الاستجابة الواعية للتحديات
إذا كانت المعركة قد فرضت على الأمة الإسلامية من قبل أعداء الإسلام، وإذا كانت المواجهة هي قدر الأمة، فعلينا أن نستجيب للتحدي بوعي وإرادة، فلا تسيطر الهزيمة على نفوسنا، ولا يتسلل الضعف إلى قلوبنا، وفي نفس الوقت لا نستدرج للتهور، ولا نتصرف من وحي الانفعال، إن بعض الخطابات
الإسلامية المتشنجة، وبعض المواقف المتطرفة، تضر مستقبل الإسلام والأمة، وتخدم أغراض الأعداء.
فالمطلوب صمود بوعي، ومواجهة بتخطيط، ومواقف رزينة متعقلة، إننا كمسلمين لا نؤمن بنظرية صدام الحضارات، ولا يصح أن ننساق ضمن مخططاتها، لأن ديننا يدعو إلى الحوار والتعارف بين الحضارات، يقول تعالى [q]وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا[/q] وحضارتنا الإسلامية إبان قوتها وازدهارها لم تسحق الحضارات الأخرى، ولم تقمع سائر الثقافات، بل كان شعارها: [q]لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ[/q]، [q]قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ[/q].
فلا يصح أن نستدرج وأن نتحرك أو نتحدث بانفعال وكأننا ضد الشعوب والأمم الأخرى، فمعركتنا هي مع القوى السياسية الاستكبارية، ووظيفتنا الانفتاح مع الأمم والشعوب والتخاطب والتعامل معها باحترام.
إننا لا نعادي الأمريكيين كأمريكيين ولا كمسيحيين، ولا اليهود كيهود وإنما نعادي الظلم والطغيان والإرهاب من أي جهة كان، ولو أن جهة إسلامية مارست العدوان والظلم ضد مسيحيين أو يهود، لكان علينا الوقوف أمامها والانتصار للمظلوم، يقول تعالى: [q]إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ[/q] وكما فسّر رسول الله : مقولة «انصر أخاك ظالماً أو مظلوما» بأن تردع أخاك عن ظلمه إن كان ظالما.
لكي تتجه الأمة لهذا التحدي الكبير، فيجب تجاوز الانشغال بالخلافات والصراعات الداخلية، التي استغرقت اهتماماتنا في الفترة الماضية، وشغلتنا ببعضنا، وأعطت الفرصة للأعداء لينفذوا من خلالها بيننا.
هذه النزاعات بين بعض حكومات البلدان الإسلامية، والصراعات بين بعض الشعوب
وحكوماتها. والاختلاف بين المذاهب والطوائف.. والاحتراب بين التيارات الفكرية والسياسية.
لقد آن أن نصل جميعاً وفي ظل هذه التحديات الخطيرة، التي تستهدف وجودنا، وتجهز على ماتبقى من كرامتنا، إلى مستوى من النضج والتحضر في التعامل مع خلافاتنا وصراعاتنا الداخلية، على قاعدة الاحتكام للحوار، واحترام الرأي الآخر، والقبول بالتعددية، والاختلاف في إطار العيش المشترك، وتحت سقف المصلحة العامة.
فكم في المجتمعات وبين الدول الغربية من خلافات حدودية، وصراعات مصلحية، وتنوع قومي ومذهبي وسياسي، لكنهم تمكنوا من عقلنة خلافاتهم، وتقنين صراعاتهم، وهم الآن ينسجون وحدتهم الأوربية بخطوات عملية محكمة، فقد أصدروا عملتهم الموحدة (يورو)، ولديهم برلمانهم الموحّد، ولازالوا يتابعون خطى وحدتهم، دون تنكر للتمايز والخصوصيات، ودون جور من طرف على آخر.
لقد كان رائعاً جداً أن جاء طرح الدعوة إلى حوار الحضارات، وتخصيص سنة بهذا العنوان على المستوى الدولي من قبل الأمة الإسلامية، حيث قدم الاقتراح الرئيس الإيراني السيد محمد خاتمي إلى الأمم المتحدة، وتمت الموافقة عليه واعتمدت السنة 2001م لهذا الشعار، وتبنت العديد من الدول الإسلامية مؤتمرات ضمن هذا السياق، كان من آخرها ندوة (( [e]الحوار بين الحضارات[/e])) التي انعقدت في الرياض (3-6 محرم 1423هـ،).
إنها مبادرة رائعة لكننا بحاجة أكثر إلى تفعيل منهجية الحوار في داخل الأمة، بين قواها وتياراتها المختلفة،لنتجاوز حالة الاحتراب، والتحريض المتبادل على الكراهية، ولنتخذ قراراً باحترام بعضنا بعضا، والاعتراف بالرأي الآخر المذهبي والسياسي، ضمن إطار الوحدة الوطنية والإسلامية.
وواضح أن الهجمة الشرسة ضدنا لاتفرق بين عربي وعجمي، ولا بين شيعي وسني، ولا بين قومي وديني، ولا بين قطر وآخر، مادام عنوانها صدام الحضارات، فكلنا مصنفّون ضمن الحضارة والأمة الإسلامية.
غالباً ما كانت سمة خطابنا الإسلامي إظهار الظلامة التي نعاني منها من قبل الأعداء، وجورهم علينا، ونواياهم ضدنا، ثم استثارة العواطف والمشاعر، والتحريض والتعبئة تجاه الآخر.
لكننا قلّ أن نلتفت إلى بناء الذات، ومعالجة نقاط الضعف، ومحاولة الارتقاء بمستوى التنمية، مما جعلنا نراوح مكاننا، وكرّس في واقعنا الثغرات والسلبيات، وأفقد أجيالنا الناشئة الثقة بدينهم وحضارتهم، وجعلهم فريسة لاستقطابات الشرق والغرب.
إننا وفي ظل مانواجهه من أخطار، مطالبون بالنقد الذاتي، والمراجعة لأفكارنا وأوضاعنا، بموضوعية وشجاعة، مستهدين بالقيم الأساسية، والمبادئ المحورية في ديننا، معتمدين على استثارة عقولنا وفطرتنا، مستفيدين من تجارب الآخرين وتطورات الحياة.
إن المطلوب منا كأفراد ومجتمعات رفع مستوى الفاعلية والإنتاج، فلا يفيدنا اجترار مشاعر الظلامة والغبن، ولا يكفينا ترديد الشعارات، ولا تسيير المظاهرات، ولا التغني بالمبادئ وأمجاد التاريخ، بديلاً عن الكدح والنشاط، ومضاعفة الجهد والعطاء.