضره الرجال، والصنف الثاني: يحضره النساء وتكون الخطيبة منهن، وقد يخصّص مكان للنساء لاستماع الخطب في مجالس الرجال.
وقد أصبحت هذه المجالس مصدراً أساساً للتوجيه والإرشاد الديني، في المجتمعات الشيعية، ومنبراً للتعبئة الروحية والثقافية، وترسيخ الولاء للنبي وآل بيته الكرام.
وكان من الطبيعي أن يتطور الخطاب ومادة الحديث والتوجيه في هذه المجالس، تبعًا لتطور مستوى الوعي والمعرفة في المجتمع، وتغيرات الظروف والأوضاع الاجتماعية، واستجابة للتحديات الفكرية والثقافية القائمة.
لكن هذا التطور يبدو واضحاً وبارزًا في الصنف الأول، وهي مجالس الخطباء الرجال، أما في الصنف الثاني وهي المجالس النسائية، فإن التطور فيها لا يزال أبطأ وأضعف، وذلك لمحدودية الفرص المتاحة أمام المرأة، لكسب العلوم والمعارف الدينية.
وهناك الآن بشائر ومؤشرات إيجابية على هذا الصعيد، من خلال تأسيس أقسام في الحوزات العلمية والمعاهد الدينية للطالبات، وتوجّه شريحة من النساء للتثقيف الذاتي في مجال المعرفة الدينية. خاصّة ممن يمارسن الخطابة في المجالس النسائية، حيث بادر بعضهن للاستفادة من تجارب الخطباء المتميزين، واتجهن لإعداد المحاضرات والخطب على منوالهم، وتجاوز أسلوب الخطابة التقليدية، التي تقتصر على إثارة العاطفة، وقراءة السيرة المتعارفة في المجالس النسائية.
ونفخر الآن ببروز عدد ـ وإن كان قليلاً ـ من الخطيبات الواعيات، ومن ذوات المستوى العلمي والثقافي المتقدم.
وعلى المجتمع أن يشجّع ويدعم جهود ومبادرات تطوير المجالس الحسينية النسائية، فالمرأة في هذا العصر تواجه تحديات فكرية وسلوكية خطيرة، حيث تستهدفها التيارات المناوئة للدين والقيم، بشعارات مغرية برّاقة، لتنحرف بها عن مسار دورها الإنساني العظيم، كمربية للأجيال، ونبع للعطف والحنان، وركن أساس في كيان الأسرة، وشريكة للرجل في إدارة شؤون الحياة، وحفظ الأمن الأخلاقي للمجتمع.
إن التيارات المادية الجارفة وتحت عنوان تحرير المرأة، تريد انتزاع عفتها وكرامتها، والمتاجرة بأنوثتها، وتحريض النزعة الأنانية في نفسها، على حساب ما فطرها الله عليه من عاطفة الأمومة وروح البذل والعطاء.
ولا شك أن لهذه الاتجاهات آثاراً مدمرة على استقرار المجتمع، وأمنه الأخلاقي، والتزامه الديني.
وتتيح المجالس النسائية الحسينية أفضل الفرص لتحصين المرأة في مجتمعاتنا، من التأثيرات المحتملة لهذه الاتجاهات، من خلال بثّ الوعي الديني، وتعزيز الالتزام الأخلاقي، وذلك لا يتأتى إلا بوجود الخطيبات الواعيات من ذوات الكفاءة العلمية والثقافية.
وقد سرني وأسعدني الاطلاع على هذا الكتاب القيّم (أحيوا أمرنا محاضرات في العقيدة والسيرة والآداب) للخطيبة الفاضلة ابتهال بنت محمد بن الشيخ إبراهيم الخرس حفظها الله ووفقها؛ لأنه يأتي في سياق اتجاه التطوير للمجالس الحسينية النسائية.
فالمؤلفة الفاضلة حرّرت مواضيعه لتلقيها في مجالس خطابتها، وفي ذلك دلالة على اجتهادها في التحضير، ورجوعها للمصادر العلمية والتاريخية، وحسن اختيارها للمواضيع التي تُعنى بترسيخ العقيدة في النفوس، والتربية على مكارم الأخلاق.
وإذا كان هذا الكتاب يمثّل المحاولة الأولى في التأليف من الأخت الفاضلة، فإني لأرجو لها المزيد من التوفيق والتقدم في مسار الخطابة والتأليف، من أجل خدمة الدين والمجتمع.
ولا بدّ لي أن أتقدم بالشكر والامتنان للأخ العزيز، والصديق الوفي، الدكتور الشيخ محمد جواد الخرس زوج المؤلفة الفاضلة، لأنه أتاح لي فرصة الاطلاع على هذا الكتاب، وطلب مني التقديم له.
فهنيئاً له بهذه الزوجة الصالحة، التي تشاركه الاهتمامات المعرفية والدعوية، كما هي شريكة حياته، وهنيئاً لها بهذا الزوج الصالح، الذي تفخر الحوزة العلمية والأوساط الثقافية، بجهوده في البحث العلمي، وعطائه الثقافي، وصفاته الأخلاقية القويمة.
والحمد لله رب العالمين
حسن بن موسى الصفار
26 محرم 1445هـ
13 أغسطس 2023م