إرادة العمل
لا تزال مجتمعاتنا في العالم الثالث تواجه نقصاً وتخلفاً في شتى مجالات حياتها، فالبنية التحتية، والاحتياجات الأساسية، لم تستكمل بعد في مختلف المرافق، فضلاً عن الطموح للالتحاق بركب الحضارة، والدخول في نادي المجتمعات الصناعية المتقدمة.
ويكفي أن نعلم أنه حتى في الجانب الغذائي وهو من أشد ضرورات الحياة ومقوماتها هناك عجز واضح ونقص خطير.
فالتقديرات التي أعدتها المنظمة العربية للتنمية الزراعية، تؤكد أن البلدان العربية لا زالت تتكل على استيراد الجزء الأهم من احتياجاتها الغذائية الأساسية، وطبقاً للأرقام المتوافرة فإن العجز في إنتاج الحبوب يصل إلى حوالي 23 مليون طن سنوياً، في الوقت الذي لا يزيد فيه مستوى الاكتفاء عن 48 في المائة، وتقدر قيمة ما تدفعه الدول العربية سنوياً لاستيراد ما تحتاجه من الحبوب من الخارج بين 6 و 8 مليارات دولار، وفق تطور الأسعار في السوق العالمية.
وفي السياق نفسه فإن إنتاج الدول العربية من السكر، وهو إحدى المواد الغذائية الأساسية، لا يغطي أكثر من 36 في المائة فيما يقدر العجز الذي تتم تغطيته بواسطة الاستيراد من الأسواق العالمية بحوالي 3.7 مليون طن، بأكلاف تتراوح بين 1.3 و 2 مليار دولار.
وفي مجال إنتاج الزيوت الصالحة للاستهلاك، تستورد الدول العربية 1.750 مليون طن سنوياً، فيما لا تزيد نسبة الاكتفاء الذاتي عن 43 في المائة.
وفي تقديرات أخرى فإن الفاتورة التي تدفعها الدول العربية سنوياً لتأمين الحد الأدنى من احتياجاتها الزراعية، قد تصل بالنسبة إلى المواد الأساسية إلى حوالي 17 مليار دولار، في حين يمكن أن ترتفع إلى حوالي 60 مليار دولار، إذا احتسبت كلفة استيراد السلع الغذائية، واللحوم والأسماك[1] .
وقال وزير التجارة المصري أحمد جويلي خلال افتتاحه المؤتمر السنوي الـ 34 لاتحاد غرف التجارة العربية: " ان الدول العربية تدفع مالا يقل عن 40 مليون دولار يومياً ثمناً للمواد الغذائية المستوردة من الخارج وان المواطن العربي أصبح يعتمد على الخارج للحصول على 65% من احتياجاته من القمح، و 74% من السكر و 62% من الزيوت النباتية".
وأضاف: "يعني هذا أن الدول العربية أصبحت في مجموعها، أكثر مناطق العالم عجزاً في الغذاء"[2] .
وحالة العجز هذه تواجه العالم العربي والإسلامي في مختلف المجالات والجوانب، من اقتصاد وعلوم وتكنولوجيا وثقافة، حيث نستورد معظم احتياجاتنا من الخارج.
لكن هذا النقص والعجز ليس بسبب ندرة المواد وشح الإمكانات، فعدا الثروات النفطية والمعدنية، والمواقع الجغرافية الاستراتيجية، يتمتع العالم العربي والإسلامي بإمكانات وافرة هائلة، لكنها في الأغلب غير مستثمرة ولا مستغلة.
وتقول تقديرات علمية إن الدول العربية لا تستثمر حالياً أكثر من 10% من أراضيها الزراعية، فيما لا يزيد مستوى الإفادة من الأمطار عن 15% بينما يذهب ما يقدر بحوالي 38% من مياه الري نتيجة تدني كفاءة شبكات الري والنقل وارتفاع معدل التسرب الذي تعاني منه.
وكنموذج للإمكانات الوفيرة التي لا تستغل، نشير إلى تحقيق نَشَرَته مجلة (الاقتصاد) التي تصدرها غرفة تجارة وصناعة المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، تحت عنوان (الأسماك ثروة مهدرة). ومما جاء فيه نقتطف الفقرات التالية:
تمتاز منطقة الخليج بسواحلها المترامية الأطراف، والتي تمتد لحوالي 3500 كيلومتر كما أن الرصيف القاري لها يحتل مساحة تقدر بـ 250 كيلومتراً مربعاً. وتدل هذه الأرقام على أن ثروة سمكية هائلة توجد في هذه المسطحات المائية الشاسعة، وان إمكانية استغلال هذه الثروة الاستغلال الأمثل ليس بعيد المنال.
وتنفرد المملكة بامتلاكها لأطول شريط ساحلي في منطقة الخليج العربي حيث تبلغ سواحلها 2320 كيلومتراً منها 1760 على البحر الأحمر غرباً، 560 كيلومتراً على الخليج العربي شرقاً.
وتم تسجيل أكثر من 180 نوعاً من الأسماك والروبيان في مياه المملكة.
وصل إنتاج الأسماك في المملكة عام 1993م إلى 50 ألف طن، ويغطي من 50-65 في المائة فقط من الاستهلاك المحلي الكلي وقد بلغ الاستيراد أكثر من 28 ألف طن عام 1994م. فهناك فجوة كبيرة تتجاوز 35 في المائة بين الإنتاج والاستهلاك.
إن دول الخليج لا تستغل إلا نسبة 14 في المائة فقط من المخزون السمكي الممكن استغلاله سنوياً، وهذا أدى بدوره إلى الاعتماد المتزايد على استيراد هذه السلعة الغذائية الهامة حيث بلغت الواردات الخليجية حوالي 104 آلاف طن عام 1992م[3] .
وتشير بعض الإحصائيات الرسمية إلى أنه يبلغ عدد صيادي الأسماك في المنطقة الشرقية (المرخصين) 6848 صياداً منهم 1019 سعودي بينما يصل عدد الصيادين الأجانب 5829 أغلبهم من العمالة الهندية، بالرغم من أن صيد الأسماك من المهن التقليدية في المنطقة.
وإلى جانب توفر الثروات الطبيعية، والإمكانات الهائلة، هناك سيولة مادية، وملاءة نقدية، يمكن بها تمويل مشاريع الاستثمار والتنمية والتصنيع، فحجم الأموال العربية المستثمرة في الخارج تقدر بحوالي 850 مليار دولار، وتتجاوز الاستثمارات الخليجية وحدها 350 مليار دولار، بالأسواق المالية الدولية.
ونقرأ في بيانات أرباح المصارف والبنوك في بلادنا ما يدل على حجم تلك السيولة النقدية، فقد أظهرت النتائج المالية أن الأرباح الصافية للمصارف السعودية وعددها (11) مصرفاً، والتي أصدرت بيانات مالية، ارتفعت إلى 4.1 مليار ريال (1.7 مليار دولار) في النصف الأول من عام 1999م[4] .
ولوجود الإمكانات الهائلة، والسيولة النقدية، ولتقدم نسبة النمو السكاني حيث تشير الإحصاءات الرسمية إلى أنه يبلغ 4% سنوياً في المملكة، فإن فرص العمل متوفرة في بلادنا لسد الاحتياجات وتقديم الخدمات في مختلف المجالات، لذا تستقطب بلادنا الملايين من الخبراء والعاملين، وقد بلغ حجم التحويلات المالية التي بعث بها العمال الأجانب في السعودية إلى أوطانهم الأم أكثر من 17 مليار دولار سنة 1995م أي ما يساوي 37% من الدخل السعودي من النفط. ويزيد عدد الوافدين للعمل في السعودية على ستة ملايين عامل ينتمون إلى 190 جنسية، وقد أكد وزير الداخلية السعودي أن المملكة هي من أكثر بلاد العالم استخداماً للعمالة الوافدة بالنسبة إلى عدد السكان. ولا تزيد العمالة الوطنية في قطاع الصناعة لدى مؤسسات القطاع الخاص عن 4% وفي قطاع الخدمات 12%[5] .
لقد بلغ عدد العاملين الذكور في منشآت القطاع الخاص عام 1997م حوالي 532 ألف عامل بينما بلغت العمالة الوافدة من الذكور في تلك المنشآت لنفس العام 2 مليون عامل، وتشير التوقعات إلى ازدياد الطلب على العمالة الوافدة خلال الأعوام القادمة[6] .
ونسوق القصة التالية كمثال على توفر فرص العمل: حيث كشفت الجهات المختصة في السعودية عن أن عاملاً هندياً دخل البلاد قبل 15 عاماً تحت كفالة طبيب سعودي، وفتح مركزاً طبياً أهلياً بعمالة طاقمها من الهند، الأطباء والممرضات والعاملين، وتوسع نشاط العامل بعد النجاح الذي حققه ليفتتح فيما بعد مستوصفاً في الرياض والقصيم والشرقية وجدة، وخميس مشيط، حتى وصل إجمالي المستوصفات التي يديرها الهندي إلى 18 مستوصفاً، يديرها العامل مقابل تسليم الكفيل السعودي 2500 ريال عن كل مستوصف يودعها في حسابه البنكي يومياً دون تدخل الكفيل السعودي في حسابات الربح والخسارة وإجارات المباني والمعدات ورواتب العاملين. وتصل عوائد الكفيل السعودي من المستوصفات الـ 18 إلى 1.3 مليون ريال شهرياً بينما تصل عوائد العامل الهندي وصافي أرباحه إلى 1.8 مليون ريال شهرياً[7] .
أمام هذه المعادلة التي ترسمها الحقائق والأرقام، من وجود إمكانيات هائلة، وسيولة نقدية، ونمو سكاني، وفرص عمل كبيرة، فلماذا لا تزال بلادنا تفتقر إلى الاكتفاء الذاتي؟، ولماذا نستورد أغلب احتياجاتنا من الخارج؟، بل ولماذا نعيش التخلف والنقص في أساسيات ومقومات الحياة؟.
وما يجعل السؤال أكثر إلحاحاً هو نمو ظاهرة البطالة في بلادنا بحيث وصلت إلى 35% من قوة العمل حسب بعض التقارير، وأصبحت مصدر همٍ وقلق للمسؤولين والمواطنين..
ظاهرة بطالة في بلد يستقطب أكثر من 70 ألف يد عاملة سنوياً.. ويحتضن أكثر من ستة ملايين عامل أجنبي.. ويزخر بفرص عمل غنية تشخص لها الأبصار من وراء البحار والمحيطات..
إن ذلك يكشف عن خلل كبير يطال أكثر من جهة وجانب، ويستلزم الاستنفار العام، وإعلان حالة الطوارئ في مجال السياسات التعليمية، والأنظمة الاقتصادية، والتربية العائلية، والتوجيه الإعلامي، والثقافة العامة.
وفي بحثنا هذا سنقصر الحديث على عنصر هام، وبُعد أساس، في واقع هذه المشكلة، وهو ما يتعلق بخلق إرادة العمل في نفس الإنسان - المواطن، ودفعه لاقتحام ميدان السعي والحركة بجد واجتهاد، من أجل تحقيق ذاته، وتفجير مواهبه وكفاءاته، وليشارك في بناء وطنه ورفعة مجتمعه وأمته.
يأتي الإنسان إلى هذه الحياة كمادة خام، تقوم التربية والتنشئة بتصنيعه نفسياً وسلوكياً، لذلك فإن دراسة الواقع العائلي في مجتمعاتنا، وطبيعة تعاطيه التربوي مع الجيل الناشئ، وملاحظة الظروف الحياتية التي يعيشها أبناء هذا الجيل في طفولتهم، تكشف لنا عن خلفيات وجذور سلوكياتهم، وطرائق تفكيرهم وتعاملهم مع الحياة.
كانت ظروف الحياة القاسية في بلادنا قبل عقود قليلة من الزمن، تدفع العائلة إلى حياة الكدح والنشاط، ويفتح الطفل عينه ليرى أفراد عائلته نساءً ورجالاً، كباراً وصغاراً، وهم يعملون ويكدحون، لتحصيل لقمة العيش، وتسيير شؤون المنزل، ولم يكن هناك شيء من وسائل الرفاه، أو أجواء التنعم والرخاء إلا ضمن نطاق محدود.
فيتربى الطفل على الكدح والعمل مع عائلته من نعومة أظفاره، حيث يصحب أباه ويشاركه في بعض أعماله، كما تساعد البنت أمها منذ حداثة سنها في تحمل مهامها ووظائفها المنزلية والعملية.
يستيقظ الطفل مبكراً كوالديه، ويتدرب على العمل تحت إشرافهم، ويواجه مثلهم إلى حدٍ ما الصعوبات والمشاق، ويتربى على تحمل المسؤولية في سن مبكر.
لكن تطورات الحياة الحديثة فرضت تغييراً في نمط المعيشة، حيث توفرت حالة من الرخاء على المستوى العام، ولم يعد الطفل يشهد شيئاً من العناء والكدح في حياة والديه، فالأباء يعملون في وظائفهم وأعمالهم بعيداً عن أجواء المنزل والعائلة، والأمهات يستخدمن مختلف الوسائل والأجهزة السريعة المريحة في خدمات المنزل، بل تستعين بعضهن بالخادمات والشّغّالات.
ويعيش الأولاد ذكوراً وإناثاً عقدين من أعمارهم كضيوف شرف مدللين مخدومين في منازلهم غالباً، خلال فترة الدراسة، وإلى أن يشقّوا طريقهم للعمل والوظيفة.
وتبالغ بعض العوائل وخاصة الموسرة في توفير أجواء الرخاء والرفاه لأبنائها، بتلبية كل مطالبهم الكمالية فضلاً عن الضرورية، وتوفير السيولة النقدية بأيديهم، ليصرفوا وينفقوا دون أن ينالهم شيء من عناء الكسب.
هذه الظروف التي يعيشها أبناء هذا الجيل في نشأتهم ومقتبل أعمارهم، تترك آثارها في نفوسهم، رغبة في الراحة والدعة، وعزوفاً عن الكدح والعناء.
وينقل عن عرب مكة أنهم كانوا وقبل الإسلام، يدفعون أولادهم الصغار إلى العوائل البدوية في الصحراء، ليتدربوا على مواجهة الصعاب، بعيداً عن رخاء الحاضرة ورفاهها.
إننا يجب أن نلحظ في تربية أبنائنا إعدادهم لما ينتظرهم من مشاق الحياة، وتهيئتهم لتحمل مسؤوليات العمل والبناء، فنهتم بالتوازن بين إراحتهم والعطف عليهم، وبين صقل شخصياتهم وشحذ هممهم وإرادتهم.
قد يندفع الإنسان للعمل تحت ضغط الحاجة ولتوفير متطلبات الحياة، فيسعى ويكدح ضمن هذه الحدود، وقد ينطلق في حركته ونشاطه بدافع ثقافي معرفي، حينما يعي طبيعة الحياة، ويدرك دوره الطليعي الخلاّق، ويهتم بموقع أمته ووطنه، على خارطة العالم. وهنا يكون الانطلاق في أفق حضاري رحيب، تتفجر على أساسه الطاقات، وتنمو المواهب والقدرات، ويبذل الإنسان أقصى جهوده وإمكاناته، ليكون على مستوى التنافس والصراع بين الأمم والحضارات.
وتحتاج مجتمعاتنا، وخاصة الأجيال الناشئة منها، إلى الثقافة الدافعة نحو العمل، والمحركة باتجاه الإبداع والانطلاق.
ويمكن للتوجيه الديني أن يقوم بدور أساس في هذا المجال، لأن مفاهيم الإسلام وتعاليمه تستهدف بناء شخصية الإنسان العامل الكادح، الذي يتطلع إلى عمارة الأرض وتسخير الكون، وتحقيق خلافة الله تعالى في هذه الحياة.
لكن المشكلة هو ما حصل من انفصال بين التوجيه الديني وشؤون الحياة لدى بعض الأوساط الدينية، حيث غابت هموم المعيشة وقضايا الحياة عن لغة الخطاب الديني، والذي أصبح مهتماً بالتوجيه إلى قضايا الآخرة وتحصيل الجنة وحور العين فيها، بل بالغ بعض الواعظين والمرشدين في تثبيط همم الناس عن الكدح والعمل، نتيجة خطئه في قراءة بعض المفاهيم الدينية كالزهد والتقوى والورع، وذم حب المال والدنيا، فعرضت هذه المفاهيم كباعث للعزوف عن المصالح الدنيوية، والإعراض عن تحقيق المكاسب المادية.
وذلك انحراف واضح عن استقامة الإسلام، وتوازن تعاليمه بين مكاسب الدنيا وثواب الآخرة،فالمؤمن الحقيقي يتطلع للتقدم والنجاح في الدارين، ويقول كما علمه الله تعالى: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً ﴾ [8] .
وكما يرشده خالقه بقولـه تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا ﴾ [9] .وجاء في الحديث الشريف: «من لا معاش له لا معاد له».
أما التقوى والورع والزهد وسائر المفاهيم العظيمة، فهي كوابح وضوابط لتنظيم حركة الإنسان في الحياة، حتى لا يقع في المزالق والمهالك، ولا يفقد توازنه، أو يبغي ويعتدي على أبناء جنسه.
إن آيات القرآن الكريم، وأحاديث الرسول المصطفى ، والأئمة الهداة من أهل بيته، والأخيار الكرام من صحابته، كلها توجيه ودفع للجد والاجتهاد، والعمل والسعي، والكدح والحركة، وعلى هدي هذه التوجيهات شقت الأمة الإسلامية طريقها نحو التقدم والرفعة، وصنعت حضارتها المشرقة الزاهية، وحينما حصل التحريف والتزييف في طرح مفاهيم الإسلام وأفكاره، وعادت أحكامه وشرائعه مجرد طقوس وتقاليد لا روح فيها، ولا تفاعل لها مع واقع الحياة، حينئذٍ تراجعت مسيرة الأمة، وانتكست حضارتها، وأصبحت في ذيل القافلة، بعد أن كان بيدها معقد الزمام.
إننا بحاجة ماسة إلى نفض غبار التخلف الذي تراكم على جوهر تراثنا، وحقائق مفاهيم ديننا، ليعود الإسلام كما كان مشروع حضارة وبناء، ومنهج حركة وإبداع.
وعلماء الدين وخطباء المنبر، تقع عليهم مسؤولية بعث روح العمل والنشاط، وإذكاء همم الإنتاج والعطاء.
ووسائل الإعلام يجب أن تأخذ دورها الإيجابي في التثقيف العام الذي يدفع أبناء الوطن إلى التطلع والطموح، وتنقل لهم تجارب الآخرين، ومدى سعيهم في مجالات العلم والتكنولوجيا والتصنيع.
ومؤسف أن أغلب وسائل الإعلام، وبدل أن تشارك في صياغة نفسية المواطن على أساس الجد والمسؤولية والالتزام، فإنها تنشر ثقافة الميوعة والهبوط الأخلاقي، وتبشّر بحياة الترف واللهاث خلف الملذات والأهواء، ولا تنقل لأبنائنا صور النضال العلمي، والنشاط العملي الدائب في المجتمعات المتقدمة، بل تروّج لمشاهد الخلاعة والفساد والانحراف، الذي يحصل هناك، ويشكل جانب الضعف في تلك المجتمعات.
كما أن الأجواء العامة السائدة في المجتمع، من أمثلة شعبية، وأخبار متداولة، وأحاديث في المجالس والمنتديات، ينبغي أن تستهدف التركيز والتأكيد على تشجيع المبادرات الإيجابية، والإشادة بالتجارب العملية الناجحة، وأن تشحن النفوس بحب العمل، والرغبة في الكدح، وتجاوز العقبات والصعوبات التي تعترض طريق العاملين.
وما نراه في بعض الأوساط الاجتماعية من انتشار أجواء سلبية، تستهين بهذا العمل أو ذاك، وتشكك في جدوائية الأنشطة والمبادرات، وتضخّم النواقص والثغرات، هذه الأجواء إنما تكرس تخلف المجتمع، وتثبط الهمم والعزائم في نفوس أبنائه، وتضر بمستقبله ومصلحته.