مجلة الكلمة تنشر بحثًا للشيخ الصفار ناقش اختلاف وجهات النظر

نُشر في العدد 127 من مجلة الكلمة (السنة الثانية والثلاثين – ربيع 2025م/1446هـ) بحث فكري لسماحة الشيخ حسن الصفار، بعنوان: "حين تختلف وجهات النظر.. ملاحظات في النقد الأخلاقي والمنهجي"، في الصفحات من 100- 132، تناول فيه قضية التعدد والاختلاف الفكري في المجتمعات الإنسانية، من منظور ديني وثقافي.
وشدد الشيخ الصفار في بحثه على أن التنوع في الآراء والأفكار سمة طبيعية لا يمكن تجاوزها في حياة البشر، معتبرًا أن الإسلام وإن دعا إلى وحدة الأمة والاعتصام بحبل الله، إلا أنه لم يفرض تطابق المواقف والآراء بين أتباعه، إدراكًا لطبيعة الاختلاف الإنساني.
وأبان سماحته أن من السمات الطبيعية للمجتمعات البشرية، تميزها بتعدد الأفكار واختلاف وجهات النظر.
وتابع: من الشائع في مختلف المجتمعات، أن يكون هناك اختلافات فكرية مرتبطة بالمسائل الدينية، وقد يكون هناك تباين في المواقف السياسية، وهكذا في سائر المجالات، إلا أن هذا الاختلاف والتنوع الطبيعي في الآراء، لا ينبغي أن يدفع الناس للخصومة والقطيعة، ولا أن يتبرأ بعضهم من بعض.
وأضاف: إن تفاوت المعرفة في مختلف الموضوعات، قد ينتج عنه تفاوت في الرأي والحكم على تلك المسائل، وحينما لا يكون هناك تساوٍ في مستوى المعلومة والمعرفة، فقد يترتب على ذلك اختلاف في الرأي والموقف.
وركّز على مجالين من سوء الظنّ واتهام الآخر، عند اختلاف وجهات النظر، مجال الاختلاف في وجهات النظر الفكرية والدينية، حيث تتنوع وجهات النظر بين الناس في أمور الدين، حتى ضمن الدين الواحد، والمذهب الواحد.
والمجال الآخر هو الاختلاف في وجهات النظر ضمن المؤسسات الأهلية والاجتماعية، كإدارة الجمعيات، والأندية، والمساجد، واللجان، والهيئات.
ودعا أن يتفهّم الإنسان على الدوام وجهات نظر الأطراف الأخرى. فقد يتضح لك موضوع ما، وهذا لا يعني أن نفس درجة الوضوح تكون عند الطرف الآخر.
وأشار إلى أن التعاليم الدينية دعت إلى تفهم الرأي الآخر، لغرض معرفة خلفية وجهة النظر التي يتبناها، وإلى احترام حقوقه.
وتابع: إن اختلاف الرأي في مسألة ما، لا يبرر بأيّ حال تجاوز حقوق الطرف الآخر، فهو يبقى أخًا لك في الدين، أو نظيرًا لك في الخلق.
وأضاف: كما دعت التعاليم الدينية إلى التواصل والحوار، والتعاون في المشتركات.
ومضى يقول: إن العقلاء في كل أنحاء العالم، يعقدون اللقاءات والمؤتمرات، التي تتناول كل مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والعلمية وغيرها، وتشهد هذه المؤتمرات اختلافًا وتباينًا كبيرًا في الآراء، لكنهم مع ذلك يحرصون على الحضور والمشاركة والاستماع لوجهات النظر الأخرى. إذ لا يعني اختلاف الرأي بأي حال، حدوث القطيعة بين أصحاب الآراء المختلفة، فذلك خلاف العقل والمنطق السليم.
وبيّن أن هناك جملة من النصوص الدينية تدفع الإنسان إلى التعايش مع المختلفين معه فكرًا ورأيًا. ومردّ ذلك إلى أنه من المتعذّر على أيٍّ كان أن يفرض آراءه وأفكاره على الآخرين، مهما بلغت درجة اقتناعه بها.
وتابع: إنّ التعايش والتآلف ضرورة لاستقرار وأمن كلّ مجتمع بشري، كما أنّ التنوع والتنافس في الإبداع الفكري، والإنتاج العملي، وتحقيق المكاسب والمصالح، أمر مطلوب لتقدّم المجتمع وتطوّره وارتقائه.
ودعا للتفكيك بين الرأي وصاحبه، وبين الفكرة وقائلها. فهنالك رأي، وشخص يطرح هذا الرأي، وهناك فكرة، وشخص أنتج هذه الفكرة، هنا ينبغي للمرء أنْ يفكّك بين العنصرين، فلا يجعل علاقته بصاحب الفكرة ذات تأثير على موقفه من الفكرة نفسها، كما لا ينبغي أن يكون موقفه من الفكرة مؤثّرًا على علاقته بصاحب الفكرة.
وعن أسباب إصابة الإنسان بالمبالغة في القلق من النقد، قال سماحته: يتكون القلق من النقد من ضعف الوعي الاجتماعي، أو ضعف ثقة الإنسان بنفسه، أو من النرجسية والمثالية، فقد يصاب الإنسان بحالة من الشّعور بالعظمة، والاعتداد المفرط بالنفس، بحيث يرى نفسه فوق النقد، فلا يتقبّل أن ينتقده أو يعترض عليه أحد.