الشيخ الصفّار التدين اليوم أكثر وعيًا والتحدي في استثماره

مكتب الشيخ حسن الصفار

 

في أمسيةٍ إيمانيةٍ دافئة، في ضيافة الحاج حسين الحاجي بالدمام مساء الاثنين 26 جمادى الأولى 1447هـ الموافق 17 نوفمبر 2025م، ألقى سماحة الشيخ حسن الصفّار كلمةً وجدانيةً لامست أعماق الحضور، متحدّثًا فيها عن واقع التدين في الزمن المعاصر، مؤكدًا أن الحنين للماضي لا ينبغي أن يصرف البصيرة عن التقدّم الحاصل اليوم في الوعي الديني والروح الإيمانية.

استهل سماحته حديثه بالإشارة إلى حديث نبوي شريف عن رسول الله أنه دعا ربه قائلًا: «اَللَّهُمَّ لَقِّنِي إِخْوَانِي»، وحين استفسر الصحابة عن هويتهم، «أَمَا نَحْنُ إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ»؟ أوضح أن أولئك "الإخوان" هم: «قَوْمٌ مِنْ آخِرِ اَلزَّمَانِ آمَنُوا بِي وَلَمْ يَرَوْنِي»، ثم أرود رواية أخرى عنه : «يَأْتِي عَلَى اَلنَّاسِ زَمَانٌ اَلصَّابِرُ مِنْهُمْ عَلَى دِينِهِ لَهُ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا؟ قَالَ: نَعَمْ، أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ، قَالَهَا ثَلاَثاً».

ومن هذا الحديث، انطلق الشيخ الصفار ليُبيّن وجود رؤيتين لمسيرة التدين عبر العصور، رؤية تنازلية تعتبر أن أوجَ الإيمان كان في عصر الرسالة، ثم بدأت مسيرة الانحدار.

وتابع: هناك رؤية أخرى تصاعدية تنتمي إلى فكر أهل البيت ، ترى أن مسيرة الإيمان في تطورٍ ونضوج، وأن الأجيال اللاحقة يمكن أن تبلغ من مراتب الوعي ما يفوق السابقين.

وأوضح سماحته أن الحنين للماضي -وهو شعور إنساني طبيعي- لا يجب أن يتحوّل إلى تقديسٍ، ولا إلى تقليل من منجزات الحاضر.

وتابع: كما يحنّ الإنسان إلى بيت الطفولة رغم انتقاله إلى بيت أجمل، فإن البعض يحنّ لزمنٍ مضى دون أن يُدرك أن الحاضر يحمل في طياته الكثير من القيم والنضج.

وأشار الشيخ الصفّار إلى أن كثيرًا من مظاهر التدين اليوم أكثر تنظيمًا ونضجًا، بدءًا من انتشار المساجد والحسينيات، مرورًا بالبث الإعلامي والنتاج العلمي والثقافي، وانتهاءً بوعي الجيل الجديد.

وأوضح أن التدين في الماضي عند عامة الناس كان غالبًا "سليقيًا" فطريًا، بينما اليوم يتسم بالكثير من العلمية والمعرفة، حيث بات الناس يُقبلون على الدين بفهمٍ أعمق وإرادةٍ أوضح.

وفي قراءةٍ للحالة الدينية، ذكر نموذجًا قارن فيه سماحته بين واقع المراكز الدينية في الثمانينيات، في أمريكا والبلاد الأوربية، حين لم تكن فيها سوى مراكز تعدّ على أصابع اليد، وواقع اليوم الذي يشهد وجود مئات المراكز الإسلامية المنتشرة في القارة الأمريكية والدول الغربية، ما يعكس نموًا ملموسًا في الاهتمام بالدين وطلابه.

كما أشار إلى أن الحوزات العلمية اليوم تشهد إقبالًا كبيرًا، ليس فقط في مدينتي النجف وقم، بل في مختلف البلدان الإسلامية التي أنشئت فيها حوزات متعددة، موضحًا أن هذا الإقبال لم يكن متاحًا في العقود الماضية.

وردًّا على من يُركّزون على ظواهر الإلحاد أو الانحرافات الأخلاقية، شدّد الشيخ الصفار على أن مثل هذه الظواهر كانت موجودة حتى في عصر النبي ، وعصر الأئمة، لكنها لم توقف الحالة الإيمانية المتصاعدة.

وأضاف: "علينا ألا ننام على الحرير، هناك نواقص وثغرات، لكن المؤشرات العامة تبشّر بخير عظيم".

وضرب سماحته مثالًا على ذلك بأرقامٍ لافتة، فقد بلغ عدد المعتمرين في العام الماضي حوالي 36 مليون معتمر، في مؤشر على حضور الروح الدينية في المجتمعات الإسلامية، فضلًا عن ملايين الزائرين إلى كربلاء في زيارة الأربعين، والتي تشهد تصاعدًا سنويًا رغم مختلف الظروف.

وقارن ذلك بتراجع الحضور الديني في المجتمعات غير الإسلامية، مشيرًا إلى دراسة فرنسية أظهرت أن نسبة من يرتادون الكنائس لا تتجاوز 4.5%، وإلى إغلاق أكثر من 515 كنيسة في ألمانيا خلال العقد الماضي، في مقابل تحوّل بعضها إلى مساجد في بريطانيا.

وختم الشيخ الصفار كلمته بالتأكيد على أن هذه النعمة الدينية يجب أن تُقابل بشكرٍ وحفاظٍ وتنمية، ودعا إلى أن نهتم بأبنائنا وشبابنا أكثر ليكونوا امتدادًا لهذه الروح الإيمانية، مُستلهمًا الآية المباركة: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا.

حسين الحاجيحسين الحاجيحسين الحاجيحسين الحاجيحسين الحاجيحسين الحاجيحسين الحاجي