أمانة الكلمة ومسؤولية التعبير: قراءة في أفكار الشيخ الصفار

 

عندما يلقي خطيبٌ محاضرةً ما على جمعٍ من المستمعين، ويكونون في حالةٍ من التمعُّن، فإنّ ذلك الخطاب سيستوعبه المستمع وتُخزَّن المعلومة التي ألقاها الخطيب في العقل الباطن للمستمع.

وهذه الحالة موجودة أيضًا عند قراءة الكتب، حيث إنّ أي معلومة تُقرأ مباشرةً تتخزّن في العقل الباطن؛ لذلك نجد أن تلك المعلومات تظهر على لسان صاحبها دون أن يشعر من أين جاءت، لكن الحقيقة أنها قد خُزّنت وتراكمت عليها معلومات أُخرى زادتها نضجًا.

لذلك، على أي خطيب أو مؤلف أن يتحلى بالدقة الموسّعة في جلب المعلومة التي تُلقى أو تُكتب، لأن الكلمة عليها تجليات كبيرة، ومسؤولية خالصة.

وفي المقابل، على المتلقي أو القارئ ألّا يستسلم لكل معلومة تُقذف إليه؛ لا بد من المراجعة والتفكير، فقد تكون المعلومة سلبية وقد تكون إيجابية.

في كتاب أفكار مضيئة لسماحة الشيخ حسن الصفار، الذي صدر مؤخرًا عن المركز الإسلامي الثقافي في لبنان، جسّد فيه المعنى الحقيقي لأمانة الكلمة التي يتلقّاها الناس.أفكار مضيئة

تحدث عن ”التعبير وثقافة الصمت“ شاملاً ثلاثة محاور.

في المحور الأول، الذي عنونه بـ التعبير عن الرأي ودوره في ثقافة الفرد والمجتمع، أكّد أن الحالة السويّة أن يُعبّر الإنسان عن آرائه ويُظهر مشاعره وأحاسيسه، بخلاف الصمت، فإنه حالة غير طبيعية.

وقد أجاب عن سؤالٍ طرحه في الكتاب: ما آثار التعبير عن الرأي؟ فقال: من آثاره تحريك وتنمية فكر الإنسان، وإظهار كفاءته.

أما المحور الثاني، فجاء بعنوان موانع التعبير عن الرأي، وقد قسّمه إلى عدّة نقاط:

المانع الأول: ضعف الشخصية، التي تمنع الإنسان من التعبير عن رأيه خوفًا من أن يكون رأيه غير مصيب.

المانع الثاني: التربية القمعية في العائلة، التي تربي الطفل على كبت رأيه وأحاسيسه، نتيجة القمع، وهذا غالبًا ما يكون في المجتمعات المتخلفة، بخلاف المجتمعات المتقدمة التي تُربي الطفل على إبداء رأيه ومشاعره.

المانع الثالث: الإرهاب الفكري، الذي توسّع فيه الشيخ بشكل كبير، وما نتج عنه من تخلف في الأوساط الاجتماعية، مستشهدًا بقصص واقعية من التاريخ والواقع المعاصر.

كما أشار إلى مانعين آخرين: ثقافة الصمت والقمع السياسي.

وفي المحور الثالث، تحدّث عن تربية الإسلام في التعبير عن الرأي، مستشهدًا بكثير من الأدلة على كيف أنّ الإسلام يستنهض فكر الإنسان، وشارحًا كيف تُثار دفائن العقول، التي لا تُستخرج إلا بالتعبير عن الرأي.

الكتاب يحمل بين دفّتيه مواضيع مهمة لا يمكن حصرها في مقالٍ واحد؛ منها: النقد والتقويم الداخلي، وكيف أن الإمام الصادق   تصدّى لبعض الانحرافات العقدية داخل المذهب.

ومن المواضيع المهمة كذلك: الودّ الإلهي، ملخّصًا أن هذا الودّ لا يحصل مجرد عبادة لله جلّ وعلا، بل لا بد أن تُردف تلك العبادة بالإحسان إلى الآخرين.

كما يضم الكتاب خمسة مواضيع مهمة أخرى، بالإضافة إلى ما ذُكر، منها: قواعد الألفة والمحبة، وموضوع كرامة الإنسان بمحوريه: موقعية الإنسان والشرائع في الدفاع عن حقوق الإنسان.

في الحقيقة، الكتاب جميل بما يحمله من مواضيع مهمة، واستشهادات واقعية، واستنطاق بعض الروايات والآيات الكريمة التي تخدم الفكرة وتعزّزها.

أتمنى أن تتحوّل مثل هذه المواضيع إلى سيناريوهات يتم تمثيلها في حلقات تُعرض على شاشات التلفاز؛ لأنها ستكون ذات تأثيرات إيجابية في عقول المجتمع، وستنقل الثقافة الإسلامية الناضجة إلى عموم الناس.

وفي الحقيقة، الشيخ الصفار قد جسّد أمانة الكلمة من خلال الاستشهادات الواقعية، وهنا تكون الكلمة ذات موقعية راسخة في عقول ونفوس الناس.

تاروت