المجتمع الراشد
لكي يصبح الإنسان شخصية مستقلة مؤهلة لاتخاذ القرار، وللتعاقد مع الآخرين، لا بدّ أن يصل إلى مستوى الرشد، حسب أحكام الفقه الإسلامي.
ذلك أن أحكام المعاملات بالنسبة للإنسان تختلف باختلاف مراحل حياته من حيث اكتمال الأهلية ونقصانها، فهو في المرحلة الأولى، من الولادة إلى سن التمييز، يكون قاصراً، وبالاصطلاح الفقهي (غير مميز) فلا تصح معاملاته، قانونياً لأنه فاقد الأهلية.
وفي المرحلة الثانية: من سن التمييز إلى سن الرشد، حيث يفرق بين الأمور، ويميز النافع من الضار، لكنه بعد لم يصل إلى مرحلة النضج والرشد، وهنا أيضاً يرى أكثر الفقهاء عدم استقلاليته في التصرف واتخاذ القرار في المعاملات، حتى وإن كان بالغاً عاقلاً، فالبلوغ والعقل شرطان للتكليف الشرعي بمعنى أنه ملزم بالتكاليف والأوامر الدينية، لكنه إذا لم يصل مستوى الرشد، لا تكون أهليته مكتملة لإمضاء قراراته وتصحيح معاملاته.
أما المرحلة الثالثة: إذا وصل إلى مستوى الرشد فإنه يكون مكتمل الأهلية، ويطلق عليه فقهياً: رشيد أو راشد، حيث تصح جميع معاملاته وقراراته.
ومعنى الرشد: حسن التصرف، ووضع الأمور في مواضعها، وقد يرافق البلوغ، وقد يتأخر عنه قليلاً أو كثيراً، وقد يتقدمه، لكن لا اعتبار له قبل البلوغ.
وليس للرشد سن معينة عند جمهور الفقهاء، وإنما الأمر متروك لاستعداد الشخص وتربيته وبيئته، وليس في النصوص الشرعية تحديد له.
وأغلب القوانين المدنية للأحوال الشخصية في الدول، تعتبر الإنسان كامل الأهلية، ومستقل الشخصية في سن الثامن عشرة، وبعضها كالقانون المصري يرفعها إلى سن 21 سنة.
كما أن معرفة رشد الإنسان راجع إلى ملاحظة تصرفاته وممارساته، فيختبر مستواه عن طريقها يقول تعالى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهـُمْ رُشْدًا فَادْفَعـُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾[سورة النساء الآية 6].
حيث إن أموال اليتيم الصغير تكون بيد وليه، فإذا ما بلغ، ولوحظ منه الرشد، دفعت إليه أمواله، ليتحمل هو مسؤولية التصرف فيها.
ويفرّق بعض الفقهاء بين الرشد في المجال المالي، والرشد في المجال الاجتماعي، فقد يكون الإنسان حسن التصرف في الشؤون المالية، لكنه لا يمتلك النضج الاجتماعي لإدارة الحياة العائلية، فهنا لا يستقل بالقرار في عقد الزواج، بل لابد من إذن وليه، وإن كانت تصرفاته المالية ممضاة وصحيحة. كما أشار إلى ذلك السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى، في المسألة الثامنة من مسائل أولياء العقد.
الرشد في منطق القرآن
جاء الحديث عن الرشد في القرآن تسع عشر مرة، وفي بعضها جاء بضم الراء وسكون الشين ﴿رُشْد﴾ كقوله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ﴾[سورة البقرة الآية 256]، وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا﴾[سورة النساء الآية 6]، وجاء في موارد أخـرى بفتح الراء وفتح الشين ﴿رَشَدا﴾ كقوله تعالى: ﴿وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾[سورة الكهف الآية 10]، وقوله تعالى: ﴿فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾[سورة الجن الآية 14] وهما مترادفان.
ويبدو أن المقصود بالرشد في منطق القرآن، ما يقابل الغي، فهو بمعنى الهدى في مقابل الضلال والانحراف، وهي مقابلة واضحـة في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً﴾[سورة الأعراف الآية 146].
كما جاء استخدام الرشد في مقابل السفه، فيكون بمعنى حسن التصرف والتدبير في مقابل خفة الرأي وضعف التدبير، وذلك هو مفاد المقابلة ضمن الحديث عن رعاية شـؤون الأيتـام في قولـه تعـالى: ﴿وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا.وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾[سورة النساء الآية 5 ـ 6]. فقبل امتلاك الرشد يكون الإنسان ضعيف الرأي غير ناضج التصرف، وهو ما يعّبر عنه بالسفه، فإذا تجاوز هذه الحالة أطلق عليه راشداً.
الرشد الاجتماعي
قد نتحدث عن الرشد على مستوى الأفراد، فنلحظ فرداً رشيداً يميز مصلحته، ويحسن التصرف والتدبير، في مقابل فرد ضعيف الرأي، لا يتخذ الموقف المناسب فيما يواجهه من ظروف وأوضاع.
وقد نتحدث عن الرشد على مستوى المجتمعات والجماعات، فهناك مجتمع راشد، ومجتمع يفتقد الرشد والنضج، فكيف نقوّم المجتمعات والجماعات على هذا الصعيد؟ وما هي سمات الرشد الاجتماعي؟
في القرآن الحكيم جاء الحديث عن المجتمع الراشد ضمن قولـه تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ﴾[سورة الحجرات الآية 7].
والآية الكريمة تشير إلى أهم صفة في المجتمع الراشد، وهي الانسجام النفسي والفكري والسلوكي مع المبادئ والقوانين الشرعية..
فالمبدأ الذي يؤمن به المجتمع، تارة يكون مجرد هويّة وعنوان، وتارة يؤخذ المبدأ على أساس التلقي من الأسلاف دون وعي واقتناع، وقد يتفاعل المجتمع مع المبدأ على المستوى الروحي النفسي، لكنه من الناحية العقلية الفكرية لديه تحفظات وإشكالات، وقد يحصل العكس بوجود اقتناع فكري نظري، دون توّفر انشداد روحي نفسي، وقد يكون المبدأ وقوانينه أمراً مفروضاً على ذلك المجتمع لسبب أو لآخر، وكل تلك الحالات تنبئ عن ضعف وخلل في بنية المجتمع وكيانه، حين يؤمن بعقيدة موروثة دون اقتناع، أو يدين بمبدأ لا يلتزم بتطبيق أنظمته وقوانينه في واقع حياته، أو يخضع لشريعة بالقوة والفرض..
أما المجتمع الراشد الذي تشير إليه الآية الكريمة ﴿أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ﴾ فهو يتمتع بالصفات التالية:
1 ـ حب العقيدة والمبدأ ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُـمْ الإِيمَانَ﴾ بما تحمله كلمة الحب من معاني الانجذاب النفسي، والانشداد الروحي.
2 ـ الوعي بالمبدأ ﴿وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ أي أدركتم بعقولكم صحة منهجكم الإيماني، وأنه الأفضل الذي تزدان به حياتكم.
3 ـ الردع الذاتـي عـن المخـالفـة والانحـراف ﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾ وهو ناتج عن الصفتين السابقتين، فإذا كان الإنسان محباً لمبدئه، من أعماق نفسه، وواعياً بدينه في فكره وعقله، فإنه بذاته يكره المعصية، وينفر من الخروج عن حدود النظام والقانون، وهكذا فإن الحالة العامة في المجتمع الراشد، هي الالتزام والانضباط بدافع ذاتي، واجتناب المخالفة.
بالطبع حينما ينسب الخالق جلّ وعلا لنفسه التحبيب والتكريه، ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمْ﴾ و﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ﴾ فإنه لا يعني الإجبار التكويني على ذلك، وإنما المقصود تهيئة الوسائل والظروف المناسبة، والتوفيق للقبول والاستجابة.
ومن خلال الآية الكريمة، وعلى ضوء ما حدد به الفقهاء معنى الرشد، الذي يشترط توفره لإقرار أهلية التعاقد وصلاحية التصرف عند الإنسان، يمكننا الإشارة إلى أهم سمات وصفات المجتمع الراشد.
1 ـ الوعي والمعرفة
إذا كان الفقهاء يعتبرون القدرة على تمييز المصلحة، والتفريق بين النافع والضار، هو أول مستويات الرشد، التي يترتب عليها الأثر الشرعي والقانوني، لجهة الاعتراف بأهلية الإنسان واستقلال شخصيته، فيمكننا أن نقتبس من ذلك تحديد أول مستويات الرشد الاجتماعي، وهو وعي المجتمع ومعرفته بالأمور والشؤون التي ترتبط بواقعه، ليتمكن من تشخيص مصلحته، والتفريق بين ما ينفعه أو يضره كمجتمع.
إن كثيراً من الناس في المجتمع يستغرقون في همومهم الذاتية الشخصية، أو ينشغلون بمسائل جانبية ثانوية، ولا يلتفتون لقضايا مجتمعهم، ولا يعون الظروف والأوضاع التي تُحيط بأمتهم.
يحدثنا القرآن عن الجماعة الراشدة في العهد الإسلامي الأول، يوم كانوا أقلية في مكة الخاضعة لأجواء الشرك آنذاك، كيف كانوا مهتمين بنتائج معركة بين الروم والفرس، تجري في أدنى أرض الروم وأقرب نقاطها إلى الفرس، ومع هذا البعد الجغرافي، إلا أن المؤمنين في مكة كانوا يتابعون المعركة، وحينما انتصر الفرس المشركون على الروم الكتابيين، تأثر المؤمنون لهزيمة الروم، رغم عدم وجود تواصل أو تحالف بينهم، مما يدل على وعي وإدراك بأبعاد تلك الحرب، وآثارها وانعكاساتها، لذلك أنزل اللَّه تعالى سورة كاملة من القرآن باسم سورة (الروم)، تتحدث عن تلك المعركة، وعن تفاعل المؤمنين مع نتائجها، ويبشرهم بتغير المعادلة خلال فترة زمنية وجيزة، حيث سينتصر الروم في بضع سنين قادمة، يقول تعالى: ﴿ألم. غُلِبَتْ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴾[سورة الروم الآية 1 ـ 4].
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار دور الشهادة على العالم، الذي أناطه اللَّه تعالى بالمؤمنين ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًـا لِتَكُونُوا شُهَـدَاءَ عـَلَى النَّاسِ﴾[سورة البقرة الآية 143]. فإن ذلك يعني ضرورة تطلع المجتمع الإيماني إلى أرفع مستوى من الوعي، يتمكن به من مراقبة التحولات العالمية، والمعادلات الدولية، فضلاً عن وعيه بأوضاعه وقضاياه، يقول الإمام علي : «لا بد للعاقل من ثلاث: أن ينظر في شأنه، ويحفظ لسانه، ويعرف زمانه»[1] .
2 ـ حسن التصرف
كيف يتصرف المجتمع تجاه الظروف والمشاكل والأزمات؟ هل تسوده حالة الاستسلام وانتظار المعجزة من المجهول؟ أم تسيطر عليه الانفعالات والأحاسيس، ويحركه الحماس المجرد عن التخطيط السليم؟ أم يواجه التحديات بتفكير موضوعي، وبرامج حكيمة؟
يقاس رشد المجتمع ونضجه بما يختار ويسلك من هذه الخيارات، فالانهزام أمام المشكلة، يكشف عن فقد الإرادة وضعف الثقة، بينما الوقوع تحت حالة العاطفة والانفعال، وغياب الحكمة والتعقل، قد يضاعف المشكل ويعمّق الأزمة.
وما يقتضيه الرشد هو حسن التصرف، واتخاذ الموقف المناسب في الظرف المناسب، فقد يستلزم الظرف شدة وقوة، وقد يستدعي حماسة وانفعالاً، وقد يتطلب مرونة واستيعاباً.
وفي سيرة الرسول محمد أروع النماذج والأمثلة لحسن التصرف في الظروف المختلفة، فالمسلمون الأوائل مع رسول اللَّه كانوا كما وصفهم اللَّه تعالى ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ﴾[سورة الفتح الآية 29] والمعارك والغزوات التي خاضوها تكشف عن شجاعتهم وتضحياتهم، لكن هؤلاء الأشداء على الكفار، تقبلوا صلح الحديبية في السنة السادسة للهجرة، بما تضمنته اتفاقية الصلح من شروط لصالح المشركين في ظاهرها، وعلى حساب عزة المسلمين، حتى إن بعض الأصحاب سيطرت عليه حالة الحماس والانفعال، واعترض على ما حصل، كما يذكر ابن هشام وسائر المؤرخين: أن عمر بن الخطاب أتى رسول اللَّه فقال: يا رسول اللَّه، ألست برسول اللَّه؟ قال: بلى، قال أو لسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلامَ نعطي الدنية في ديننا؟ قال: أنا عبداللَّه ورسوله، لن أُخالف أمره، ولن يُضيعني! قال: فكان عمر يقول: مازلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق، من الذي صنعت يومئذٍ مخافة كلامي الذي تكلمت به، حتى رجوت أن يكون خيراً[2] .
لقد رفض سهيل بن عمرو المفاوض من قبل قريش أن يكتب في وثيقة الصلح: بسم اللَّه الرحمن الرحيم، وأصر أن يكتب بدلها: باسمك اللَّهم. فوافق الرسول على ذلك. ثم اعترض سهيل على كلمة «هذا ما صالح عليه محمد رسول اللَّه» قائلاً: لو شهدت أنك رسول اللَّه لم أقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك فقط: ووافق الرسول على ذلك أيضاً. واشترط سهيل: أن من أتى محمداً من قريش بغير إذن وليه ردّه عليهم، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم يردوه عليه، ومع أنه شرط مجحف إلا أن الرسول وافق عليه، وحدث أن جاء أحد المسلمين المضطهدين في مكة، يجر القيود والأغلال لاجئاً إلى معسكر المسلمين، وهو أبو جندل بن سهيل بن عمرو، فقام له أبوه سهيل وضرب وجهه، وطلب من الرسول أن يرده إلى قريش، وأن يرفض لجوءه، فوافق الرسول على ذلك، فصاح أبو جندل: يا معشر المسلمين أأرد إلى المشركين يفتنوني في ديني؟ مما آثار حماس المسلمين لكن الرسول قال له: يا أبا جندل اصبر واحتسب، فإن اللَّه جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً[3] .
ومع كل ذلك اعتبر اللَّه تعالى هذا الصلح فتحاً مبيناً ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾[سورة الفتح: الآية 1]، لأن نتيجته كانت في الأخير لمصلحة الإسلام، هكذا يجب أن يتحكم العقل في الموقف، وليس العاطفة المجردة، والمجتمع الراشد هو الذي يقوّم الظرف، ويتخذ الموقف المناسب تجاهه بموضوعية وتفكير.
3 ـ الاستفادة من الإمكانات
لكل مجتمع إمكاناته الطبيعية والبشرية، التي تختلف وتتفاوت من مجتمع لآخر، وما يمّيز المجتمع الراشد عن غيره، هو الاهتمام باكتشاف الإمكانات، والعمل على استثمارها والاستفادة منها، وتوظيفها في مصلحة تقدم المجتمع.
إن بعض المجتمعات تهمل مواردها الطبيعية، وتتجاهل كفاءات وقدرات أبنائها، بينما تسعى المجتمعات الواعية، لتنمية مواردها، والاستفادة من إمكاناتها الطبيعية والبشرية بأكبر قدر ممكن.
وهذه قبرص الجزيرة الصغيرة القريبة منا تشكل مثالاً للاستفادة من الإمكانات الطبيعية، فهي تقع في الركن الشمالي الشرقي من البحر الأبيض المتوسط، وتبعد عن جنوب تركيا 64 كم وعن غرب سوريا 100كم، ويقل سكانها عن السبعمائة ألف نسمة، وهم في مستوى معيشي مرتفع كالأوربيين، وتبلغ نسبة المتعلمين فيهم 90% ومع أنهم ليست لديهم ثروات نفطية ومعدنية، لكنهم استثمروا الطبيعة الخلاّبة وحولوا بلادهم إلى منطقة سياحية مهمَّة، تشكل السياحة فيها مورداً اقتصادياً أساسياً، إضافة إلى الإنتاج الزراعي الوفير.
وفي مجال استثمار الموارد البشرية تقدم اليابان مثلاً رائعاً، حيث تكمن قوتها العلمية والاقتصادية، في تطوير مستوى الأداء التكنولوجي والصناعي لأبنائها، فاليابان الآن قوة اقتصادية عظمى في العالم رغم قلة مواردها الطبيعية، فهي تستورد كثيراً من المواد الخام التي تحتاجها الصناعات.
وكم تمتلك مجتمعات أمتنا الإسلامية من قدرات وإمكانات هائلة، لكن ما تحتاجه هو التوجه لاستثمارها وتنميتها وتوظيفها من أجل التقدم والازدهار.