الشيخ الصفار: ذكرى المباهلة دعوة لترسيخ ثقافة التعايش والحوار

قال سماحة الشيخ حسن الصفار إن ذكرى المباهلة وهي حدث بارز في السيرة النبوية تعطينا درسًا في ترسيخ ثقافة التعايش والحوار، وتغليب منطق العقل والحكمة.
وتابع: تكشف هذه الحادثة عن فضل أهل البيت وعن رؤية الإسلام في التعامل مع الآخر الديني، هذه الرؤية التي تنطلق من ان المحاسبة والمساءلة الدينية هي حق حصري لله تعالى.
جاء ذلك ضمن خطبة الجمعة 24 ذو الحجة 1446هـ الموافق 20 يونية 2025م، في مسجد الرسالة بالقطيف شرقي السعودية بعنوان: في ذكرى المباهلة.. المساءلة الدينية حق إلهي.
وأوضح الشيخ الصفار أن الله سبحانه وتعالى يريد للناس أن يتعايشوا بسلام، وأن يتعاونوا على إدارة شؤون حياتهم، وأن يجتهدوا في إعمار الأرض واستثمار خيرات الكون.
وتابع: يريد سبحانه وتعالى من الناس إذا اختلفوا في أديانهم ومذاهبهم واتجاهاتهم الفكرية، أن يبين صاحب كل دعوة رأيه، ويعرض أدلته، ويتحاور ويتجادل مع الآخرين بالتي هي أحسن، فإن استطاع اقناعهم، وإلا فليتركهم وشأنهم، فحسابهم على ربهم.
وأشار إلى أن وظيفة الأنبياء والأئمة والعلماء، هي تبيين الدين الصحيح للناس، بأقوى دليل وأبلغ بيان، وتنتهي مسؤوليتهم عند هذا الحد، حيث لم يأذن الله تعالى بفرض الدين والإيمان على خلقه بالقهر والقوة.
وتسائل: إذا كان النبي المرسل من قبل الله تعالى لا يحق له الفرض والهيمنة على الناس، كما تصرح بذلك آيات كثيرة في القرآن الكريم، كقوله تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾، فكيف يصح لغيره أن يمارس هذا الدور تجاه أحدٍ من الناس؟
وأجاب: إن مساءلة الناس ومحاسبتهم على أديانهم ومذاهبهم، حق إلهي خاص، موكول إلى يوم القيامة، يقول تعالى: ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم﴾.
ودعا إلى التأكيد على هذه الرؤية القرآنية، واستحضارها في التعامل مع من يخالفنا في الدين أو المذهب أو الاتجاه الفكري.
وقال إن استحضار هذه الثقافة يحصّن أجواءنا وسلوكنا من حالات التطرف والتشدد، ويحمي مجتمعاتنا من التعصب والتوترات والتشنجات الدينية والمذهبية، وبذلك نقتدي بنهج رسول الله ، ونتبع هديه وسنته.
وعن قصة المباهلة قال سماحته: يتلخص هذا الحدث الذي وقع في الرابع والعشرين من ذي الحجة على المشهور عند الشيعة، في قدوم وفد من نصارى نجران إلى المدينة المنورة، بعد أن كتب رسول الله كتابًا إلى اسقفهم، يدعوهم فيه إلى الإسلام.
وبيّن أن الوفد جاءوا إلى مسجد رسول الله ، فاستقبلهم باحترام وقبل هداياهم، واجتهد
في اقناعهم، فما كانوا مستعدين للاستجابة والقبول، ولم تكن لهم أدلة يدافعون بها عن رأيهم، هنا أمره الله تعالى بدعوتهم إلى المباهلة.
ولفت إلى أن المباهلة من الابتهال، وهو الاجتهاد في الدعاء والتضرع الى الله من الطرفين، بأن يلعن ويهلك الكاذب والظالم منهما، فوافقوا على ان تتم المباهلة في اليوم التالي، خارج المدينة في الصحراء.
وتابع: خرج إليهم رسول الله ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين، وعرفهم بأنهم يمثلون ما ورد في الآية الكريمة: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾.
وأبان أن مشهد قدوم النبي للمباهلة مع الصفوة من أهل بيته، كان مؤثرًا جدًا على نفوس وفد نصارى نجران، فهو يدل على الثقة والثبات، حيث جاءهم بخاصة أهل بيته، وأعزّ الناس عليه، وأقربهم الى نفسه، فكيف يعرّضهم للدعاء عليهم باللعن والهلاك من الله، لو لم يكن واثقًا من صدقه واحقية موقفه؟
وتابع: فأعلنوا انسحابهم من المباهلة، واستعدادهم لدفع الجزية، أي الخضوع لسلطة الإسلام، مع بقائهم على دينهم، وتمت المعاهدة بينهم وبين رسول الله على ذلك.
ومضى يقول: تكشف هذه الحادثة التاريخية عن مكانة اهل البيت العظيمة عند الله وعند رسوله، حيث اختصهم الله بهذا المقام، ولم يختر رسول الله
معهم أحدًا من رجالات عشيرته، كعمه العباس، ولا من أصحابه، ولا من أزواجه.
مستشهدًا بأقوال العلماء والمفسرين كقول الآلوسي في تفسيره: وفي هذه القصة أوضح دليل على نبوته وإلا لما امتنعوا عن مباهلته، ودلالتها على فضل آل الله ورسوله
مما لا يمتري فيها مؤمن.
وقول الزمخشري في تفسيره بعد نقل الحادثة: «وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء».