في مأتم الغريفة في مملكة البحرين
الشيخ الصفّار يدعو لثقافة دينية تنهض بالإنسان فكرًا وسلوكًا وحياةً
أكد سماحة الشيخ حسن الصفّار أن الحالة الدينية في المجتمعات الإسلامية ما تزال تنبض بالحيوية والحضور الواسع، داعيًا إلى الارتقاء بها عبر تعزيز الوعي والمعرفة الدينية، وتجذير القيم الأخلاقية، وتحسين جودة حياة المجتمع.
جاء ذلك خلال ندوة فكرية وثقافية احتضنها مأتم الغريفة في مملكة البحرين مساء الاثنين 19 جمادى الأولى 1447هـ الموافق 10 نوفمبر 2025م، بحضور نخبة من المثقفين والمهتمين بالشأن الديني.
وفي مستهل كلمته، عبّر الشيخ الصفّار عن تقديره لإدارة المأتم واللقاء، مشيرًا إلى أن الهدف من مثل هذه اللقاءات ليس تقديم إجابات جاهزة، بل إثارة الأسئلة التي تحفّز الفكر وتوقظ الوعي.
وأوضح سماحته أن الحالة الدينية في العالم الإسلامي تستحق الفخر والتقدير، مستشهدًا بالمواسم الدينية الكبرى كالحج والعمرة والزيارات المليونية في كربلاء، إلى جانب الانتشار الواسع للمساجد والحسينيات والحوزات والمراكز العلمية.
وقال: هذه الحيوية الدينية، رغم ما فيها من ثغرات، هي إنجاز يدعو إلى التفاؤل والثقة بمستقبل الدين في مجتمعاتنا.
وأشار إلى أن المقارنة مع المجتمعات الغربية تظهر تراجع الحضور في الكنائس هناك مقابل ازدهار النشاط الديني في العالم الإسلامي، داعيًا إلى الوعي بقيمة ما يملكه المسلمون بدل التركيز على النواقص.
وفي حديثه عن آفاق الارتقاء بالحالة الدينية، طرح الشيخ الصفّار ثلاثة مسارات رئيسة، دعا في أولها إلى رفع مستوى الوعي والمعرفة الدينية، مؤكدًا أن الدين يقوم على المعرفة قبل الممارسة، ومشددًا على أهمية تطوير الفهم الديني بما يواكب تطورات العصر. مستشهدًا بقوله تعالى على لسان نبيه محمد
: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾.
وأبان أن من المسارات للارتقاء بالحالة الدينية، تجذير القيم الأخلاقية وتحويلها إلى سلوكٍ عملي، موضحًا أن الدين لا يقتصر على الطقوس بل يتجلى في التعامل الإنساني الراقي، محذرًا من القطيعة والخلاف بين المؤمنين بسبب التباينات الفكرية أو الفقهية أو السياسية.
واستشهد بما ورد عن الإمام جعفر الصادق
: «مَا أَنْتُمْ وَاَلْبَرَاءَةَ يَبْرَأُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ إِنَّ اَلْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرُ صَلاَةً مِنْ بَعْضٍ وَبَعْضُهُمْ أَنْفَذُ بَصَراً مِنْ بَعْضٍ وَ هِيَ اَلدَّرَجَاتُ».
وأشار إلى مسار ثالث هو تحسين جودة حياة المجتمع، مبينًا أن الزهد لا يعني الفقر أو الإهمال، بل أن يعيش الإنسان حياة كريمة تعبّر عن جمال الدين ورسالته.
واستشهد بما ورد في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين علي
: في وصف المتقين: «واعْلَمُوا عِبَادَ اللَّه، أَنَّ الْمُتَّقِينَ ذَهَبُوا بِعَاجِلِ الدُّنْيَا وآجِلِ الآخِرَةِ، فَشَارَكُوا أَهْلَ الدُّنْيَا فِي دُنْيَاهُمْ، ولَمْ يُشَارِكُوا أَهْلَ الدُّنْيَا فِي آخِرَتِهِمْ، سَكَنُوا الدُّنْيَا بِأَفْضَلِ مَا سُكِنَتْ وأَكَلُوهَا بِأَفْضَلِ مَا أُكِلَتْ، فَحَظُوا مِنَ الدُّنْيَا بِمَا حَظِيَ بِه الْمُتْرَفُونَ، وأَخَذُوا مِنْهَا مَا أَخَذَه الْجَبَابِرَةُ الْمُتَكَبِّرُونَ، ثُمَّ انْقَلَبُوا عَنْهَا بِالزَّادِ الْمُبَلِّغِ والْمَتْجَرِ الرَّابِحِ».
وختم الشيخ الصفّار كلمته بالتأكيد على أن الدين مشروع سعيٍ دائم نحو الأكمل، داعيًا إلى الثقة بالنفس وبالمجتمع الديني، ومؤكدًا أن التحدي الحقيقي يكمن في الوعي والإرادة لمعالجة الثغرات بالعلم والأخلاق والعمل البنّاء.













