بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفقر

الشيخ الصفار يدعو لثقافة تدفع للتنمية والتقدم الاقتصادي

مكتب الشيخ حسن الصفار

 

دعا سماحة الشيخ حسن الصفار إلى ضرورة بث ثقافة جديدة تدفع للتنمية والتقدم الاقتصادي، وتصنع إنسانًا واثقًا من نفسه، متحفزًا للعمل والإنتاج.

وتابع: إن الثقافة الدينية الأصيلة تمنح الإنسان أعظم درجات الثقة بالنفس، إذ تصفه بأنه خليفة الله في أرضه، ومكرّم على سائر المخلوقات، ومؤهّل لتسخير خيرات الكون والاستفادة من نعم الله.أن

جاء ذلك ضمن خطبة الجمعة 25 ربيع الثاني 1447هـ الموافق 17 أكتوبر 2025م، في مسجد الرسالة بالقطيف شرقي السعودية بعنوان: مواجهة ثقافة الفقر.

وأوضح سماحته أن الثقافة التي ينشأ عليها الإنسان هي الأساس في تشكيل شخصية الإنسان وتوجيه سلوكه نحو التقدم أو التخلف.

وتابع: إن الثقافة الإيجابية التي تزرع الأمل والطموح وتدفع للفاعلية، تهيئ الإنسان للانطلاق في مختلف ميادين الحياة، ومنها الميدان الاقتصادي.

وحذّر في الوقت ذاته من الثقافة السلبية التي تشعر الإنسان بالضعف والعجز، وتقنعه بعدم جدوى الحياة، مما يؤدي إلى التخلف والفقر.

وأعرب عن أسفه لتسرّب ثقافة سلبية إلى تراث المسلمين تدعو إلى الزهد المفرط، وتقليل الاهتمام بالحياة ومكاسبها.

وتابع إن مثل هذه الأفكار تضعف روح المبادرة، وتقتل الطموح، وتتنافى مع قيم الإسلام الذي يدعو إلى العمل والبناء والإعمار.

ثقافة الفقر

وأبان أن مصطلح (ثقافة الفقر) ظهر لأول مرة في خمسينيات وستينيات القرن المنصرم، في كتابات باحث الانثروبولوجيا الأمريكي (أوسكار لويس، ت: 1970م) الذي اشتهر بتصويره لحياة سكان الأحياء الفقيرة، والتي يتناقل فيها الفقر عبر الأجيال.

وعن الموقف من منظومة الثقافة التي تشكلت في تراثنا الديني، قال سماحته: هناك تيار يمجد الفقر ويمدحه. فهناك مرويات كثيرة في هذا السياق.

وتابع: وهناك اتجاه الاكتفاء بحدّ الكَفاف، وهو الذي لا يفضل عن الشيء ويكون بقدر الحاجة.

وأضاف: بعض النصوص والروايات، توجه إلى أن يكتفي الإنسان في سعيه لكسب المال بالوصول إلى حدّ الكَفاف، وتوفير ما يحتاجه الإنسان في معيشته وحياته، ولا يسعى للزيادة على ذلك.

لا لتمجيد للفقر

وأشار إلى أن الأحاديث والروايات التي تمجد الفقر، تعارضها آيات قرآنية، وأحاديث وروايات تذم الفقر وتُحفّز للغنى والثروة.

وتابع: إن انحياز الإسلام ضد الفقر، ومكافحته له، أمرٌ واضح، والنبي يساوي بين حالتي الكفر والفقر، فكلاهما مرفوض بنفس الدرجة، حيث ورد عنه : «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفَقْرِ، فقال رجل: أيعدلان؟ قال نعم».

وأضاف: لذا لا يمكن قبول ما يظهر من هذه الروايات من تمجيد للفقر، بل لا بد من معالجة شأن هذه النصوص. وهي في المجمل ضعيفة السند، وبعضها موضوع، ويحتمل أن للسلطات المنحرفة والاقطاعيين في العهود السابقة دورًا في وضع ونشر هذه الروايات، ليرضى الناس بفقرهم ويسكتوا عليه، ولا يطالبوا بتحسين أوضاعهم.

وعن وجود هذه الروايات في التراث الديني قال سماحته: إن بعض هذه الروايات جاءت لمعالجة الآثار النفسية للفقر الاضطراري، حتى لا يكون دافعًا للانحراف الفكري، والمرض النفسي، والسلوك الإجرامي.

وتابع: وبعض هذه الروايات يأتي في سياق التحذير من آفات الغنى وسلبياته، وما قد يحدثه في نفس الإنسان من تكبر وغرور وطغيان وبخل.

ولفت إلى أن القرآن الكريم يخلو من أي آية تمجد الفقر أو تمدحه، بل تتحدث كثير من آياته عن مساعدة الفقراء لتجاوز حالة الفقر.

وتابع: في المقابل يمكن استنتاج إشارات عديدة من آيات في القرآن الكريم بالنظرة الإيجابية للغنى والثروة، فإن الله سبحانه يمنّ على النبي محمد بأنه أغناه بعد قلة ذات يده، يقول تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ.

وذكر أن في معظم الموارد حين يتحدث القرآن عن صفات المؤمنين، يكون في طليعتها أداؤهم للزكاة، وانفاقهم للمال في سبيل الله، وبالتأكيد فإن من يعيش حالة الفقر أو الكفاف، لا يمتلك نصاب الزكاة، ولا يكون قادرًا على الإنفاق.

وأضاف: على ضوء هذه الآيات يمكن القول إن مجتمع المؤمنين يفترض أنه مجتمع ثري. وأن فيه أغنياء ذوي أموال وثروات يعتمد عليهم في إرساء كيان المجتمع.

وحذّر من أن تسود بين أبناء المجتمع ثقافة تدعو إلى الراحة والكسل، واختيار أسهل الأعمال وأخف البرامج، ونتائج هذه الثقافة ضعف المستوى المادي، والتقدم الاقتصادي.

وتابع: وضمن هذا السياق يأتي انتشار أخبار الفشل، وحالات التعثر في الاعمال والمشاريع الاستثمارية، دون أخبار النجاحات والإنجازات.

وأضاف: ومن ألوان هذه الثقافة ضعف روح التعاون والمشاركة في الاعمال الاستثمارية والاقتصادية، إن قيام التكتلات والشراكات هو طريق النجاح والتقدم الاقتصادي في المجتمع.

وأوضح أن أبناء المجتمع وشبابه يحتاجون إلى الاطلاع على النماذج الناجحة في عملها ومشاريعها، خاصة على المستوى الوطني والمحلي، لتحفّزهم إلى التطلع والطموح، والتّحلي بروح المبادرة والريادة، وليستفيدوا من التجارب الناجحة في نقاط قوتها ونجاحها.

وتابع: حتى التجارب الفاشلة، لابد من البحث عن أسباب الفشل فيها لتلافيها، ففي كل مجالات الحياة هناك إخفاقات وانجازات، وفشل ونجاحات، ولا يحدث ذلك اعتباطًا، فللنجاح عوامله وللفشل أسبابه.

وأضاف: إن تقدّم التنمية، وبناء القوة الاقتصادية للوطن، لا تتحقق إلا إذا كانت هدفًا محوريًا في سياسة الدولة، واهتمامات المواطنين.