الشيخ الصفار: الهُوية الدينية ليست عائقًا لحركة المجتمع وتفاعله مع محيطه
قال سماحة الشيخ حسن الصفار: إن الهوية الدينية ليست عائقًا لحركة المجتمع وتفاعله مع الآخرين، بل هي محفز للفاعلية في الحياة، والعلاقات النشطة مع المحيط الاجتماعي.
وتابع: إن الانفتاح الواعي على المحيط الوطني، هو ما يعزز الهُوية الدينية، ويهيئ لأجواء الثقة المتبادلة بين المكونات الاجتماعية، ويبرز الكفاءات والقدرات في أبنائها، ويُشجّع فرص المنافسة الإيجابية.
جاء ذلك ضمن خطبة الجمعة 7 جمادى الآخرة 1447هـ الموافق 28 نوفمبر 2025م، في مسجد الرسالة بالقطيف شرقي السعودية بعنوان: القلق على الهوية بين الانفتاح والانطواء.
وأوضح سماحته أن حفظ الهُوية الدينية والثقافية لا يتحقق بالانغلاق والعزلة، بل بالانفتاح الواعي والمشاركة الفاعلة في المحيط الوطني والإنساني.
وشدد على أن الهُوية يجب أن تكون عنصر قوة ودافعًا للحضور الإيجابي، لا سببًا للخوف والانكفاء.
وأشار إلى أن الهُوية هي السمات الثابتة التي تميّز مجتمعًا عن آخر، وتشمل الانتماء الديني والعرقي واللغوي وسائر الانتماءات الفرعية، مؤكدًا أن الأصل هو انسجام هذه الدوائر وتكاملها، لا تضادها.
وبيّن أن تعرض أي مجتمع لاستهداف في إحدى دوائر هويته يجعله أكثر تمسكًا بها.
وتابع: في كثير من الأحيان يدفع الاستهداف بعض الفئات إلى الانغلاق والانطواء، وهو خيار قد يوفر حماية مؤقتة، لكنه يضر مستقبل المجتمع، ويضعفه أمام منافسيه ومناوئيه.
وحذّر من ثقافة الانكفاء الطائفية أو المذهبية، التي تصنع حواجز بين أبناء الوطن الواحد، تحت شعار حماية الهُوية، معتبرًا أن ذلك يُنتج التباعد والقلق المتبادل ويضعف النسيج الوطني.
وبيّن أن الإسلام يربي أبناءه على الاهتمام بالناس والحياة، وينمي فيهم النزعة الإنسانية التي تتجاوز الانتماءات الدينية والعرقية والطبقية.
واستشهد بما ورد عن رسول الله
: «الْخَلْقُ عِيَالُ اللَّهِ فَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ مَنْ نَفَعَ عِيَالَ اللَّهِ»، وعن أمير المؤمنين علي
: «فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ».
ولفت إلى أن بعض المجتمعات الدينية تعاني من انتشار ثقافة تدعو إلى الانكفاء والانغلاق الديني والمذهبي، بحيث تصنع كل جماعة، وكل أتباع مذهب، لأنفسهم سياجًا يفصل بينهم وبين الآخرين من مواطنيهم.
وتابع: ومبرر الانكفاء والانغلاق هو الحفاظ على الهُوية والخصوصية، وذلك ما يكرّس حالة التباعد، والقلق المتبادل. ويضعف روح التواصل والاندماج الوطني.
وأشار إلى الأئمة
كانوا يوجهون الأكفاء من تلامذتهم، للتصدي للشؤون العامة، والمشاركة في ساحة الأمة، فقد أمر الإمام محمد الباقر
أبان بن تغلب، أن يتصدى للإفتاء بين الناس.
وتابع: وشجّع الإمام جعفر الصادق
عبد الله بن النجاشي، على التصدي لولاية الأهواز في زمن المنصور العباسي، كما شجّع الإمام موسى الكاظم
علي بن يقطين، أن يدير حكومة هارون الرشيد، وأصر عليه أن يستمر في هذه المهمة.
وفي معرض حديثه عن تجارب المجتمعات المسلمة في الغرب، أشار سماحته إلى التحول الإيجابي الذي شهدته الجاليات الإسلامية في الولايات المتحدة وأوروبا، بعد انتقالها من حالة الانعزال إلى المشاركة الفاعلة في الحياة العامة.
ومضى يقول: إن هذا الانفتاح مكّن المسلمين في أمريكا وأروبا من تحقيق حضور مؤثر، تُرجم بفوز العشرات منهم في مواقع سياسية واجتماعية مهمة.
وتابع: من أصل 76 مرشحًا مسلمًا في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، فاز منهم 38 بمناصب تتنوع بين عُمد مدن، وأعضاء مجالس تشريعية، ونواب حكّام ولايات.
وذكر من أبرز النماذج فوز زهران ممداني بمنصب عمدة نيويورك، وغزالة هاشمي نائبًا لحاكم فرجينيا، وتجربة صادق خان رئيس بلدية لندن، مؤكدًا أن هذه النجاحات لم تكن لتتحقق لولا الثقة بالهُوية والانخراط في الشأن العام.






